عنوان الفتوى : كلام أهل العلم في حديث الأمر بقتل الكلب الأسود
أرجو إفادتي عن حديث قتل الكلب الأسود، وكيف لنبي الرحمة أن يأمر بقتل حيوان أسود كان أو غير ذلك، وهنا أرجو إفادتي فهل يوجد مخلوق على وجه الأرض أرحم من الله أو من الرسول صلى الله عليه وسلم؟ بالطبع لا، فنحن كما نعرف أن الغرب معروفون بحبهم للكلاب السود وغيرها، فإذا ذهب أي مسلم هناك ورأى كلبا أسود فقتله فماذا تتوقع من ردة فعلهم؟ فكأنك قتلت شخصا، وسؤالي هنا: هل هؤلاء الناس لديهم رحمة أكثر من النبي صلى الله عليه وسلم؟ وهل يوافق النبي صلى الله عليه وسلم على قتل الكلب؟ وأي شخص آخر مسلم أو غير مسلم لا يستطيع قلبه أن يرى هذا المشهد؟! ومن وجهة نظري العقلية إذا كان شخص على هذه الأرض فسوف يتأثر بمشهد قتل كلب أسود أو غيره فأنا أؤمن أنه لا يوجد أرحم من رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، أرجو التفسير، وهل إذا شككت في صحة هذا الحديث أكون آثما لأنني لا أؤمن بأن يكون هناك شخص أرحم من الرسول صلى الله عليه وسلم؟ وشكرا.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا ريب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الرحمة المهداة والنعمة المسداة، وقد رحم الله به العالمين بما فيهم عالم الحيوان، وقد صح عنه أنه أخبر أن الله غفر لبغي بسبب أنها سقت كلبا، وعلى المسلم أن يقيس الرحمة وغيرها من الأمور بميزان الإسلام، فإذا ثبت أن الشرع أذن بقتل الكلب الأسود أو غيره فيجب اعتقاد أن ذلك حق ورحمة، وبما أنك تعتقد أنه لا أرحم من الرسول صلى الله عليه وسلم وهذا حق، فكان ينبغي عليك قبل الشك في الحديث المشار إليه أن تتأكد أولا من ثبوته، فإذا تبين لك أنه ثابت وصريح تركت ما تظنه صوابا للدليل الثابت الصريح، وهذا هو موقف المسلم كما يقول الإمام الشافعي رحمه الله: أجمع الناس على أن من استبانت له سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن له أن يدعها لقول أحد من الناس. اهـ
أما عن مسألة قتل الكلاب، فالمسألة فيها تفصيل وبيانه كالآتي: يقول النووى في شرح صحيح مسلم: أجمع العلماء على قتل الكلب الكَلِب والكلب العقور واختلفوا في قتل ما لا ضرر فيه، فقال إمام الحرمين من أصحابنا ـ الشافعية: أمر النبي صلى الله عليه وسلم أولا بقتلها كلها، ثم نسخ ذلك ونهى عن قتلها إلا الأسود البهيم، استقر الشرع على النهي عن قتل جميع الكلاب التي لا ضرر فيها سواء الأسود وغيره، ويستدل لما ذكره بحديث ابن المغفل، القاضي عياض: ذهب كثير من العلماء إلى الأخذ بالحديث في قتل الكلاب إلا ما استثني من كلب الصيد وغيره، قال: وهذا مذهب مالك وأصحابه، وذهب آخرون إلى جواز اتخاذ جميعها ونسخ الأمر بقتلها والنهي عن اقتنائها إلا الأسود البهيم، قال القاضى: وعندي أن النهي أولا نهي عام عن اقتناء جميعها وأمر بقتل جميعها، ثم نهى عن قتلها ما سوى الأسود، ومنع الاقتناء في جميعها إلا كلب صيد أو زرع أو ماشية، يقول النووي: وهذا الذي قاله القاضي هو ظاهر الأحاديث، ويكون حديث ابن المغفل مخصوصا بما سوى الأسود. انتهى.
ويقول الدميري، بعد ذكر الأحاديث الواردة في قتل الكلاب: حمل الأصحاب الأمر بقتلها على الكلب الكلِب والكلب العقور واختلفوا في قتل ما لا ضرر فيه منها، فقال القاضى حسين وإمام الحرمين والماوردي في باب: بيع الكلاب ـ والنووي في أول البيع من شرحي المهذب ومسلم: لا يجوز قتلها، وقال في باب: محرمات الإحرام: إنه الأصح، وإن الأمر بقتلها منسوخ وعلى الكراهة اقتصر الرافعي في الشرح وتبعه في الروضة، وزاد أنها كراهة تنزيه لا تحريم، لكن قال الشافعي في الأم في باب الخلاف في ثمن الكلاب: واقتلوا الكلاب التي لا نفع فيها حيث وجدتموها، وهذا هو الراجح. انتهى.
وجاء في تحفة الأحوذي شرح الترمذي: قال النووي أجمعوا على قتل العقور واختلفوا فيما لا ضرر فيه، قال إمام الحرمين أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتلها كلها ثم نسخ ذلك إلا الأسود البهيم ثم استقر الشرع على النهي عن قتل جميع الكلاب حيث لا ضرر فيها حتى الأسود البهيم. انتهى
وجاء في الموسوعة الفقهية: قال الْحَطَّابِ: ذَهَبَ كَثِيرٌ مِنْ عُلَمَاءِ الْمَالِكِيَّةِ: إِلَى أَنَّهُ لاَ يُقْتَل مِنَ الْكِلاَبِ أَسْوَدُ وَلاَ غَيْرُهُ، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ عَقُورًا، مُؤْذِيًا، وَقَالُوا: الأَْمْرُ بِقَتْل الْكِلاَبِ مَنْسُوخٌ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لاَ تَتَّخِذُوا شَيْئًا فِيهِ الرُّوحُ غَرَضًا ـ فَعَمَّ وَلَمْ يَخُصَّ كَلْبًا مِنْ غَيْرِهِ، وَاحْتَجُّوا كَذَلِكَ بِالْحَدِيثِ الصَّحِيحِ فِي الْكَلْبِ الَّذِي كَانَ يَلْهَثُ عَطَشًا، فَسَقَاهُ الرَّجُل، فَشَكَرَ اللَّهَ لَهُ وَغَفَرَ لَهُ، وَقَال: قَال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فِي كُل كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ، قَالُوا: فَإِذَا كَانَ الأَْجْرُ فِي الإِْحْسَانِ إِلَيْهِ، فَالْوِزْرُ فِي الإِْسَاءَةِ إِلَيْهِ وَلاَ إِسَاءَةَ إِلَيْهِ أَعْظَمُ مِنْ قَتْلِهِ، وَلَيْسَ فِي قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: الْكَلْبُ الأَْسْوَدُ شَيْطَانٌ ـ مَا يَدُل عَلَى قَتْلِهِ، لأَِنَّ شَيَاطِينَ الإِْنْسِ وَالْجِنِّ كَثِيرٌ، وَلاَ يَجِبُ قَتْلُهُمْ، وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ مَا لاَ يَظْهَرُ فِيهِ مَنْفَعَةٌ وَلاَ ضَرَرٌ كَالْكَلْبِ الَّذِي لَيْسَ بِعَقُورٍ يُكْرَهُ قَتْلُهُ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ، وَمُقْتَضَى كَلاَمِ بَعْضِهِمُ التَّحْرِيمُ، وَالْمُرَادُ الْكَلْبُ الَّذِي لاَ مَنْفَعَةَ فِيهِ مُبَاحَةً، فَأَمَّا مَا فِيهِ مَنْفَعَةٌ مُبَاحَةٌ، فَلاَ يَجُوزُ قَتْلُهُ بِلاَ شَكٍّ، سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الأَْسْوَدُ وَغَيْرُهُ، وَالأَْمْرُ بِقَتْل الْكِلاَبِ مَنْسُوخٌ، وَمَذْهَبُ الْحَنَابِلَةِ أَنَّهُ يَحْرُمُ قَتْل الْكَلْبِ الْمُعَلَّمِ، وَقَاتِلُهُ مُسِيءٌ ظَالِمٌ، وَكَذَلِكَ كُل كَلْبٍ مُبَاحٌ إِمْسَاكُهُ، لأَِنَّهُ مَحَلٌّ مُنْتَفَعٌ بِهِ، يُبَاحُ اقْتِنَاؤُهُ، فَحَرُمَ إِتْلاَفُهُ، كَالشَّاةِ، قَال ابْنُ قُدَامَةَ: وَلاَ نَعْلَمُ فِي هَذَا خِلاَفًا، وَلاَ غُرْمَ عَلَى قَاتِلِهِ، قَال الرَّحِيبَانِيُّ: لاَ يُبَاحُ قَتْل شَيْءٍ مِنَ الْكِلاَبِ سِوَى الأَْسْوَدِ وَالْعَقُورِ لِلنَّهْيِ عَنْهُ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ قَال: أَمَرَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بِقَتْل الْكِلاَبِ ثُمَّ قَال: مَا بَالُهُمْ وَبَال الْكِلاَبِ؟ وَيُبَاحُ قَتْل الْكَلْبِ الْعَقُورِ فَكُل مَا آذَى النَّاسَ وَضَرَّهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يُبَاحُ قَتْلُهُ، لأَِنَّهُ يُؤْذِي بِلاَ نَفْعٍ، أَشْبَهَ الذِّئْبَ، وَمَا لاَ مَضَرَّةَ فِيهِ لاَ يُبَاحُ قَتْلُهُ وَقَال الرَّحِيبَانِيُّ: يَجِبُ قَتْلُهُ. انتهى.
وننبهك إلى أن عليك الرجوع إلى أهل العلم وسؤالهم عما أشكل عليك من أمور دينك لقوله تعالى: فسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون { النحل:43}.
والله أعلم.