عنوان الفتوى : حضانة الأولاد لمن مات زوجها ورغبت في الزواج

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

مات زوجي ، فمع من يعيش أبناؤنا ، معي أم مع أهل زوجي ؟ وماذا إذا أردت أن أعود إلى بلدي ، فهل لي أن أصطحب أبنائي معي أم أن الواجب تركهم مع أهل زوجي ؟ هل لأهل زوجي الحق في تربية أبنائي ؟ هل للزوجة الحق في تربية الأبناء حتى لو رغبت في الزواج ؟ .

مدة قراءة الإجابة : 7 دقائق

الحمد لله
أولاً :
حضانة الأولاد الصغار ، هي حفظهم وتربيتهم والقيام على مصالحهم ، وحمايتهم مما يضرهم أو يؤذيهم .
وقد اتفق الفقهاء على أن الأم هي أحق الناس بحضانة أولادها قبل سن التمييز إذا حصل طلاق بينها وبين زوجها ، أو حصلت له وفاة .
ففي "الموسوعة الفقهية" (17/301 ، 302) :
وحضانة الطفل تكون للأبوين إذا كان النكاح قائماً بينهما ، فإن افترقا : فالحضانة لأم الطفل باتفاق ؛ لما ورد أن امرأة أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله ، إن ابني هذا كان بطني له وعاء ، وحجري له حواء ، وثديي له سقاء ، وزعم أبوه أنه ينزعه مني ، فقال : (أنت أحق به ما لم تنكحي) . انتهى .
والواجب في الحضانة أن ينظر إلى مصلحة الطفل ، فقد يكون الأحق بالحضانة فاسقاً أو عاجزاً عن تربية الولد والقيام على مصالحه ، أو مهملاً مضيعاً للولد ، فهنا تنتقل الحضانة إلى من بعده.
قال ابن القيم رحمه الله :
ودل الحديث – أي : حديث (أنتِ أحق به ما لم تنكحي) - على أنه إذا افترق الأبوان وبينهما ولد : فالأم أحق به من الأب ، ما لم يقم بالأم ما يمنع تقديمها ، أو بالولد وصف يقتضي تخييره ، وهذا ما لا يُعرف فيه نزاع .
"زاد المعاد" (5/435) .
وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله :
واعلم أن هذه المسائل يجب فيها مراعاة المحضون قبل كل شيء ، فإذا كان لو ذهب مع أحدهما ، أو بقي مع أحدهما : كان عليه ضرر في دينه ، أو دنياه : فإنه لا يُقرُّ في يد من لا يصونه ، ولا يُصلحه ؛ لأن الغرض الأساسي من الحضانة هو حماية الطفل عما يضره ، والقيام بمصالحه .
"الشرح الممتع" (13/545) .
وانظري جواب السؤال رقم (20473) .
وإذا تزوجت الأم سقط حقها في حضانة أولادها ، بإجماع العلماء .
وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (20705) .
وقد اختلف الفقهاء في تحديد من ينتقل إليه حق الحضانة بعد الأم ، فذهب جمهورهم إلى أنها تنتقل إلى أم الأم ، وخالفهم شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم رحمهما الله ، فقالا بانتقالها إلى الأب ، ثم إذا استويا اثنان في القرب من الولد فجهة الأب هي المقدمة ، فأم الأب تقدم على أم الأم ، والعمة تقدم على الخالة .. وهكذا .
فقال رحمه الله : ... بخلاف الصغير ، فإن الأم أصلح له من الأب ؛ لأن النساء أرفق بالصغير ، وأخبر بتغذيته ، وحمله ، وأصبر على ذلك ، وأرحم به ، فهي أقدر ، وأخبر ، وأرحم ، وأصبر ، في هذا الموضع ، فعينت الأم في حق الطفل غير المميز بالشرع .
ولكن يبقى " تنقيح المناط " : هل عينهن الشارع ؛ لكون قرابة الأم مقدمة على قرابة الأب في الحضانة ؟ أو لكون النساء أقوم بمقصود الحضانة من الرجال فقط ؟ وهذا فيه قولان للعلماء . يظهر أمرهما في تقديم نساء العصبة على أقارب الأم : مثل أم الأم ، وأم الأب ، والأخت من الأم ، والأخت من الأب ، ومثل العمة ، والخالة ، ونحو ذلك ، هذا فيه قولان ، هما روايتان عن أحمد ، وأرجح القولين في الحجة : تقديم نساء العصبة ، وهو الذي ذكره " الخرقي " في " مختصره " في العمة والخالة ، وعلى هذا : أم الأب مقدَّمة على أم الأم ، والأخت من الأب مقدمة على الأخت من الأم ، والعمة مقدمة على الخالة ، كما تقدم ، وأقارب الأب من الرجال على أقارب الأم ، والأخ للأب أولى من الأخ للأم ، والعم أولى من الخال ... .
ولم يقدِّم الشارع قرابة الأم في حكم من الأحكام ، فمن قدمهن في الحضانة : فقد خالف أصول الشريعة ، ولكن قدَّم الأم لأنها امرأة ، وجنس النساء في الحضانة مقدمات على الرجال ، وهذا يقتضي تقديم الجدة أم الأب على الجد ، كما قدَّم الأم على الأب ، وتقديم أخواته على إخوته ، وعماته على أعمامه ، وخالاته على أخواله ، هذا هو القياس والاعتبار الصحيح ، وأما تقديم جنس نساء الأم على نساء الأب : فمخالف للأصول ، والعقول .
"مجموع الفتاوى" (34/122 ، 123) .
وأما سفرك بأبنائك : فقد سبق في جواب السؤال رقم (21612) أنه إذا لم يكن عليهم مضرة في هذا السفر ، فالحضانة حق لك ولا تسقط بالسفر .
وخلاصة ما سبق :
1. أنتِ أحق بأولادك من أهل زوجك ، حضانةً ، ورعاية ، وتربية .
2. تسقط عنك حضانة أولادك إن تزوجتِ ، وينتقل الأولاد إلى أم أبيهم ، فإن لم توجد : فأم الأم.
3. لا حرج في سفرك مع أولادك إذا لم يكن في هذا السفر ضرر عليهم .
والذي ننصحك به :
هو حسن التربية والعناية بأولادك ، والإحسان لأهل زوجك وعدم قطيعتهم ، وعدم قطع أولادك عنهم ، وأن تفكري جديّاً بالزواج ؛ لأن فيه إعفافاً لك ، ولن تنقطع صلتك بأولادك ، ولعل الله تعالى أن يرزقك ذرية أخرى طيبة صالحة .

والله أعلم