عنوان الفتوى : ترك صلاة الجماعة في الشركة تجنبا لأذى الموظفين
أعمل موظفا في شركة ، وصل أذى عمالها لي إلى حد اتهامي بالكبائر والنفاق ، وأصبح سبي وسب أهلي شيئا محببا لهم ، فما حكم ترك صلاة الجماعة معهم ، وما حكم ترك العمل لهذا السبب ، مع العلم أنه يصعب إيجاد عمل آخر ؟
الحمد لله
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يكفيك شرار الخلق ، وأن يكف عنك الظلم والأذى .
ثم نوصيك أخانا السائل بالحكمة في الحل ، والحكمة لا تكون إلا مع التأني والتروي ،
وليس بالعجلة والتسرع ، وذلك لتأخذ فرصتك في تقليب الأمر ومشورة أهل الفضل والرأي
مِن حولك .
والذي نراه لك أمران :
أولا : فيما يتعلق بالصلاة : فليس ما ذكرته عذرا لترك صلاة الجماعة معهم ؛ فإن من
أصول أهل السنة : حضور صلاة الجماعة خلف كل بر وفاجر ، إلا إن كانت تتيسر لك جماعة
أخرى أمثل منهم ، فلا بأس أن تصلي مع الجماعة الفاضلة ، وأما أن تترك صلاة الجماعة
لتصلي وحدك ، فهذا لا يجوز لك ، ثم إن لن يحل من مشكلتك شيئا ، لأنك سوف تبقى تلتقي
بهم في عملك ، وذهابك ومجيئك .
ثانيا : أما أذاهم لك ، فاستعن ـ أولا ـ بمولاك : أن يكف عنك شرهم وكيدهم وأذاهم ،
وأن يسلمك منهم .
ثم إن كان لك رئيس ، أو كان عندك ذو سلطان تستعين به في كف شرهم عنك ، فافعل .
فإن لم يكن عندك من يدفع عنك الأذى ، وكان لعملك مقر آخر ، فاطلب نقلك إليه ، فما
ينبغي للمسلم أن يبقى في مكان تنتهك فيه حرمته ، ويتعرض فيه للأذى ، وهو لا يستطيع
الدفع عن نفسه .
عَنْ حُذَيْفَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَا يَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يُذِلَّ نَفْسَهُ قَالُوا
وَكَيْفَ يُذِلُّ نَفْسَهُ قَالَ يَتَعَرَّضُ مِنْ الْبَلَاءِ لِمَا لَا يُطِيقُ )
.
رواه الترمذي (2254) ، وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
على أنه ينبغي لك أن تدبر لك عملا آخر ، تنفق منه على نفسك وعيالك قبل أن تترك عملك
هذا فعلا .
واعلم أن الله سبحانه وتعالى ناصر المظلومين ، ومجير المستضعفين ، فالجأ إليه
سبحانه ، واسأله دائما العصمة من الأذى والحفظ من الضرر ، وأن يظهر الحق ويذب عن
عرضك ، ولتعز نفسك بمن قبلك من المؤمنين الذين اتهموا بالباطل في دينهم وعرضهم ،
وأولهم الأنبياء ، ثم الصحابة والصالحون ، حتى تجرأ بعضهم على اتهام أم المؤمنين
عائشة رضي الله عنها ، فأنزل الله براءتها من عنده في آيات تتلى إلى يوم القيامة .
وليحذر أولئك الذين يقعون في أعراض المسلمين ويأكلون لحومهم سخطَ الله ومقته وعقابه
، فهو سبحانه يمهل ولا يهمل ، يقول الله عز وجل : ( وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ
الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا
بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا ) الأحزاب/58
وعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ : صَعِدَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمِنْبَرَ فَنَادَى بِصَوْتٍ رَفِيعٍ ، فَقَالَ :
( يَا مَعْشَرَ مَنْ أَسْلَمَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يُفْضِ الإِيمَانُ إِلَى قَلْبِهِ
، لاَ تُؤْذُوا الْمُسْلِمِينَ ، وَلاَ تُعَيِّرُوهُمْ ، وَلاَ تَتَّبِعُوا
عَوْرَاتِهِمْ ، فَإِنَّهُ مَنْ تَتَبَّعَ عَوْرَةَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ تَتَبَّعَ
اللَّهُ عَوْرَتَهُ ، وَمَنْ تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ وَلَوْ فِي
جَوْفِ رَحْلِهِ .
قَالَ : وَنَظَرَ ابْنُ عُمَرَ يَوْمًا إِلَى البَيْتِ أَوْ إِلَى الكَعْبَةِ
فَقَالَ : مَا أَعْظَمَكِ وَأَعْظَمَ حُرْمَتَكِ ، وَالمُؤْمِنُ أَعْظَمُ حُرْمَةً
عِنْدَ اللهِ مِنْكِ )
رواه الترمذي (2032) وقال حسن غريب . وصححه الألباني في "صحيح الترغيب
والترهيب"
والحاصل أنه ينبغي لك المحافظة على صلاة الجماعة ، مع اعتزال من يتهمونك بالباطل ،
فإن لم تستطع الجمع بينهما ، وبلغ بك من الأذى الشيء الكثير ، جاز لك ترك صلاة
الجماعة معهم ، إن كان ينفعك ذلك في دفع الأذى عن نفسك ، أو تقليله .
والله أعلم .
أسئلة متعلقة أخري | ||
---|---|---|
لا يوجود محتوي حاليا مرتبط مع هذا المحتوي... |