عنوان الفتوى : تعليق على منع بعض الدول الحجاب والنقاب ، وحكم تبرج الكافرة في بلاد الإسلام
من المعلوم ما يحصل الآن في " فرنسا " وفي عدد من بعض الدول الإسلامية قبل الغربية من محاربة للحجاب ، حيث أصبحت محل نقاش في بعض المجالس والمنتديات , حتى أصبحنا نرى البعض يقول : كيف تطالبون غيركم أن يمنحوكم الحرية في لبس الحجاب على الطريقة التي تريدون في حين أنكم تجبرونهم على لبس الحجاب في بلادكم ، إذا فالكفتان متساويتان . لو كنتم حقّاً ترون أن إجبار النساء على خلع النقاب تدخل في الحريات فإن ما تفعلونه هنا من إجبار النساء على لبس العباءة يعد تدخلاً في الحرية ، دعوكم من التعصب ، ولستم مجبرين على العيش في بلادهم ، ولكم حق الهجرة وإلا فالزموا الصمت وارضوا بقوانينهم ! . أريد من فضيلتكم ردّاً علميّاً مقنعاً كما تعودنا منكم في مثل هذه الأحداث . جزاكم الله خيراً على ما قدمتم وتقدمون ، ونفع بعلمكم ، فأنتم وبحق خير خلف لخير سلف ، حفظكم الله .
الحمد لله
أولاً:
إن المسلم الغيور على دينه ليتألم أشد الألم مما يراه من محاربة للإسلام وشعائره ،
لا من الكفار وحدهم بل ومن أهله المنتسبين له في الظاهر ، ومن هؤلاء من يتكلم بجهل
، ومنهم من يتكلم انطلاقاً من خبث وزندقة .
وعندما نقارن بين حرب الستر والعفاف بين دول الكفر وبعض الدول المنتسبة للإسلام نجد
أن حرب تلك الدول الأخيرة أشد وأعظم ، فهي تسن القوانين لمنع غطاء الرأس ! وأما تلك
الدول الكافرة – كفرنسا وبلجيكا – فهي تسن القوانين لمنع غطاء الوجه فحسب ! وبين
الأمرين فرق ظاهر ، وكان – ولا يزال - الألم يعتصر قلوب الغيورين على الإسلام
لأسباب :
1. أن هذه الدول محسوبة على الإسلام ، وليس على النصارى ولا اليهود .
2. أنهم يمنعون غطاء الرأس ، ويعاقبون عليه ، ويهينون المرأة العفيفة التي تلبسه ،
ويمنعونها من الدراسة والعمل والعلاج .
3. أن حربهم على العفاف والستر قديم ، وقد سبقوا دول الكفر بعشرات السنوات .
ثانياً:
وأما دعوى بعض الانهزاميين أننا إذا انتقدنا الكفار في منعهم النقاب من باب "
الحرية الشخصية " فكيف نلزم نساءهم بالعباءة – أو بالستر – في بلادنا : فالجواب
عليه :
1. أنه لا يوجد في بلاد الإسلام من يلزم المرأة الكافرة بستر بدنها حين تخرج للشارع
إلا دولة واحدة وهي " السعودية " ونسأل الله تعالى أن يبقي هذا الخير ولا يتغير ،
وأما باقي دول الإسلام فإنهم لا يلزمون نساءهم بالستر فكيف سيلزمون الكافرات ؟! .
2. أن التبرج والتهتك والعري ليس مسموحاً به عند النصارى ولا اليهود في أصل دينهم ،
فالأمر لهم بالستر هو أمر بما في أصل دينهم .
3. أننا لا نعتب على الكفار بمنعهم غطاء الوجه عن النساء المسلمات ، لو كان منطلقهم
من ذلك دينهم ! ولكن العتب عليهم من وجوه ، منها :
أ. أنهم يزعمون أنهم علمانيون ، وأنهم قد فصلوا الدين عن الدولة ، فما بالهم هنا
يحاربون شعيرة دينية ؟! .
ب. أنهم يزعمون أنهم دعاة حماية " الحرية الشخصية " فلماذا يطبقون هذا على كل من "
تخلع " ثيابها أو أكثرها ! ولا يطبقونه على من " تستر " بدنها أو أكثره ؟! .
ج. أنهم لم يحاربوا سوى الإسلام في لباس نسائه ، وهذه دول العالم يختلف لباسهم
بعضهم عن بعض – رجالاً ونساءً – فلماذا تُركت نساء أهل تلك الأديان والطوائف
والمذاهب ليلبسن ما يشأن إلا النساء المسلمات فإنه يضيَّق عليهن فيما هو واجب أصلاً
عليهن في الشرع ؟! .
ثالثاً:
ويُسأل من ألزم النساء الكافرات بالعباءة والستر : هل ألزمتَ نساء أهل بلدك ؟
وسيجيب بالإيجاب ، ويسأل : هل تفرِّق بين كافرة من دين وكافرة من دين آخر ؟ سيقول :
لا أفرِّق ، ويُسأل - أخيراً – هل دينك يأمرك بهذا ؟ وسيكون جوابه : نعم .
ولذلك لا يعتب أحد على من حكم بالعلمانية أو بغيرها في السماح للكافرات بالتبرج في
بلادهم ، أما من حكَّم الشريعة فإنه لا ينبغي أن يلام ولا يُعتب عليه ، فالعلمانية
تسمح للكافرات بالتبرج ، والدين الإسلامي يمنع من ذلك ، فذاك سمح لهن ، وهذا منعهن
، ومن هنا توجه العقلاء لدول الكفر بالعتب واللوم ، حيث هم يحكمون بالعلمانية ومع
ذلك يمعنون من غطاء الوجه مع أن مبدأهم لا يمنع من ذلك ، فضلاً عن تجريم من غطَّت
وجهها ، أو تجريم من دعاها لذلك أو أمرها به من أهلها ، فإن لم تكن هذه "
ديكتاتورية " و " فاشية " و " إرهاب " فما هي هذه الأشياء إذن ؟! .
رابعاً:
ولا يجوز لأي ولي أمر بلد من بلاد الإسلام أن يسمح بكشف العورات والتبرج لأي أحد في
بلاده ، وهو مسئول عن كل معصية تُرتكب فيما تولَّى عليه ، ولو كان من الكفار ، فلا
فرق بين مسلمة وكافرة في منعها من التبرج والتعري ، كما لا فرق بينهما في تحريم
النظر .
قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله – في فوائد حديث حاطب - :
قال ابن المنيِّر : ليس في الحديث بيان هل كانت المرأة مسلمة أو ذمية ، لكن لما
استوى حكمهما في تحريم النظر لغير حاجة شملهما الدليل .
" فتح الباري " ( 6 / 191 ) .
وفي عهد النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن ثمة زي خاص بنساء الكفار ؛ ذلك أنهن لم
يُعرف عنهن التبرج والتعري ، بل وحتى النساء في الجاهلية لم يكن يُعرف عنهن اللباس
الفاضح ، وقد صرَّح النبي صلى الله عليه وسلم أنه لم يرَ هذا الصنف من الناس حيث
قال ( صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ
كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ
مُمِيلَاتٌ مَائِلَاتٌ رُءُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ لَا
يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ وَلَا يَجِدْنَ رِيحَهَا وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ
مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا ) .
رواه مسلم ( 2128 ) من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضيَ الله عنه .
وحتى على القول باحترام الحرية الشخصية فإن منع المرأة الكافرة من التعري والتبرج
ليس فيه ما يخالف ذلك المبدأ – تنزلاً على القول به - ، بخلاف منع المسلمة من تغطية
رأسها أو وجهها فإن فيه ما يخالف مبدأهم في " الحرية الشخصية " .
قال الشيخ محماس بن جلعود – حفظه الله - :
وخروج النساء الكافرات في وسط المجتمع المسلم بلباس يدعو إلى الإثارة والفتنة : إما
أن يكون داخلاً ضمن حدود " القانون المدني " أو ضمن " دائرة الحقوق الشخصية " ، وفي
كلا الحالين فإنه غير جائز تكشف النساء الكافرات في المجتمع المسلم .
فـ " القانون المدني " مبني على وجوب احترام مشاعر الناس جميعًا ولا يجوز أن يتعرض
أحد لمشاعرهم وغرائزهم بالإثارة وإحداث الألم فيها ، وهذه المظاهر التي تظهر بها
النساء الكافرات في دار الإسلام اعتداء على مشاعر الناس ، وإيذاء لأرواحهم ، سواء
كان الناظر في ذلك مسلمًا أو كافرًا ؛ وذلك لأمرين :
الأمر الأول : إذا كان الناظر إلى تلك النساء الكافرات العاريات من لباس العفة
والفضيلة مسلمًا : فإنه يجد في تلك المظاهر ما يثير غيرته الدينية على هذا المنكر
الظاهر وهذه الصور التي تتنافى مع أحكام الإسلام ، وإن كان من ضعاف الإيمان : فقد
يجد من الإثارة الجنسية ما يسبب له الألم والحرج والضيق ، فهو ، مهما يكن ، إنسان
حسَّاس ، ذو لحم ودم ، يحس بما يرى ويسمع ، فيتأثر بذلك سلبًا أو إيجابًا .
الأمر الثاني : لو فرضنا أن المسلمين غضوا أبصارهم عن تلك المناظر العارية والصور
الخليعة : فإن الذكور من الكفار سيصيبهم من تلك المظاهر ما يشعل نار الفاقة والشعور
بالحرمان ، في أنفسهم مما يدفعهم إلى ارتكاب جرائم متعددة الأنواع والأشكال كي
يطفئوا تلك النار الملتهبة في أنفسهم ، والتي لا تجد ما يحد من قوتها ، أو يوجهها
التوجيه السليم ؛ نظرًا لبعدهم عن الإيمان والإسلام .
ففي " القانون المدني " المبني على الشريعة الإسلامية نص يدل على تساوي المسلمين
وأهل الذمة في " التكاليف الظاهرة في الجانب الأخلاقي " ولم يستثن من ذلك في حق
الذميين سوى الخمر والخنزير ، فلهم أن يصنعوا الخمر ويشربوها خفية دون أن يخرج منها
أو من أذاها شيء إلى المسلمين ، ولهم أن يربوا الخنازير ويأكلوها ويبيعوها بينهم .
هذا إذا قلنا إن عدم خروج النساء الكافرات بمظاهر العري والتكشف من الحقوق المدنية
.
أما إذا قال شخص إن خروج المرأة باللباس الذي تريده من حقوقها الشخصية : فنقول إنه
رغم ضعف هذا القول للأسباب التي تقدم ذكرها : فإن قانون الأحوال الشخصية لليهود
والنصارى مستمد من التوراة والإنجيل رغم تحريفهما ، وليس فيهما ما يبيح هذا العري
الفاضح والتبرج الجاهلي ، وفي المجتمع المسلم يعامل أهل الذمة في قانون الأحوال
الشخصية بما يبيحه لهم دينهم ، أما ما ثبت تحريمه عليهم وعلى المسلمين : فيمنع عنه
الجميع على حد سواء ، والنصوص الموجودة في الإنجيل بهذا الخصوص تأمر المرأة بارتداء
البرقع وتذكر قياسات مختلفة له ، كما أن التوراة قد ذكر فيها أن " ربيكار " قد
ارتدت ذات البرقع لأنها كانت محترمة .
" الموالاة والمعاداة في الشريعة الإسلامية " ( 2 / 684 – 691 ) وهو فصل طويل وقد
نقلنا جزءً يسيراً منه .
والله أعلم
أسئلة متعلقة أخري | ||
---|---|---|
لا يوجود محتوي حاليا مرتبط مع هذا المحتوي... |