عنوان الفتوى : استعجال موت المريض طلباً لراحته

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

هل يجوز للمريض الذي لا يرجى أمل في شفائه أن يطلب الموت ، وهل يلبى طلبه تخفيفاً من الألم الذي يتعرض له ؟ البعض يقول : إن من حق الإنسان أن يحدد متى تنتهي حياته إذا كان في حياته تعذيب وألم له ولغيره ، فما رأي الدين في هذا الأمر ؟

مدة قراءة الإجابة : 8 دقائق

الحمد لله.


"يحرم على المريض أن يستعجل موته سواء بطريق الانتحار أو بتعاطي أدوية لقتل نفسه ، كما يحرم على الطبيب أو الممرض أو غيره أن يلبي طلبه ، ولو كان مرضه لا يرجى برؤه ، ومن أعانه على ذلك فقد اشترك معه في الإثم ، لأنه تسبب في قتل نفس معصومة عمداً بلا حق ، وقد دلت النصوص الصريحة على تحريم قتل النفس بغير حق ، قال الله تعالى: (وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) الأنعام/151 ، وقال تعالى : (وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا * وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا) النساء/29، 30.
وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : (من قتل نفسه بحديدة فحديدته بيده يجأ بها في بطنه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً ، ومن شرب سماً فقتل نفسه فهو يتحساه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً ، ومن تردى من جبل فقتل نفسه فهو يتردى في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً) متفق عليه .
وعن قلابة عن ثابت بن الضحاك رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (من قتل نفسه بشيء عذب به يوم القيامة) رواه الجماعة ، وعن جندب بن عبد الله البجلي رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (كان فيمن قبلكم رجل به جرح فجزع فأخذ سكيناً فحز بها يده فما رقا الدم حتى مات ، قال الله تعالى : بادرني عبدي بنفسه حرمت عليه الجنة) متفق عليه، وهذا لفظ البخاري .
ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يتمنى الإنسان الموت لضر أصابه ، في حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (لا يتمنين أحدكم الموت من ضر أصابه ، فإن كان لابد فاعلاً فليقل : اللهم أحيني ما كانت الحياة خيراً لي ، وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي) أخرجه البخاري ومسلم ، وهذا لفظ البخاري ، وأخرج البخاري أيضاً بلفظ آخر من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (لا يتمنين أحدكم الموت إما محسناً فلعله يزداد خيراً ، وإما مسيئاً فلعله أن يستعتب) .
فإذا كان الإنسان منهياً عن مجرد تمني الموت وسؤال الله ذلك ؛ فإن إقدام الإنسان على قتل نفسه أو المشاركة في ذلك تعد لحدود الله وانتهاك لحرماته ؛ لأن فعل ذلك ينافي الصبر على أقدار الله ، وفيه اعتراض على قضاء الله وقدره ، وجزع من ذلك ، الذي اقتضت حكمته أن يبتلي عباده بالخير والشر امتحاناً واختباراً لعباده ، قال تعالى : (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً) الأنبياء/35 ، وقد يبتلي الله بعض عباده بالمرض ، وهو الحكيم فيما يفعل ، العليم بما يصلح عباده ، ويكون في ذلك خير له وزيادة في حسناته وقوة إيمانه ، وقربٌ من الله سبحانه باستكانته وتضرعه وخضوعه لله سبحانه وتوكله عليه ودعائه له ، فينبغي للإنسان إذا أصيب بأحد الأمراض : أن يحتسب الأجر في ذلك ، ويصبر على ما أصابه من البلاء ، فإن من أنواع الصبر : الصبر على البلاء حتى يفوز برضا الله سبحانه عنه ، وزيادة حسناته ، ورفع درجاته في الآخرة ، ويدل لذلك ما رواه صهيب رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (عجبت من أمر المؤمن ، إن أمر المؤمن كله له خير ، وليس ذلك لأحد إلا المؤمن ، إن أصابته سراء شكر فكان ذلك له خير ، وإن أصابته ضراء فصبر فكان ذلك له خير) أخرجه الإمام مسلم في صحيحه ، والإمام أحمد في المسند ، وهذا لفظ الإمام أحمد .
وقوله تعالى : (وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ) الحج/35 ، وقوله تعالى : (وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ) البقرة/155، 156 ، وقوله تعالى : (وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا) الأحزاب/35 .
وما رواه أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إن عظم الجزاء مع عظم البلاء ، وإن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم ، فمن رضي فله الرضا ، ومن سخط فله السخط) أخرجه الإمام الترمذي في جامعه ، وقال : حسن غريب من هذا الوجه .
وما رواه مصعب عن سعد عن أبيه رضي الله عنهما قال : قلت يا رسول الله : أي الناس أشد بلاء ؟ قال : (الأنبياء ، ثم الأمثل فالأمثل ، يبتلى الرجل على حسب دينه ، فإن كان في دينه صلابة شدد عليه في البلاء ، وإن كان في دينه رقة ابتلى على حسب دينه ، فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض ما عليه خطيئة) أخرجه الترمذي وقال : هذا حديث حسن صحيح .
وما رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (وما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وولده وماله حتى يلقى الله وما عليه خطيئة ) أخرجه الترمذي .
وعلى ذلك ؛ يحرم على الإنسان المبتلى بأحد الأمراض أن يسعى في قتل نفسه ؛ لأن حياته ليست ملكاً له ، وإنما هي ملك لله الذي قدر الأقدار والآجال ، ولأن العبد بموته تنقطع أعماله ، وحياة المؤمن التي يعيشها يرجى له خير منها ، فعليه أن يتوب إلى الله سبحانه مما مضى من ذنوبه ، ويتزود من الأعمال الصالحات من صيام وزكاة وحج وذكر ودعاء الله سبحانه وقراءة قرآن ، فيرتقي بذلك أعلى الدرجات عند الله ، كما أن المريض يكتب له أجر ما كان يعمله في زمن صحته ، كما ثبتت بذلك الأحاديث الصحيحة .
أما أولئك الذين يرون أن يلبى طلب المريض في قتل نفسه ويعينونه على ذلك من أطباء وغيرهم ـ فإنهم آثمون ونظرتهم قاصرة ، ويدل ذلك على جهلهم ، لأنهم ينظرون إلى حياة الإنسان وبقائه من جهة أن يكون ذا قوة حيوانية ذا سلطة وأشر وبطر ، ولا ينظرون من حياته أن يكون متصلاً بربه متزوداً بالأعمال الصالحة ، قد رق قلبه لله وخضع واستكان وتضرع بين يديه سبحانه وتعالى ، فكان أحب وأقرب إلى الله ممن تجبر وطغى واستغل قوته الحيوانية فيما يغضب الله . كما أن الله سبحانه قادر على شفائه وما يكون اليوم مستحيلاً في نظر البشر قد يكون ميسوراً علاجه مستقبلاً بقدرة الله الذي لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء .
وبالله التوفيق ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى .
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز .. الشيخ عبد العزيز آل الشيخ .. الشيخ عبد الله بن غديان ... الشيخ صالح الفوزان .. الشيخ بكر أبو زيد .
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" ( 25/85) .

أسئلة متعلقة أخري
لا يوجود محتوي حاليا مرتبط مع هذا المحتوي...