عنوان الفتوى : ماهية المرض المبيح للفطر في رمضان
إخواني أود أن أسألكم عن جواز الإفطار للمصاب بالشقيقة ـ الصداع ـ حيث إنني في أول أسبوع قد انتابني صداع خفيف مما مكنني من الاستمرار في الصيام، لكن أصابني في يوم كنت صائمة فيه صداع قوي مصاحب بالغثيان مما منعني من الوقوف، وتحملت إلى وقت الإفطار، وبعدها بدأت بالتقيؤ، ولم أستطع الأكل سوى شربة ماء والدواء المضاد للشقيقة والنوم، ويومها لم أستطع الاعتناء بالأولاد والأسرة، وفي اليوم التالي اضطررت للإفطار، لأن حالة الصداع هذه إذا انتابتني تستمر في بعض الأحيان ثلاثة أيام، وسؤالي عن إفطاري في اليوم التالي، وهل أعتبر متعمدة؟ ويجب علي دفع الكفارة؟ وما حكم الاستمرار في الصيام في هذه الحالة أو الإفطار؟ أفيدوني بسرعة بالإجابة الله يخليكم فإني أخاف معصية الله، وبارك الله فيكم.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كانت السائلة قد وجدت مشقة يصعب عليها احتمالها، أو خافت زيادة المرض الذي ألم بها أو تأخر برئه فلها الفطر ما دامت تجد ذلك أو تخشاه لوجود المرض والمشقة الظاهرة، ولا يعتبر فطرها في اليوم المذكورفطرا متعمدا، بل هو فطر جائز رفعا للحرج وجلبا للتيسير، لأن ضابط المرض المبيح للفطرعند جمهورأهل العلم، هو المرض الشديد الذي يزيد بالصوم، أو يُخشى معه تأخر البرء، أو حصول مشقة يشق احتمالها، وعليها القضاء فيما بعد، بل إن تحملها الصيام في اليوم الذي اشتد عليها فيه المرض مكروه كما ذكر الفقهاء، لكن الصوم مع ذلك صحيح مجزئ ـ إن شاء الله تعالى ـ فإن شفيت وجب عليها الصيام، ولا يجوز لها الفطر بسبب المرض الخفيف كالصداع الخفيف ونحوه، قال ابن قدامة في المغني: المرض المبيح للفطر هو الشديد الذي يزيد بالصوم أو يخشى تباطؤ برئه، قيل لأحمد متى يفطر المريض؟ قال: إذا لم يستطع، قيل مثل الحمى، قال وأي مرض أشد من الحمى؟ ... إلى أن قال: والمرض لا ضابط له، فإن الأمراض تختلف منها ما يضر صاحبه الصوم ومنها ما لا أثر للصوم فيه كوجع الضرس وجرح في الإصبع والدمل والقرحة اليسيرة والجرب وأشباه ذلك فلم يصلح المرض ضابطا وأمكن اعتبار الحكمة وهو ما يخاف منه الضرر فوجب اعتباره، فإذا ثبت هذا فإن تحمل المريض وصام مع هذا فقد فعل مكروها لما يتضمنه من الأضرار بنفسه وتركه تخفيف الله تعالى وقبول رخصته ويصح صومه ويجزئه، لأنه عزيمة أبيح تركها رخصة فإذا تحمله أجزأه، ... إلى أن قال: فصل: الصحيح الذي يخشى المرض بالصيام كالمريض الذي يخاف زيادته في إباحة الفطر، لأن المريض إنما أبيح له الفطر خوفا مما يتجدد بصيامه من زيادة المرض وتطاوله فالخوف من تجدد المرض في معناه. انتهى.
وقال النووي في المجموع: ولا يشترط أن ينتهي إلى حالة لا يمكنه فيها الصوم، بل قال أصحابنا: شرط إباحة الفطر أن يلحقه بالصوم مشقة يشق احتمالها .انتهى.
مع التنبيه على أن تعمد الفطر في رمضان بغير الجماع لا يوجب الكفارة عند جمهور الفقهاء، وإنما يوجب التوبة والقضاء كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 111609.