عنوان الفتوى : هل مراسلة الأرحام برسائل الجوال والبريد الإلكتروني يعدُّ من صلة الرحم ؟
لقد قمت بدعوة مجموعة من إخوتي وأهلي لمشروع يقوم على إرسال رسالة أسبوعية عبر البريد الإلكتروني ، وهذه الرسالة يقوم كل شخص بكتابة أخباره وأحواله وخواطره ويتقفد فيها أحوال باقي الأهل ، ونتعاون فيها على السراء والضراء عبر إرسال رسالة جماعية تعبر عن المناسبة ، فاستجاب لها عدد لا بأس به من الأهل ، وأصبحنا نتبادل هذه الأخبار مرة واحدة أسبوعيّاً في يوم الخميس عبر إرسال رسالة الأخبار هذه لجميع من أعرف بريدهم الإلكتروني من أهلي سواء انضم إلى هذه الفكرة أو لم ينضم ، وأصبحت - تقريباً - مرجعاً للأهل لمعرفة أحوال بعضهم بعضاً . سؤالي : هل يعتبر هذا الموضوع من أبواب صلة الرحم ؟ .
الحمد لله.
أولاً:
سبق في جواب السؤال رقم ( 75050 ) اختلاف العلماء في حد الرحم الواجب صلتهم ، وذكرنا هناك أن الراجح هو أنهم الأقارب من النسب سواء كانوا يرثون أم لا .
ثانياً:
لم يأت في الشرع تحديد للمدة التي يجب صلة الرحم فيها ، ولم يأت تحديد لكيفية صلتهم
، ولم يأت تحديد للأشياء التي يُوصلون بها ، وما كان هذا حاله فمرجع تحديده وضبطه :
عُرف البلد أو الأسرة أو القبيلة ، والأعراف تختلف من بلد لآخر ، ومن زمان لآخر ،
ومن أسرة وقبيلة لأخرى .
وهذه بعض أقوال العلماء في تأييد ما سبق وقلناه ، وأن ما يسأل عنه الأخ السائل داخل
في صلة الرحم .
1. قال النووي رحمه الله :
صلة الرحم هي الإحسان إلى الأقارب على حسب الواصل والموصول ، فتارة تكون بالمال ،
وتارة تكون بالخدمة ، وتارة تكون بالزيارة ، والسلام ، وغير ذلك .
" شرح مسلم " ( 2 / 201 ) .
2. وقال الحافظ ابن حجر – رحمه الله - :
قال القرطبي : الرحِم التي توصَل عامة وخاصة ، فالعامة : رحِم الدِّين وتجب
مواصلتها بالتوادد والتناصح والعدل والإنصاف والقيام بالحقوق الواجبة والمستحبة .
وأما الرحم الخاصة : فتزيد للنفقة على القريب وتفقد أحوالهم والتغافل عن زلاتهم .
" فتح الباري " ( 10 / 418 ) .
3. وسئل الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله - :
هل تجوز صلة الرحِم عبر التلفون ؟ .
فأجاب :
نعم ، هذا من صلة الرحم ، المكالمة الهاتفية ، والمكاتبة بالقلم : كلها من الصلة ،
كونه يكتب إليه ، إلى أخيه ، أو عمه ، أو قريبه ، يسأله عن صحته وعن حاله ، أو
يكلمه بالهاتف : كله طيب ، كله من الصلة .
" نور على الدرب " ابن باز ( شريط رقم 419 ) .
وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله - :
صلة الرحم ليس فيها حد لا في المدة ، ولا في الكيفية ، ولا بالذي يوصل به مال أو
كسوة أو غيره ، فجاءت النصوص مطلقة " صلة رحم " ، فما عدَّه الناس صلة : فهو صلة ،
وما عدوه قطيعة : فهو قطيعة ، وبهذا تختلف الأحوال ، قد يكون الناس في حال فقر
والأقارب يحتاجون كثيراً : فهنا لابد أن أصلهم بالمال ، وقد يكون بعض الأقارب
مريضاً يحتاج إلى عيادة : فلا بد أن أعوده ، فالمهم أن صلة الأرحام موكولة إلى عرف
الناس ، وليس لها حد .
" لقاء الباب المفتوح " ( 73 / السؤال 26 ) باختصار وتصرف يسيرين .
وبه يُعلم أنه لا حرج من أن تكون الصلة للأرحام بكل ما
يتيسر من طرق حديثة للوقوف على أحوالهم والاطمئنان على صحتهم ، وهذا هو المقصود
بالصلة ، وهو أن يكون تواصل بين الأرحام ، وقد يكون التواصل بالمال للفقير ،
وبالعيادة للمريض ، وبالزيارة البدنية لصاحب المنزلة الكبيرة في درجة الرحم ، وقد
يكون بالاتصال بهم بالهاتف ، أو بالمراسلة عن طريق الجوال ، أو بالبريد العادي ، أو
بالبريد الإلكتروني ، أو بالدائرة التلفزيونية ، وبكل ما يجعل الصلة قائمة بين أولي
الأرحام ، ومعه تكون النصائح والتوجيهات والمواعظ لمن عنده تقصير في دينه ، وتكون
الإعانة لمن يوقف على احتياجه لمال أو خدمة أو شفاعة .
وهكذا : كل مناسبة يجتمع فيه الرحم والأقرباء – كاجتماع لفرح أو عزاء أو مناسبة
مباحة - : فإن لقاء الرحم والقرابة فيها يُعد من الصلة ، ففيها يكون اللقاء
والمصافحة والسلام والكلام ، وهذا من أعلى درجات الصلة البدنية .
وينظر أجوبة الأسئلة ( 12292 ) و (
22706 ) و (
4631 ) .
ونوصي الأخ السائل أن تشتمل رسائله لأرحامه على وصايا ، ونصائح ، ومواعظ ، وأحكام ؛
لعله يستفيد منها أحد فيترك معصية ، أو يلتزم طاعة ، أو يرفع جهلاً عن نفسه ، أو
ينشر علماً لغيره ، فيكون لصلته لأرحامه معانٍ وآثار مفتقَدة عند كثيرين .
والله أعلم