عنوان الفتوى : الرؤية الشرعية في قتل من أنبت من يهود بني قريظة
هناك شبهة انتشرت حاليا تقول إن الاسلام يحث على قتل الاطفال ! بالرغم من حديث النبى عليه الصلاة والسلام وقوله لا تقتلوا طفلا ولا امرأة .. إلخ والشبهة تعتمد على أن الطبرانِي روى في الكبير والصغِير من حديث أسلم الأنصاري قال: جعلنِي النبي صلى الله عليه وسلم على أَسارى قريظةَ فكنت أنظر في فرجِ الغلامِ، فإن رأَيته قد أنبت ضربت عنقه، وإن لم أَره قد أنبت جعلته في مغانم المسلمين. وحديث: عطِية القرظِي: عرِضنا على النبى صلى اللَّه عليه وسلم يوم قريظة وكان من أنبت قتل، ومن لم ينبِت خلي سبِيله، فكنت ممن لم ينبت فخلي سبيلي، وهناك أولاد ينبتون شعر العانة وعمرهم 8 أو 9 سنوات، فرددت وقلت إن الإنبات يعنى إنبات شعر اللحية فهل الإنبات في هذه الاحاديث يعنى شعر اللحية ام شعر العانة ؟وهل حديث عطية القرظى صحيح ام لا ؟ يرجى الرد باستفاضة حول هذه الشبهة؛ لانها للأسف انتشرت كثيرا حاليا عند الملحدين والنصارى الحاقدين.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فأما حديث عطية القرظي فرواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وغيرهم، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح، والعمل على هذا عند بعض أهل العلم، أنهم يرون الإنبات بلوغا إن لم يعرف احتلامه ولا سنه، وهو قول أحمد وإسحاق. اهـ.
وقال ابن حجر في (التلخيص): له طرق أخرى عن عطية، وصححه الترمذي وابن حبان والحاكم وقال: على شرط الصحيح. وهو كما قال اهـ. وصححه الألباني.
وأما حديث أسلم الأنصاري، فعزاه ابن حجر للطبراني في معجميه الكبير والصغير، وقال: هو ضعيف. اهـ.
والمراد بالإنبات هنا بلا خلاف هو شعر العانة الخشن لا اللحية، وقد جاء ذلك صريحا في رواية أبي داود، ولفظها: فكشفوا عانتي فوجدوها لم تنبت فجعلوني من السبي.
ومع ذلك فلا شبهة في الحديث، ولا متمسك فيه للمشككين والمضللين، وبيان ذلك مبني على العلم بأن الأحكام في الشريعة تتعلق بالبلوغ، فهو الحد الفاصل بين الكبير والصغير، أو بين الرجل والطفل.
كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: رفع القلم عن ثلاثة... وذكر منهم: الصبي حتى يبلغ. رواه أبو داود، وصححه الألباني. ورواه أصحاب السنن بروايات، منها: الصغير حتى يكبر. ومنها: الصبي حتى يشب أو: يكبر، أو يبلغ أو يحتلم.
فإذا اعتبرنا البلوغ هو الحد الفاصل بين الرجل والطفل، فلا يصح أن يوصف من قتل البالغين بأنه يقتل الأطفال. والإنبات أمارة وعلامة على البلوغ على الراجح من أقوال العلماء، ومنهم من اعتبر ذلك في حق الكفار دون المسلمين كالشافعية.
جاء في (عون المعبود): يشبه أن يكون المعنى عند من فرق بين أهل الإسلام وبين أهل الكفر حين جعل الإنبات في الكفار بلوغا ولم يعتبره في المسلمين، هو أن أهل الكفر لا يوقف على بلوغهم من جهة السن ولا يمكن الرجوع إلى قولهم لأنهم متهمون في ذلك لدفع القتل عن أنفسهم، ولأن أخبارهم غير مقبولة. فأما المسلمون وأولادهم فقد يمكن الوقوف على مقادير أسنانهم؛ لأن أسنانهم محفوظة وأوقات مواليدهم مؤرخة معلومة وأخبارهم في ذلك مقبولة، فلهذا اعتبر في المشركين الإنبات، والله أعلم. قاله الخطابي. وقال التوربشتي: وإنما اعتبر الإنبات في حقهم لمكان الضرورة؛ إذ لو سئلوا عن الاحتلام أو مبلغ سنهم لم يكونوا يتحدثون بالصدق إذ رأوا فيه الهلاك. اهـ.
فلما لم يكن هناك وسيلة موثوقة يعرف بها البالغ في قضية بني قريظة تعينت هذه الوسيلة لتنفيذ الحكم الحق الذي استحقه بنو قريظه لغدرهم وخيانتهم الخيانة العظمى كما هو معروف في أسباب الحكم الذي حكم به سعد بن معاذ رضي الله عنه موافقا حكم الله تعالى فيهم، فالرسول صلى الله عليه وسلم لم يقتل منهم سوى المقاتلة البالغين فهو صلى الله عليه وسلم أعظم الناس نهيا عن قتل الأطفال. والنهي عن قتل الأطفال أصل ثابت في الإسلام. ففي الصحيحين عن ابن عمر أن امرأة وجدت في بعض مغازي النبي صلى الله عليه وسلم مقتولة، فأنكر رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل النساء والصبيان. رواه البخاري ومسلم.
وعن بريدة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمر أميرا على جيش أو سرية أوصاه في خاصته بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيرا، ثم قال: اغزوا باسم الله، في سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله، اغزوا ولا تغلوا ولا تغدروا، ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليدا، وإذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خصال، فأيتهن ما أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم، ثم ادعهم إلى الإسلام، فإن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم، ثم ادعهم إلى التحول من دارهم إلى دار المهاجرين، وأخبرهم أنهم إن فعلوا ذلك فلهم ما للمهاجرين وعليهم ما على المهاجرين، فإن أبوا أن يتحولوا منها فأخبرهم أنهم يكونون كأعراب المسلمين يجري عليهم حكم الله الذي يجري على المؤمنين، ولا يكون لهم في الغنيمة والفيء شيء إلا أن يجاهدوا مع المسلمين، فإن هم أبوا فسلهم الجزية، فإن هم أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم، فإن هم أبوا فاستعن بالله وقاتلهم، وإذا حاصرت أهل حصن فأرادوك أن تجعل لهم ذمة الله وذمة نبيه فلا تجعل لهم ذمة الله ولا ذمة نبيه، ولكن اجعل لهم ذمتك وذمة أصحابك، فإنكم إن تخفروا ذممكم وذمم أصحابكم أهون من أن تخفروا ذمة الله وذمة رسوله، وإذا حاصرت أهل حصن فأرادوك أن تنزلهم على حكم الله فلا تنزلهم على حكم الله، ولكن أنزلهم على حكمك، فإنك لا تدري أتصيب حكم الله فيهم أم لا. رواه مسلم.
وراجع للمزيد في رد شبه المغرضين حول قتل بني قريظة الفتوى رقم: 108493. والفتوى رقم: 13988.
وراجع في بعض أخلاق وسلوكيات المسلمين في حربهم مع الكفار، وقد سبق أن ذكرنا طرفا من ذلك في الفتوى رقم: 56284.
والله أعلم.