عنوان الفتوى : وقفة مهمة مع من يصف مخالفه بأنه " خارجي " !

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

هناك أخ يستخدم ألفاظاً سيئة ودائماً ما يدعو الآخرين بـ " الشيطان " و " الخوارج " ، فهل يجوز إطلاق هذه الأسماء على مسلمين آخرين ؟ وما هي النصيحة التي توجهونها لمن يستخدم ألفاظاً سيئة ويدعو الآخرين بـ " الشيطان " و " الخوارج " ؟ هل في هذا إثم ؟ .

مدة قراءة الإجابة : 11 دقائق

الحمد لله.


أولاً:
يجب على المسلم أن يحفظ لسانه عما يضره في دينه ودنياه ، وقد جاءت النصوص الكثيرة في القرآن والسنَّة تحث المسلم على حفظ لسانه عما لا ينبغي ، وتذكِّره بعواقب عمل لسانه وأن الله تعالى يسمعه وأن الملائكة الحفظة تسجل عليه كلماته ، ليحذر قبل أن ينطق لئلا يعرض نفسه للوعيد ، قال تعالى ( مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ) ق/ 18 ، وقال تعالى ( وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ) يونس/ 61 ، وقال تعالى ( أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ ) الزخرف/ 80 ، وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ( مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ ) رواه البخاري ( 5672 ) ومسلم ( 47 ) ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ - بعد أن علَّمه بعض شرائع الإسلام - ( أَلا أُخْبِرُكَ بِمَلَاكِ ذَلِكَ كُلِّهِ ؟ ) قُلْتُ : بَلَى يَا نَبِيَّ اللَّهِ ، فَأَخَذَ بِلِسَانِهِ وقَالَ ( كُفَّ عَلَيْكَ هَذَا ) فَقُلْتُ : يَا نَبِيَّ اللَّهِ وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ ؟! فَقَالَ ( ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ ، وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ إِلا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ ) رواه الترمذي ( 2616 ) وصححه ، وابن ماجه ( 3973 ) ، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مَا يَتَبَيَّنُ فِيهَا يَزِلُّ بِهَا فِى النَّارِ أَبْعَدَ مِمَّا بَيْنَ الْمَشْرِقِ ) رواه البخاري ( 6112 ) ومسلم (2988) .

وأما أقوال العلماء في ضرورة حفظ اللسان فكثيرة أيضاً ، نذكر منها :
قال ابن حبان – رحمه الله - : " الواجب على العاقل أن يلزم الصمت إلى أن يلزمه التكلم ، فما أكثر من ندم إذا نطق ، وأقل من يندم إذا سكت ، وأطول الناس شقاء وأعظمهم بلاء من ابتلى بلسان مطلق وفؤاد مطبق " انتهى من " روضة العقلاء ونزهة الفضلاء " ( ص 43 ) .
وقال – أيضاً - : " الواجب على العاقل أن يُنصف أذنيه من فيه ، ويعلم أنه إنما جعلت له أذنان وفم واحد ، ليسمع أكثر مما يقول ؛ لأنه إذا قال ربما ندم ، وإن لم يقل لم يندم ، وهو على رد ما لم يقل ، أقدر منه على رد ما قال ، والكلمة إذا تكلم بها ملكَتْه ، وإن لم يتكلم بها ملكها ، والعجب ممن يتكلم بالكلمة إن هي رفعت ربما ضرته ، وإن لم ترفع لم تضره ؛ كيف لا يصمت ، ورب كلمة سلبت نعمة " انتهى من " روضة العقلاء ونزهة الفضلاء " ( ص 45 ) .

وقال الشيخ عبد الرحمن السعدي – رحمه الله - : " حفظ اللسان عليه المدار ، وهو مِلاك أمر العبد ، فمتى ملك العبد لسانه ملك جميع أعضائه ، ومتى ملكَه لسانُه فلم يصنه عن الكلام الضار ، فإن أمره يختل في دينه ودنياه ، فلا يتكلم بكلام إلا قد عرف نفعه في دينه أو دنياه ، وكل كلام يحتمل أن يكون فيه انتقاد أو اعتذار فليدعه ؛ فإنه إذا تكلم به ملكه الكلام ، وصار أسيراً له ، وربما أحدث عليه ضرراً لا يتمكن من تلافيه " انتهى من " بهجة قلوب الأبرار " ( ص 168 ، 169 ) .

ثانياً:
في إطلاق أحدهم على غيره أنه " شيطان " وأنه من " الخوارج " وقفتان :
الأولى : أن قوله " شيطان " سب وشتم ، وهما من المحرَّمات ، وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ( سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ ، وَقِتَالُهُ كُفْرٌ ) رواه البخاري ( 5697 ) ومسلم ( 64 ) .
قال النووي - رحمه الله - : " وأما معنى الحديث : فسبُّ المسلم بغير حق : حرامٌ بإجماع الأمَّة ، وفاعله : فاسق ، كما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم " انتهى من " شرح مسلم " ( 2 / 53 ، 54 ) .
الثانية : أن قوله عنه إنه من " الخوارج " فيه أنه نسب مخالفَه لفرقة معروفة بالضلال وللعلماء في تكفيرها قولان مشهوران .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - : " وأما تكفيرهم وتخليدهم : ففيه أيضا للعلماء قولان مشهوران : وهما روايتان عن أحمد ، والقولان في الخوارج والمارقين من الحرورية والرافضة ونحوهم ، والصحيح : أن هذه الأقوال التي يقولونها التي يُعلم أنها مخالفة لما جاء به الرسول : كفر ، وكذلك أفعالهم التي هي من جنس أفعال الكفار بالمسلمين : هي كفر أيضا ، وقد ذكرت دلائل ذلك في غير هذا الموضع ؛ لكن تكفير الواحد المعين منهم والحكم بتخليده في النار : موقوف على ثبوت شروط التكفير وانتفاء موانعه " انتهى من " مجموع الفتاوى " (28 / 500).

وحتَّى يصح إطلاق لفظ " خارجي " على أحد فلا بدَّ أن يكون موافقاً لهم في أصل من أصولهم ، ومن أبرزها :
1. الخلل في مسألة الإيمان وعلاقة العمل به ، فهم يرون أن الإيمان لا يزيد ولا ينقص ! ويرون أن آحاد الأعمال الواجبة هو ترك للإيمان كله ! لذا حكموا على تارك الواجب بالكفر المخرج من الملة ، ومنه انطلقوا إلى القول بكفر فاعل الكبيرة كفراً مخرجاً من الملة وإذا لقي الله بها من غير توبة أو حدٍّ فهو مخلَّد في نار جهنم .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - : " ثم إذا ترك واجباً أو فعل محرَّماً قالوا بنفوذ الوعيد فيه ، فيوجبون تخليد فسَّاق أهل الملة في النار ، وهذا قول جمهور المعتزلة والخوارج ، ولكن الخوارج يكفرون بالذنب الكبير - أو الصغير عند بعضهم - وأما المعتزلة فيقولون : هو في منزلة بين منزلتين لا مؤمن ولا كافر " انتهى من " مجموع الفتاوى " ( 19 / 151 ) .
2. أنهم يرون السيف على مخالفيهم ، فيرفعونه على أهل الإسلام ، ويتركون أهل الأوثان .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - : " وفي الصحيحين في حديث أبي سعيد ( يَقْتُلُونَ أَهْلَ الْإِسْلَامِ وَيَدَعُونَ أَهْلَ الْأَوْثَانِ ؛ لَئِنْ أَدْرَكْتهمْ لَأَقْتُلُهُمْ قَتْلَ عَادٍ ) وهذا نعت سائر الخارجين كالرافضة ونحوهم ؛ فإنهم يستحلون دماء أهل القبلة لاعتقادهم أنهم مرتدون ، أكثر مما يستحلون من دماء الكفار الذين ليسوا مرتدين ؛ لأن المرتد شر من غيره " انتهى من " مجموع الفتاوى " ( 28 / 497 ) .
3. أنهم يبالغون في التكفير انطلاقا من اتباع المتشابه في الأدلة الشرعية .
وقد بوَّب الإمام البخاري في صحيحه باباً بعنوان : " بَاب قَتْلِ الْخَوَارِجِ وَالْمُلْحِدِينَ بَعْدَ إِقَامَةِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ( وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ ) وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَرَاهُمْ شِرَارَ خَلْقِ اللَّهِ وَقَالَ إِنَّهُمُ انْطَلَقُوا إِلَى آيَاتٍ نَزَلَتْ فِي الْكُفَّارِ فَجَعَلُوهَا عَلَى الْمُؤْمِنِينَ " . انتهى .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - : " فهؤلاء أصل ضلالهم : اعتقادهم في أئمة الهدى وجماعة المسلمين أنهم خارجون عن العدل وأنهم ضالون وهذا مأخذ الخارجين عن السنة من الرافضة ونحوهم ، ثم يعدون ما يرون أنه ظلم عندهم كفراً ، ثم يرتبون على الكفر أحكاماً ابتدعوها ، فهذه ثلاث مقامات للمارقين من الحرورية والرافضة ونحوهم ، في كل مقام تركوا بعض أصول دين الإسلام ، حتى مرقوا منه كما مرق السهم من الرمية " انتهى من " مجموع الفتاوى " ( 28 / 497 ) .

ونختم بما بدأنا به وهو الحذر من شتم الناس واتهامهم بما ليس فيهم ، ومن أشد ذلك وصفهم بالخارجية استعداءً للحكام عليهم وتقرباً بذلك لهم ، ولا يعني هذا خلو الأرض من الخوارج ، لكن مقصودنا هنا هو الاتهام بالباطل لإخوانه للمسلمين ، لمجرد اختلاف في المنهج ، أو في الرأي والاجتهاد .

والله أعلم

أسئلة متعلقة أخري
لا يوجود محتوي حاليا مرتبط مع هذا المحتوي...