عنوان الفتوى : معنى قوله تعالى: (أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض)

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

سمعت من يقول في تفسير قول الله تعالى ( أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض ) قال : فما من أحد من العلماء المعتبرين قال إن المقصود هو الله تعالى ، إنما (مَنْ في السماء) ملائكته في السماء ، والموكل بالخسف هو سيدنا جبريل .

مدة قراءة الإجابة : 5 دقائق

الحمد لله

أولاً :

أدلة علو الله تعالى على خلقه ، واستوائه على عرشه تبلغ المئات ، ولا يختلف أهل السنة والجماعة وعلى رأسهم : أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعون لهم بإحسان أن الله تعالى فوق كل شيء ، مستوٍ على عرشه .

وقد دل على ذلك : الكتاب والسنة والإجماع والعقل والفطرة ، وللوقوف على شيء من ذلك انظر جواب السؤال رقم (992) و (124469) .

ثانياً :

أما ما جاء في السؤال من أن قول الله تعالى : (أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض) : لم يقل أحد من العلماء المعتبرين إن المقصود هو الله تعالى ، وإنما المقصود الملائكة ، فهذا  كلام باطل كذب ، وبيان ذلك :

1. أن الإمام الطبري شيخ وإمام المفسرين (توفي 310 هـ) قد قال بأن المقصود بقوله تعالى (من في السماء) : إنه الله ، وهذا يكفي لتكذيب النفي الوارد في السؤال .

قال الإمام الطبري رحمه الله :

"قول تعالى ذِكره : (أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ) أيها الكافرون .

(أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ) يقول : فإذا الأرض تذهب بكم ، وتجيئ ، وتضطرب.

(أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ) وهو الله .

(أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا) وهو التراب فيه الحصباء الصغار" انتهى .

"تفسير الطبري" (23/513) .

وقال الحافظ ابن عبد البر رحمه الله :

"وأما قوله تعالى : (أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ) الملك/16 فمعناه : مَن على السماء ، يعني : على العرش" انتهى .

"التمهيد" (7/130) .

فهذان قولان لمفسِّر فقيه ، ومحدِّث فقيه ، وبهما يتبين بجلاء بطلان ذلك الزعم بأنه لا أحد من العلماء المعتبرين يقول بأن معنى (من في السماء) إنه الله ، ولو شئنا لسردنا عشرات النقولات عن الأئمة المعتبرين ، سلفاً ، وخلَفاً .

2. جاءت آيات أخرى في القرآن الكريم ، تؤيد ما ذكرنا في تفسير هذه الآية ، وذلك أن الله تعالى قد خسف بأهل معصيته الأرض ، أو يهددهم بأنه يخسف بهم الأرض ، وهو يؤكد أن المقصود بـ "من في السماء" الله سبحانه وتعالى ، ومن هذه الآيات :

أ. قوله تعالى عن قارون (فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ ) القصص/81 .

ب. قوله تعالى : (أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ) النحل/ 45 .

ج. وقوله تعالى : (وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الْأِنْسَانُ كَفُوراً . أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِباً ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلاً  . أَمْ أَمِنْتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ تَارَةً أُخْرَى فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفاً مِنَ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُمْ بِمَا كَفَرْتُمْ ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعاً) الإسراء/ 67 – 69 .

د. وجاءت الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم صريحة في أن المراد بـ (من في السماء) هو الله تعالى ، ولا تحتمل غير هذا المعنى :

أ. قال صلى الله عليه وسلم : (أَلاَ تَأْمَنُونِي وَأَنَا أَمِينُ مَنْ فِى السَّمَاءِ ، يَأْتِينِي خَبَرُ السَّمَاءِ صَبَاحًا وَمَسَاءً) رواه البخاري (4351) ومسلم (1064) .

ب. وقوله صلى الله عليه وسلم : (ارْحَمُوا مَنْ فِي الأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ) رواه الترمذي (1924) ، وصححه الألباني في "صحيح الترمذي" .

وبتأمل هذه الآيات والأحاديث يتبين خطأ ما زعمه ذلك الزاعم الذي جاء كلامه في السؤال .

وكل هذا يفعلونه ، ويتجرؤون عليه ، من أجل نفي صفة العلو لله تعالى ، والله المستعان .