عنوان الفتوى : نفاذ مشيئه الله فيما لا يرغبه العبد وراءه حكمة
إن سؤالي يتمحور حول الإرادة الإلهية. كيف ذلك؟ في كثير من الأحيان يلج في نفسي هذا
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فاعلم أنه لا يخرج شيء من أعمال العباد كلها عن قدرة الله تعالى ومشيئته، قال عز من قائل: وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللهُ رَبُّ العَالَمِينَ {التَّكوير:29} وقال تعالى: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ {القمر:49} وقال صلى الله عليه وسلم: إن أول ما خلق الله القلم فقال له: اكتب مقادير كل شيء حتى تقوم الساعة. رواه أبو داود والترمذي وصححه، ولما سئل عن القدر وما يعمل الناس فيه.. فقيل له: يا رسول الله العمل فيما جف به القلم وجرت به المقادير أم في أمر مستقبل؟ قال: بل فيما جف به القلم وجرت به المقادير، وكل ميسر لما خلق له، رواه ابن ماجه بهذا اللفظ.
وأما سؤالك هل نرد أفعالنا مما لا نرغب في حصوله إلى قضاء الله عز وجل وقدره؟ فنعم، بلا ريب، فالقدر مبني على أركان أربعة: منها خلقه كل شيء، وأن ما شاء كان وما لم يشأ لا يكون، وهذه هي الإرادة الشاملة والمشيئة النافذة، وهذه هي الإرادة الكونية القدرية، وضابطها أنها لا بد أن تقع وأنها قد تكون مما يحبه الله تعالى، وقد تكون مما لا يحبه الله مما لا يأمر به شرعا.
ومثال ذلك قوله تعالى عن نوح عليه السلام: وَلَا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ {هود:34} ومثاله أيضا ما قد يرغب المرء في حصوله -كما مثلت- ثم لا يقدر له الله، ولكن لتعلم يقينا أن الله لا يفعل إلا لحكمة سبحانه، وقد لا تظهر للمخلوق المصلحة في تقدير ما لا يرغبه الإنسان، ويكفي المسلم طمأنينة أن يتدبر قوله تعالى: كُتِبَ عَلَيْكُمُ القِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ {البقرة:216} وأشار إليه قوله صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم: عجبا لأمر المؤمن، إن أمره كله خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابه سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له.
والله أعلم.