عنوان الفتوى : أقسام اجتهاد النبي صلى الله عليه وسلم
عرفنا أن رأي النبي صلى الله عليه و سلم وظنه واجتهاده غير ملزم. فكيف نفرق أمر إذا لم يوجد في الحديث قرينة تدل على هذا كلفظ أظن أو رأيي ومثل هذا؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذا التأصيل الذي ذكره السائل ليس صوابا بإطلاقه، فإن هذا في ظن النبي صلى الله عليه وسلم في أمور الدنيا والمعاش، لا في أمور الدين والبلاغ، كما في حديث طلحة قال: مررت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوم على رءوس النخل، فقال: ما يصنع هؤلاء؟ فقالوا: يلقحونه يجعلون الذكر في الأنثى فيلقح. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أظن يغني ذلك شيئا. قال: فأخبروا بذلك فتركوه، فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك فقال: إن كان ينفعهم ذلك فليصنعوه، فإني إنما ظننت ظنا فلا تؤاخذوني بالظن، ولكن إذا حدثتكم عن الله شيئا فخذوا به، فإني لن أكذب على الله عز وجل. رواه مسلم.
ويوضح ذلك رواية رافع بن خديج قال: قدم نبي الله صلى الله عليه وسلم المدينة وهم يأبرون النخل فقال: ما تصنعون؟ قالوا: كنا نصنعه. قال: لعلكم لو لم تفعلوا كان خيرا. فتركوه فنقصت. قال: فذكروا ذلك له فقال: إنما أنا بشر، إذا أمرتكم بشيء من دينكم فخذوا به، وإذا أمرتكم بشيء من رأي فإنما أنا بشر.
وكذلك روايتا عائشة وأنس أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بقوم يلقحون فقال: لو لم تفعلوا لصلح. فخرج شيصا فمر بهم فقال: ما لنخلكم؟ قالوا: قلت كذا وكذا. قال: أنتم أعلم بأمر دنياكم. رواهما مسلم.
فلا بد من التفريق بين أمور الدنيا وتدبير أحوالها، وبين أمور الديانة والبلاغ عن الله تعالى، فقد أجمع أهل العلم على أنه يجوز للنبي صلى الله عليه وسلم أن يجتهد فيما يتعلق بمصالح الدنيا وتدبير الحروب ونحو هذه الأمور. وأما الأحكام الشرعية والأمور الدينية فجمهور أهل العلم الذين يجوزون اجتهاد النبي صلى الله عليه وسلم في ما لا وحي فيه، يقولون: إنه لا يُقر على خطأ، فإذا اجتهد صلى الله عليه وسلم ولم يوافق حكم الله نزل الوحي مبينا للصواب.
وعلى ذلك فكل ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من اجتهاد وأقره الوحي عليه فهو حق محض، والواجب اتباعه ولا يجوز العدول عنه بحال، وراجع في ذلك الفتويين: 3217، 113857.
والله أعلم.