عنوان الفتوى : الفرق بين " البُهرة " و " الرافضة " ، وهل يكفر أتباع الطائفتين ؟
أرجو إخباري عن ماهية الاختلاف بين " الشيعة البهرة " و " الشيعة الرافضة " في الدين ، وهل هم أسوأ من الشيعة الاثنا عشرية ؟ وبما أنهم يقولون " يا علي مدد " ، و " يا حسين " ، وبعض البهرة يسجدون لإمامهم : فهل هم يرتكبون الشرك الأكبر ؟ إذاً ما حكم تكفيرهم ؟ وهل نقول إنهم كلهم كافرون أم نقول إنهم عموما ليسوا كافرين ، وإنما ضالون واعتقادهم يحوي كفراً ، وتكفير البهري المعين يحتاج إلى دليل إقامة الحجة عليهم ، وهذا لا يمكن إلا للعلماء الكبار ؟ .
الحمد لله
أولاً:
الشيعة الرافضة ، والشيعة البُهرة كلاهما من الطوائف الضالة المنحرفة عن دين الله -
إن كانت قد دخلت أصلاً فيه .
وعلماء الفرَق يعدُّون " البُهرة " من الباطنية الإسماعيلية ، وقد كانوا من فرَق "
الشيعة " فغلوا في الأئمة غلوّاً عظيماً ، حتى كفَّرهم الرافضة ! .
وقد حصل شقاق ونزاع بين " الرافضة الإمامية " و " الإسماعيلية " في ترتيب الأئمة
المعصومين ! من بعد جعفر الصادق ، فبينما الترتيب عند " الرافضة الإمامية الاثني
عشرية " : جعفر الصادق ثم ابنه موسى الكاظم ، إذا هي عند " الإسماعيلية " : جعفر
الصادق ثم ابنه إسماعيل ، ثم في محمد بن إسماعيل .
ثانياً:
عقائد الرافضة الإمامية الاثني عشرية اشتملت على الزندقة ، والإلحاد ، والوثنية ،
ومن أبرز عقائدهم :
1. اعتقاد أن القرآن محرَّف .
2. تكفير الصحابة رضي الله عنهم إلا قليلاً .
3. اعتقاد عصمة أئمتهم من الخطأ والسهو ، فضلاً عن المعصية والسيئة ، واعتقاد علمهم
بالغيب المطلق .
4. تعظيم القبور والمشاهد .
قال ابن كثير – رحمه الله – في تفسير قوله تعالى ( مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ
وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ
رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي
وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ
وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآَزَرَهُ
فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ
الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ
مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيماً ) الفتح/ 29 :
ومِن هذه الآية انتزع الإمام مالك رحمه الله - في رواية عنه - بتكفير الروافض ،
الذين يبغضون الصحابة ، قال : لأنهم يغيظونهم ، ومن غاظ الصحابة : فهو كافر ؛ لهذه
الآية ، ووافقه طائفة من العلماء على ذلك ، والأحاديث في فضائل الصحابة ، والنهي عن
التعرض لهم بمساءة : كثيرة ، ويكفيهم ثناء الله عليهم ، ورضاه عنهم .
" تفسير ابن كثير " ( 7 / 362 ) .
وقال القرطبي – رحمه الله - :
لقد أحسن مالك في مقالته ، وأصاب في تأويله ، فمن نقص واحداً منهم ، أو طعن عليه في
روايته : فقد ردَّ على الله رب العالمين ، وأبطل شرائع المسلمين .
" تفسير القرطبي " ( 16 / 297 ) .
وقال ابن حزم – رحمه الله – في ردِّه على النصارى - :
وأما قولهم في دعوى الروافض تبديل القراءات : فإن الروافض ليسوا من المسلمين ! إنما
هي فرَق ، حدث أولُّها بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم بخمس وعشرين سنة ، وكان
مبدؤها إجابة من خذله الله تعالى لدعوة من كاد الإسلام ، وهي طائفة تجري مجرى
اليهود ، والنصارى ، في الكذب ، والكفر .
" الفِصَل في الملل والنِّحَل " ( 2 / 65 ) .
ثالثاً:
أما " البهرة " فهم خليط من عقائد منحرفة شتَّى ، وهم باطنية ، وهم جزء من
الإسماعيلية ، والتي كانت من فرق الشيعة ، لكنهم غلوا في أئمتهم أشد من غلو الرافضة
، وهذه بعض عقائدهم :
1. تعظيم أئمتهم لدرجة العبادة ، وما يسمونه " الداعي المطلق " هو مصدر السلطات
عندهم ، وهو مرجعهم في كل شيء ، ويسجدون له إن أقبلوا عليه .
2. لهم صلوات مبتدعة ، منها : صلاة ليلة الثالث والعشرين من رمضان ، وعدد ركعاتها :
اثنتا عشرة ركعة ، يرددون فيها : " يا عليَّاه " سبعين مرة ، و " يا فاطمتاه " مئة
مرة، و " ياحسناه " مئة مرة ، و " يا حسيناه " تسعمائة وسبع وتسعين مرة .
3. لهم ظاهر مع الإسلام وباطن خبيث ، فهم يصلون ، ولكن صلاتهم للإمام الإسماعيلي
المستور من نسل " الطيب بن الآمر " ، يذهبون إلى مكة للحج كبقية المسلمين ، لكنهم
يقولون : إن الكعبة هي رمز على الإمام .
4. يعظمون القبور والمشاهد كإخوانهم الرافضة ، ومن أعمالهم المعاصرة المشهورة :
قيامهم بإصلاح ضريح كربلاء ، والنجف ، كما عملوا قبة من ذهب فوق ضريح " الحسين "
المزعوم في القاهرة .
قال علماء اللجنة الدائمة :
إذا كان واقع كبير علماء " بوهرة " وأتباعه ، وما وصفت في أسئلتك : فهم كفرة ، لا
يؤمنون بأصول الإسلام ، ولا يهتدون بهدي كتاب الله ، وسنَّة رسوله صلى الله عليه
وسلم، ولا يستبعد منهم أن يضطهدوا الصادقين في إيمانهم بالله ، وكتابه ، وبرسوله
صلى الله عليه وسلم ، وسنَّته ، كما اضطهد الكفار في كل أمة رسل الله الذين أرسلهم
سبحانه إليهم لهدايتهم .
الشيخ عبد العزيز بن باز ، الشيخ عبد الرزاق عفيفي ، الشيخ عبد الله بن غديان ،
الشيخ عبد الله بن قعود .
" فتاوى اللجنة الدائمة " ( 2 / 390 ) .
وينظر لمزيد فائدة حول " البهرة " : كتاب : " أثر الفكر الغربي في انحراف المجتمع
المسلم بشبه القارة الهندية " لمؤلفه : خادم حسين إلهي بخش .
وفي جواب السؤال رقم : (
107544 ) تفصيل
وافٍ عن " البهرة " .
رابعاً:
أما بخصوص تكفير هاتين الطائفتين : فإنه لا شك في كفر " البهرة " جميعهم ، العالِم
منهم والعامي ؛ لأنها فرقة باطنية ، والفرق الباطنية ليس فيها تفصيل في حكم كفرهم
جميعاً.
وأما الرافضة : فقد اختلف العلماء في كفرهم على أقوال :
أ. فمن العلماء من يرى أن كفرهم أصلي وأنهم لم يدخلوا في الإسلام أصلاً ؛ لأن
الشهادتين لهما معنى غير ما في الإسلام ، والقرآن لم يؤمنوا به ، والدين الذي أوصله
لنا الصحابة لا يرونه إلا كفراً وضلالاً ، وعند أصحاب هذا القول : لا فرق بين عامي
وعالِم ، وحكم عوامهم كحكم عوام اليهود والنصارى ، ومن أبرز من قال به : الشيخ عبد
العزيز بن باز رحمه الله .
وظاهر حالهم ، وعقائدهم المنحرفة ، وضلالاتهم ، مما يتوافق مع هذا القول .
ب. وذهبت طائفة أخرى من العلماء إلى التفريق بين عوامهم وعلمائهم ، وقالوا : إن
عوامهم لا يكفرون إلا بإقامة الحجة عليهم ، وأما علماؤهم فيكفرون ؛ لأن الحجة مقامة
عليهم بما يعرفونه من نصوص القرآن والسنَّة ، ومن أبرز القائلين بهذا التفصيل
قديماً : شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ، وحديثاً : الشيخ الألباني رحمه الله .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - عن الرافضة - :
وأما تكفيرهم ، وتخليدهم : ففيه أيضاً للعلماء قولان مشهوران : وهما روايتان عن
أحمد ، والقولان في الخوارج ، والمارقين من الحرورية ، والرافضة ، ونحوهم ،
والصحيح: أن هذه الأقوال التي يقولونها التي يُعلم أنها مخالفة لما جاء به الرسول :
كفر ، وكذلك أفعالهم التي هي من جنس أفعال الكفار بالمسلمين هي كفر أيضاً ، وقد
ذكرت دلائل ذلك في غير هذا الموضع ؛ لكن تكفير الواحد المعين منهم ، والحكم بتخليده
في النار : موقوف على ثبوت شروط التكفير ، وانتفاء موانعه ، فإنا نطلق القول بنصوص
الوعد والوعيد، والتكفير والتفسيق ، ولا نحكم للمعين بدخوله في ذلك العام حتى يقوم
فيه المقتضى الذي لا معارض له ، وقد بسطت هذه القاعدة في " قاعدة التكفير " ، ولهذا
لم يحكم النبي صلى الله عليه وسلم بكفر الذي قال : " إذا أنا مت فأحرقوني ثم ذروني
في اليم فوالله لإن قدِر الله عليَّ ليعذبني عذاباً لا يعذبه أحداً من العالمين " ،
مع شكه في قدرة الله ، وإعادته ، ولهذا لا يكفِّر العلماء من استحل شيئاً من
المحرمات لقرب عهده بالإسلام ، أو لنشأته ببادية بعيدة ؛ فإن حكم الكفر لا يكون إلا
بعد بلوغ الرسالة ، وكثير من هؤلاء قدلا يكون قد بلغته النصوص المخالفة لما يراه ،
ولا يعلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم بعث بذلك ، فيطلق أن هذا القول كفر ، ويكفر
متى قامت عليه الحجة التي يكفر تاركها ، دون غيره ، والله أعلم .
" مجموع الفتاوى " ( 28 / 468 – 501 ) باختصار .
غير أنه ينبغي الانتباه هنا إلى أمرين مهمين :
1. الخلاف بين العلماء في سب الصحابة لا يدخل فيه من اعتقد فسق عامتهم ، أو اعتقد
تكفيرهم ، أو تكفيرهم إلا نفراً قليلاً منهم ، فمن اعتقد من الرافضة كفر ذلك : فلا
ريب في كفره ، بل إنه يكفر من شكَّ في كفرهم .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - :
وأما من جاوز ذلك إلى أن زعم أنهم ارتدوا بعد رسول الله عليه الصلاة والسلام إلا
نفراً قليلاً يبلغون بضعة عشر نفساً ، أو أنهم فسقوا عامتهم : فهذا لا ريب أيضاً في
كفره ؛ لأنه كذب لما نصه القرآن في غير موضع : من الرضى عنهم ، والثناء عليهم ، بل
من يشك في كفر مثل هذا : فإن كفره متعين ؛ فإن مضمون هذه المقالة : أن نقلة الكتاب
والسنَّة كفَّار ، أو فساق ، وأن هذه الآية التي هي ( كنتم خير أمة أخرجت للناس )
آل عمران/ 110 ، وخيرها هو القرن الأول : كان عامتهم كفاراً
أو فساقاً ، ومضمونها : أن هذه الأمة شرُّ الأمم ، وأن سابقي هذه الأمة هم شرارهم ،
وكفر هذا مما يعلم باضطرار من دين الإسلام .
" الصارم المسلول على شاتم الرسول " ( 1 / 590 ) .
وبمثله تماماً قال الشيخ العثيمين رحمه ، ونقلنا قوله في جواب السؤال رقم : (
95588 ) .
2. قذف عائشة رضي الله عنها بما برأها الله به : كفر مخرج من الملَّة ، وقد نُقل
الإجماع على ذلك، وقد ذكرنا أقوال طائفة من أهل السنَّة في كفر من قذفها في جواب
السؤال رقم : ( 954
) .
والله أعلم