عنوان الفتوى : معنى قول عمر عن بيعة أبي بكر أنها كانت فلتة
كنت أريد أن أعرف معنى هذا الحديث ومدى صحته: قال عمر بن الخطاب: إنما كانت بيعة أبي بكر فلتة وتمت ألا وإنها قد كانت كذلك، ولكن الله وقى شرها، من بايع رجلا عن غير مشورة من المسلمين فلا يبايع هو ولا الذي بايعه تغرة أن يقتلا ـ فما معنى تغرة أن يقتلا؟ وما المقصود بأن بيعة أبي بكر كانت فلتة؟.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فهذا الحديث صحيح متفق على صحته، ولفظه عند البخاري عن ابن عباس: ثم إنه بلغني قائل منكم يقول والله لو قد مات عمر بايعت فلانا فلا يغترن امرؤ أن يقول إنما كانت بيعة أبي بكر فلتة وتمت، ألا وإنها قد كانت كذلك، ولكن الله وقى شرها، وليس فيكم من تقطع الأعناق إليه مثل أبي بكر، من بايع رجلا من غير مشورة من المسلمين فلا يتابع هو ولا الذي تابعه تغرة أن يقتلا.
والمقصود بذلك أن بيعة أبي بكر ـ رضي الله عنه – وليس عمر - كانت فلتة أي فجأة لم يرجع فيها إلى عوام المسلمين، وإنما بادر إليها كبراء الصحابة لعلمهم بأحقية أبي بكر بالخلافة، وأنه لا عدل له ولا كفء من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. جاء في الفائق في غريب الحديث والأثر: فَلْتة: أي فُجاءة، لأنه لم يُنْتظَر بها العوام، وإنما ابتدرها أكابرُ الصحابة لعلمهم أنه ليس له منازع ولا شريك في وجوب التّقدم. انتهى.
وفي شرح صحيح البخاري لابن بطال: قال أبو عبيد: معنى الفلتة الفجأة، وإنما كانت كذلك، لأنها لم ينتظر بها العوام، وإنما ابتدرها أكابر أصحاب محمد من المهاجرين وعامة الأنصار. انتهى.
وبعض العلماء ينكر هذا التفسير وينحى منحى آخر في تفسير الفلتة وهو أن المراد بها في لغة العرب آخر ليلة من الأشهر الحرم.
جاء في كشف المشكل من حديث الصحيحين: الفلتة الليلة يشك فيها هل من رجب، أو شعبان وقد كان العرب يعظمون الأشهر الحرم ولا يقتتلون فيها، وإذا كان آخر ليلة من الأشهر الحرم فربما شك فيها قوم هل هي من الحرم أم من الحلال؟ فيبادر الموتور الحنق في تلك الليلة فينتهز الفرصة في إدراك ثأره فيكثر الفساد في تلك الليلة وسفك الدماء وشن الغارات، فشبه عمر أيام حياة رسول الله وما كان الناس عليه من الألفة ووقوع الأمنة بالشهر الحرام الذي لا قتال فيه، وكان موته شبه الفلتة التي هي خروج من الحرم لما ظهر في ذلك من الفساد فوقى الله شرها ببيعة أبي بكر. انتهى.
وجاء في غريب الحديث للخطابي: قال أبو سليمان الخطابي: قد تكون الفلتة بمعنى الفجاءة وليست بالذي أراد عمر ولا لها موضع في هذا الحديث ولا لمعناها قرار هاهنا، وحاش لتلك البيعة أن تكون فجاءة لا مشورة فيها، ولست أعلم شيئا أبلغ في الطعن عليها من هذا التأويل، وكيف يسوغ ذلك وعمر نفسه يقول في هذه القصة لا بيعة إلا عن مشورة، وأيما رجل بايع عن غير مشورة فلا يؤمر واحد منهما تغرة أن يقتلا. انتهى.
وأما قوله: تغرة أن يقتلا ـ فالتغرة هي التغرير, والمقصود أن من بادر بمبايعة رجل دون الرجوع للمسلمين فقد عرض نفسه هو ومن بايعه للقتل، جاء في شرح صحيح البخاري لابن بطال: التغرة: التغرير، يقال: غررت بالقوم تغريرا وتغرة، وإنما أراد عمر أن في بيعتهما تغريرا بأنفسهما للقتل وتعرضا له فنهاهما عنه. انتهى.
والله أعلم.