عنوان الفتوى : مذاهب الفقهاء في المسافر يفطر بعد دخوله في الصوم
أنا مقيم في مدينة ينبع، وفي شهر رمضان المبارك حصلت على وظيفة في شركة تبعد عن المدينة بحوالي 90 كم، وتم منحي سكنا عائليا مؤثثا بالكامل في مقر الشركة، فانتقلت مع زوجتي وحملنا معنا ملابسنا فقط واستقررنا هناك، وكنت خلال الشهر الكريم أتنقل بين سكني الجديد في الشركة وشقتي المؤجرة في ينبع ريثما أقوم ببيع الأثاث الموجود بها لعدم حاجتي له وتسليم الشقة لمالكها. وكنت كثيراً ما أتنقل بين السكنين طوال الشهر، وكنت في رحلاتي المتكررة أفطر برخصة السفر لو كانت رحلتي نهاراً. و في إحدى ليالي رمضان بت لوحدي في شقتي الموجودة في ينبع وأصبحت وأنا ممسك، وحضرت زوجتي لاحقاً في نهار هذا اليوم فواقعتها ثم إنا أكلنا وشربنا، وفي اعتقادنا أننا بحكم المسافرين حيث إن إقامتنا الدائمة صارت في مكان آخر، ولكن في نفسي من هذا الأمر شيء فما الحكم في: 1- إفطاري عند تنقلاتي؟ 2- كسري للصيام بمواقعة زوجتي حينما كنت في منزلنا الذي خرجنا منه ولكن لم نبع أثاثه؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فما دامت المسافة التي تقطعها من مقر عملك الجديد إلى بيتك القديم في ينبع تصل إلى ثلاثة وثمانين كيلو، وهي أقل مسافة القصر، ولم تنو الإقامة أربعة أيام في ينبع، فلك أن تترخص برخص السفر، فتفطر في تنقلاتك بين البلدين إن شئت، ثم تقضي بعد ذلك، فالمسافر إذا صح سفره يظل على حكم السفر إلا أن ينوي الإقامة أو يدخل وطنه، والوطن هو المكان الذي يقيم فيه الشخص ولا يرحل عنه إلا لحاجة، وراجع الفتويين: 49093 ، 105690.
وأما مسألة كسرك لصيامك أثناء النهار بعد أن عزمت عليه في الليل، فمحل خلاف بين أهل العلم.
قال ابن عبد البر في (التمهيد): اختلف الفقهاء في المسافر يفطر بعد دخوله في الصوم، فقال مالك: عليه القضاء والكفارة؛ لأنه كان مخيرا في الصوم والفطر، فلما اختار الصوم صار من أهله ولم يكن له أن يفطر. وهو قول الليث: عليه الكفارة. ثم قال مالك مرة: لا كفارة عليه. وهو قول المخزومي وأشهب وابن كنانة ومطرف. وقال ابن الماجشون: إن أفطر بجماع كفر لأنه لا يقوى بذلك على سفره ولا عذر له. وقال أبو حنيفة والشافعي وداود والطبري والأوزاعي والثوري: لا كفارة عليه اهـ.
وجاء في الموسوعة الفقهية: إذا نوى في سفره الصوم ليلا وأصبح صائما من غير أن ينقض عزيمته قبل الفجر، لا يحل فطره في ذلك اليوم عند الحنفية والمالكية، وهو وجه محتمل عند الشافعية، ولو أفطر لا كفارة عليه للشبهة ... والشافعية في المذهب والحنابلة قالوا: لو أصبح صائما في السفر ثم أراد الفطر ، جاز من غير عذر، لأن العذر قائم - وهو السفر - أو لدوام العذر - كما يقول المحلي . ومما استدلوا به حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: ... فصام حتى مر بغدير في الطريق. وحديث جابر رضي الله تعالى عنه: ... فصام حتى بلغ كراع الغميم ... قال النووي : .. إذا قلنا بالمذهب ففي كراهة الفطر وجهان، وأصحهما أنه لا يلزمه ذلك، للحديث الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل ذلك.
وزاد الحنابلة أن له الفطر بما شاء من جماع وغيره كأكل وشرب؛ لأن من أبيح له الأكل أبيح له الجماع، كمن لم ينو، ولا كفارة عليه بالوطء، لحصول الفطر بالنية قبل الجماع فيقع الجماع بعده. اهـ.
قال ابن قدامة في المغني: من نوى الصوم في سفره فله الفطر. واختلف قول الشافعي فيه فقال مرة: لا يجوز له الفطر. وقال مرة: إن صح حديث الكديد لم أر به بأسا. قال مالك: إن أفطر فعليه القضاء والكفارة. ولنا حديث ابن عباس وهو صحيح متفق عليه، وروى جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج عام الفتح فصام حتى بلغ كراع الغميم وصام الناس معه فقيل له: إن الناس قد شق عليهم الصيام، وإن الناس ينظرون فيما فعلت فدعا بقدح من ماء بعد العصر فشرب والناس ينظرون فأفطر بعضهم وصام بعضهم فبلغه أن ناسا صاموا فقال: أولئك العصاة. رواه مسلم. وهذا نص صريح لا يعرج على ما خالفه. اهـ.
والله أعلم.