أرشيف الاستشارات

عنوان الاستشارة : يائسة من الحياة

مدة قراءة السؤال : دقيقتان

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أكتب لكم ولا أملك الكلمات للتعبير عما أشعر به من ألم وحزن ويأس من هذه الحياة التي لا طعم لها، فكل الأيام تشبه بعضها، بل إن كل يوم جديد أسوأ من ذي قبل، ورغم أني أحافظ على صلاتي وأقرأ القرآن وأساعد المحتاجين قدر استطاعتي، ولكني أشعر بإحباط لا يوصف وبألم لأني لا أحس بحلاوة الإيمان، وأتمنى أن أبني أسرة مسلمة لكن لا شيء أتمناه وأجده، وأذنب أحياناً كثيرة ولكن سريعاً ما أستغفر ربي وأندم، وأحس أني منافقة مع نفسي ومع غيري، وفي الآونة الأخيرة أصبحت أتمنى الموت لأني ليس لدي ما أعيش من أجله.
علماً بأنني أكملت دراستي ولله الحمد ووجدت وظيفة مقبولة، وفشلت علاقتي مع أحد الزملاء لأنها لم تكن شرعية، وقد جرحتني في العمق لأنه كان ملتزماً مثلي ولا نقبل بهذه العلاقات، وأتمنى من أعماقي أن يتقدم لي شخص ملتزم يعينني على طاعة الله، لكن لم يتقدم لي أحد حتى الآن، وبدأت أخاف على نفسي من الفتن، فهل من نصيحة تساعدوني بها؟!

وجزاكم الله خيراً.

مدة قراءة الإجابة : 8 دقائق

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ Rym حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،

فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك الشبكة الإسلامية، فأهلاً وسهلاً ومرحباً بك، وكم يسعدنا تواصلك معنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يغفر ذنبك، وأن ييسر أمرك، وأن يقضي حاجتك، وأن يمنَّ عليك بزوج صالح يكون عوناً لك على طاعته ورضاه.

وبخصوص ما ورد برسالتك، فإن هذه الحياة دار نصب ودار كدر ودار تعب، قال الله تبارك وتعالى: (( لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي كَبَدٍ ))[البلد:4]، فهذه هي طبيعة الحياة الدنيا التي يعيشها الناس غالباً، إلا أننا ننظر إلى الظاهر فنرى الناس يضحكون ونراهم يبتسمون فنظن أنهم سعداء، ولكن لا يخلو بيت من مشاكل، إلا أن المشاكل تتفاوت من بيئة لأخرى ومن مجتمع لآخر، فهناك مشاكل لا تنتهي، وهناك مشاكل تطفو على السطح، وهناك مشاكل قد يتغلب عليها أهلها، وهناك مشاكل قد يصعب على أهلها أن يتحملوها، فمشاكل الدنيا لا تنتهي ولا تتوقف، وهذا هو الفارق ما بين الدنيا والآخرة، الفارق ما بين حياة الدنيا وحياة أهل الجنة في الجنة أن أهل الجنة لا يمسهم فيها نصب ولا يمسهم فيها لغوب، قال الله تعالى: (( لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلا تَأْثِيمًا ))[الواقعة:25]، هذه النعم التي أكرم الله بها عباده في الجنة لا توجد في هذه الحياة الدنيا.

فالدنيا دار ابتلاءات وامتحانات واختبارات، وهذه الابتلاءات وتلك الاختبارات تختلف من شخص لآخر، إلا أن الله تبارك وتعالى شاء جل جلاله واقتضت حكمته أن يبتلي العبد المؤمن أكثر من غيره وذلك لحكم يعلمها سبحانه وتعالى وبيَّن بعضها في كلامه وكلام نبيه صلى الله عليه وسلم.

فهذه ابتلاءات لبيان الفارق ما بين المؤمن والكافر، فإن المؤمن إذا ابتلي صبر، وأما الكافر إذا ابتلي فإنه يضجر وييأس ويقنط من رحمة الله، وقد تكون هذه الابتلاءات لحط بعض الخطايا والذنوب، كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم: (ما يزال البلاء بالمؤمن حتى يلقى الله وليست عليه خطيئة).

وقد تكون هذه الابتلاءات سبباً لرفع درجات العبد عند الله تعالى، والدليل على ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يبتلى المرء على قدر دينه) فمن قوي إيمانه اشتد بلاؤه، وقال صلى الله عليه وسلم: (نحن معاشر الأنبياء أشد الناس بلاء ثم الأمثل فالأمثل)، ورغم أن الأنبياء معصومون من الزلل والخطأ إلا أن الله تبارك وتعالى جعل الابتلاءات رفعاً لمقامهم عنده سبحانه وتعالى في الآخرة، وليكون أيضاً هذا عبرة لغيرهم من خلق الله تعالى، ولذلك نحن نقول (صبر أيوب) ولا نقول صبر إبليس، فأيوب نبي من أنبياء الله تعالى صبر هذا الصبر الجميل الذي سطر الله قصته في القرآن الكريم.

ولذلك أوصيك بالصبر وأن تعلمي أن النبي صلى الله عليه وسلم بشر الصابرين ولذلك قال: (واعلم أن النصر مع الصبر وأن الفرج مع الكرب وأن مع العسر يسراً)، فعمّاً قريب ستزال هذه الأمور كلها بإذن الله تعالى وأبشري بفرج من الله قريب، فكوني صابرة على أقدار الله تعالى غير جازعة ولا متسخطة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من يرد الله به خيراً يُصب منه) وقال أيضاً: (فمن رضي فله الرضا ومن سخط فله السخط)، من رضي على الله تبارك وتعالى وعلى حكمته وعلى قدرته ومن رضي بما قدره الله تبارك وتعالى فله الرضا، ومن سخط على الله تعالى أو سخط على أقدار الله تعالى فله السخط، ولن يتغير من الواقع شيء، ولذلك يقول الله تبارك وتعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: (( وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ))[البقرة:155] وقال له أيضاً: (( فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا ))[المعارج:5].

فنحن مطالبون جميعاً بالصبر لأن الصبر مفتاح الفرج، وهذه المشاكل التي تحدث لك بهذه الهموم وعدم رغبتك في الحياة قد يكون سببها بعض المعاصي التي قد تقعي فيها، فإنها قد يترتب عليها تكدير خاطرك، وهذا أيضاً من رحمة الله تبارك وتعالى بك أن الله تعالى يعاقب على الذنب في الدنيا؛ لأن الله إذا أراد بالعبد خيراً عاقبه أولاً بأول على ذنوبه حتى يلقى الله وليس عليه من خطيئة، وأما هؤلاء الذين لا يحبهم الله فإنه لا يعاقبهم ولا يلفت نظرهم في هذه الحياة حتى إنهم ليستمرون في المعاصي ويتنقلون من الصغيرة إلى الكبيرة بل وقد يقعون في الكفر، ولذلك قال تعالى: (( سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ * وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ ))[القلم:44-45].

إذن هذه الهموم النفسية التي تشعرين بها من ألم وحزن ويأس من هذه الحياة والشعور بأنها حياة مملة وأنها غير مريحة لعله شؤم المعصية التي قد تقعي فيها أحياناً، إلا أنها بفضل الله تعالى ألطف من غيرها، فتصوري هذا الابتلاء مع فقد عضو من الأعضاء ماذا سيكون؟ أنت الآن بصحة وعافية ولله الحمد، وأمورك الصحية طيبة ومستقرة، والأمور النفسية تزول عندما يكرمك الله تبارك وتعالى بالزواج، فإذا منَّ الله عليك بالزوج الصالح الذي تؤسسين معه الأسرة المسلمة فأنا أرى أن هذه المشاكل كلها ستحل بإذن الله تعالى.

فأكثري من الدعاء أن يكرمك الله عز وجل بعبد صالح وهذا جائز شرعاً؛ لأن خروجك من هذه المشاكل التي أنت فيها جميعاً إنما يكون بأن يكرمك الله تبارك وتعالى بعبد صالح يكون عوناً لك على طاعة الله ورضاه، فعليك بالدعاء وبالصبر الجميل وكثرة الاستغفار.

وقضية الحجاب احسميها نهائياً حتى تكونين على خير كامل؛ لأن المرأة المؤمنة التي تترك حجابها كالتي تترك صلاتها، فإن الحجاب فريضة كما أن الصلاة فريضة، فينبغي عليك أن تحافظي على الحجاب كمحافظتك على الصلاة وأن تجتهدي في الورد اليومي من القرآن الكريم وأن تحافظي على الاستغفار والأعمال الطيبة الرائعة التي تقومين بها، واعلمي أن الله يحبك لأنه لو لم يحبك ما يسر لك هذه الأعمال الطيبة رغم هذه المشاكل التي تعانين منها وهذه الهموم التي تتكلمين عنها، ومن علامات المحبة أنك محافظة على الصلاة وعلى قراءة القرآن ومساعدة المحتاجين، وأنك تكثرين من الدعاء والاستغفار، وأنك تقاومين نفسك، فهذه كلها علامات المحبة؛ لأن العبد إذا لم يكن قد أحبه الله أنساه هذه المعاصي كلها، ولذلك نظر بالنظارة السوداء ولم ينظر إلى رحمة الله الواسعة التي عمت الأركان والأرجاء.

وأبشري بفرج من الله قريب، وسوف يفتح الله لك فتحاً عظيماً لأنه وعد الصابرين (( وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ))[البقرة:155-157]، نسأل الله لك التوفيق والسداد والفرج العاجل.

وبالله التوفيق.

أسئلة متعلقة أخري شوهد التاريخ
هل كان لنا الاختيار في مسألة خلقنا؟ 930 الأحد 12-07-2020 07:37 صـ
لا أرغب في الحياة بسبب مشاكلنا الأسرية. 1355 الأحد 12-07-2020 07:22 صـ
أصبحت أكره أخي لما يسببه من مشاكل، فماذا أفعل؟ 1216 الثلاثاء 07-07-2020 05:15 صـ
أريد التوقف عن تقليد الآخرين، أريد أن أكون أنا! 1135 الأحد 28-06-2020 09:28 مـ
كيف أتخلص من أمراض القلوب، وأقوي ثقتي بنفسي؟ 1520 السبت 27-06-2020 09:20 مـ