عنوان الفتوى : لا يعارض القرآن بمزاعم موجودة في التوراة والإنجيل
وإذ قلتم يا موسى لن نصبر على طعام واحد فادع لنا ربك يخرج لنا مما تنبت الأرض من بقلها وقثائها وفومها وعدسها وبصلها قال أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير اهبطوا مصرا فإن لكم ما سألتم وضربت عليهم الذلة والمسكنة وباءوا بغضب من الله ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير الحق ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإن القرآن كلام الله تعالى العليم الخبير، وهو سبحانه أدرى بحال الناس الذين تكلم القرآن عنهم، ولا يخفى عليه شيء من حالهم، وهو بكل شيء عليم، يعلم ما كان وما يكون وما لا يكون لو كان كيف كان يكون، فكل ما جاء في القرآن من أخبار أو نقل عن السابقين أو اللاحقين من أقوال فإنه حق وصدق لا تبديل فيه ولا تحريف ولا زيادة ولا نقص؛ كما قال الله تبارك وتعالى: وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ حَدِيثًا {النساء:87} وقال تعالى: وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ قِيلاً {النساء:122}.
ولا يسوغ أن يعارض القرآن بما يزعم الزاعمون وجوده في التوراة والإنجيل، فان ما في أيدي أهل الكتاب اليوم من التوراة والإنجيل قد دخله التحريف بالزيادة والنقصان، والتبديل والتغيير في مواضع كثيرة منه، يقطع العاقل بأنها ليست من كلام الله تعالى
وقد شهد الله تعالى على أهل الكتاب بهذا التحريف والتغيير فقال: أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُواْ لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُون {البقرة:75}
وقال: فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِندِ اللّهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ {البقرة:79}
وقال: فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَنَسُواْ حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ وَلاَ تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىَ خَآئِنَةٍ مِّنْهُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمُ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ {المائدة:13}
وقال: مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ{النساء:46}
وأظهر شاهد على وقوع التحريف في التوراة تلك القبائح والعظائم التي ينسبونها إلى أنبياء الله الكرام صلوات الله عليهم ، مما يتنزه عنه أقل الناس صلاحا وديانة، نعني بذلك ما نسبوه إلى نوح ولوط وداود عليهم السلام من شرب الخمر ، والوقوع على المحارم ، والغدر والخيانة ، نعوذ بالله من إفك اليهود.
فالقرآن محفوظ من أن يتطرق إليه نقص أو إسقاط، فقد تكفل الله بحفظه ولم يكله إلى الناس، فقال الله تعالى: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ{الحجر:9}، ولا شك أن وعد الله حق، كما قال الله تعالى: يا أيها الناس إن وعد الله حق {فاطر:5}
وبناء عليه فيلزم التصديق والإيمان بما أنزل الله في كتبه، واعتماد ما في القرآن وثابت السنة فقط لأن القرآن ثبت حفظه، فلنصدق ما أخبر الله به عن اليهود في قوله تعالى: وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نَّصْبِرَ عَلَىَ طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنبِتُ الأَرْضُ مِن بَقْلِهَا وَقِثَّآئِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُواْ مِصْراً فَإِنَّ لَكُم مَّا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَآؤُوْاْ بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ {البقرة:61}.
ولا يسوغ أن نعارض الوحي المعصوم بالعقل بل يتعين أن نتهم عقولنا بالقصور، فالآية لم تذكر طلبهم زروعا يرونها أمامهم، وما طلبوه مما تنبت الأرض من بقلها وقثائها وفومها وعدسها وبصلها، يمكن أن يعنى به ما تعودوا عليه في الامصار سابقا، ويدل لهذا أن الله لما استجاب لهم قال لهم: اهبطوا مصرا فإن لكم ما سألتم. وفي قراءة اهبطوا مصر بدون تنوين.
وأما قتل الأنبياء فليس في الآية أنهم قتلوا معاصري موسى، وإنما حكى الله عنهم تكذيب وقتل الأنبياء بعد ذلك، كلما جاؤوهم بما لا تهوى أنفسهم فقال الله تعالى: لقد أخذنا ميثاق بني إسرائيل وأرسلنا إليهم رسلا كلما جاءهم رسول بما لا تهوى أنفسهم فريقا كذبوا وفريقا يقتلون {المائدة:70}
وقد سبق لنا فتاوى في الأدلة القاطعة على صحة القرآن وإثبات تحريف التوراة والإنجيل، ومن ذلك الفتاوى التالية: 29326، 19694، 43148، 20706، 12746.