أرشيف الاستشارات

عنوان الاستشارة : الشخصية المتناقضة والمتأرجحة

مدة قراءة السؤال : 7 دقائق

لا أدري من أين أبدأ؛ فأنا أتمنى أن أحقق التوازن الشخصي والنفسي، وأن أقدر الأمور بطريقة صحيحة.
عندي عقدة من شيئين هما: الظلم والمشاكل، فأنا أكره المشاكل جدا؛ وهذا ما يدعوني إلى الاعتراف بالخطأ في حالة المشاكل، سواء كنت مخطئة أو غير مخطئة، وهذا الأمر يكون على حساب نفسي وكرامتي، وقد يعزوه البعض إلى أنني ليس عندي كرامة أو أن شخصيتي ضعيفة، ولكني لا أستطيع أن أدع أي مشكلة بيني وبين أي شخص تستمر أكثر من يوم واحد، وأنا أعزو هذا الأمر إلى المشاكل الكثيرة والشتائم المتبادلة، والتي كانت تدور بين والدي وأنا صغيرة!

أكره جداً أن أظلم شخصا! وأحياناً يتسبب هذا في عدم تقديري للأمور بطريقة صحيحة، بمعني أنني قد لا أكون ظلمت الشخص، ولكنني أبحث عن أي سبب أقنع به نفسي، أنني ظلمت هذا الشخص!

وعندي مشكلة كثرة النسيان، فأحياناً يقول لي الناس أنك قلت كذا، وأنسى أنني قلت، أو قلنا لك كذا، وأنسى أنهم قالوا! كما أن الخيال يختلط علي بالحقيقة بدرجة كبيرة، فحينما أفكر في الشيء بخيالي؛ فإنه يختلط علي لدرجة أنني لا أستطيع أن أميز أحق هو أم خيال!!

حينما تكون حالتي النفسية سيئة، آكل كثيراً وهذا يضايقني جدا! وأيضاً أضحك كثيراً، إلى درجة أن من هم حولي يقولون لي: نحن لم نرك باكية من قبل.
أتمنى أن أقلع عن الضحك الكثير وعن الكلام الكثير، حيث أنني أكثر من الكلام وتكراره إلى درجة أن السامع لي يقول لي أنت رددت هذه الجملة أكثر من مرة! ومع كثرة الكلام فإني – والحمد لله – لا أغتاب أحدا.

أنا أحزن من كل شيء، ولأن أبسط الأشياء تحزنني؛ فإني قد تعودت على ذلك إلى درجة أن الحزن أصبح لا يظهر علي أبداً، وأخاف أن أبدي إعجابي بشيء حتى لا يظهر تناقضه مع أذواق الآخرين!

مع كل ما ذكرت، فأنا شخصية مرنة ولا أيأس إذا فشلت في تحقيق أهدافي، وإنما أبحث عن البديل المتاح، فمثلا كانت أمنيتي دخول كلية الطب أو العلوم، ولما لم أستطع دخلت كلية التجارة وحمدت الله على ذلك، وقناعتي هاهنا من باب الرضا وليس من باب السلبية، والحمد لله فقد وجدت توفيقا في الدراسة والامتحانات.

أحس أن حياتي متخبطة، وأنني مشتتة ومتناقضة! فأنا عندي شخصيتان: واحدة داخل البيت، والأخرى خارجه! فأنا خارج البيت أكثر من الضحك والمزاح، ويقل ذلك عندي جداً داخله. كنت فيما مضى انطوائية، وأما الآن فأنا اجتماعية وعندي أصدقاء كثر، وأشعر أن جميعهم لهم حقوق علي.

إنني أحب الحرية، وأهلي يعطونني قدرا منها؛ لأنهم يثقون بي ولكنني أشعر أنني لست أهلاً لهذه الثقة، لقد غرسوا في أشياء طيبة جعلتهم يثقون في مثل الصدق والأمانة وعدم الغش في الامتحانات، وأنا لا أغش، ولكني أحياناً أكذب عليهم كي أنقذ نفسي من الحرج؛ حتى لو كان الشيء الذي فعلته ليس خطأ، فمثلا قد أخرج من الكلية وأزور صديقتي،وحينما يسألونني عن سبب التأخير أتحجج بالمواصلات أو بالمحاضرات، رغم أنني لا أحضر المحاضرات ولا أدري في أي شيء يمضي الوقت!

إن أهلي يمنعونني من سماع الغناء، ولكنني أسمعه أحياناً أمام والدي، ويدور الحوار بيني وبين والدي حولها؛ فأنا أحب النقاش والمواجهة، ولكني أصبحت أسمع الأغاني خارج المنزل حتى أصبحت تجري في دمي، مع أني منذ مدة قليلة كنت أقوم بحفظ القرآن، وموقنة أن الغناء والقرآن لا يجتمعان، لكني مع ذلك أسمعه!

أنا ألتمس الأعذار للناس كثيراً وفوق طاقتي. قبل عام بقيت أفكر لمدة شهرين، في هل يمكن للبنت أن تدخل سيبر أم لا! وهل يستقيم التي تلبس الفتاة الخمار أن تدخل السيبر؟ وللعلم فإن عائلتي متدينة جداً، ومع ذلك أصبحت أدخل سيابر كثيرة، وأصبحت عادية جداً بالنسبة لي! أظن أنني قبل عام كنت نقية أكثر مما أنا عليه الآن، وأظن أن السبب في النت والشات والجوال والكلية، ولكن العيب الرئيس هو أنا!

بالنسبة لحياتي العاطفية، فأنا أنتظر الطرف الثاني كي يقرر إنهاءها؛ لأني أخاف أن أنهيها أنا، وحتى لا أظلمه – رغم أنه سبني وأساء إلي كثيراً – وقدر قررت بيني وبين نفسي أن أترك الكلام والضحك معه، ولكني لا أريد أن أظلمه؛ فأنا أرعب من الظلم والمشاكل!

لا أستطيع احتمال المشاكل خارج البيت، ولكني أحتمل الاستمرار عليها داخل البيت! فقد أخاصم أبي مدة طويلة، وأتشاجر مع أمي دائماً، ولا أستطيع أن أتلطف معهما في الكلام، رغم أني أتلطف مع الناس خارج البيت! أعلم أن هنالك تناقضاً في شخصيتي داخل البيت وخارجه! أنا إنسانة غير مثالية، ويقيني أنه لا يوجد شخص مثالي، ومع ذلك أحب أن أكون مثالية.

كما أنني لو أخطأت في حق إنسان، ولامني على ذلك - ويكون نفس هذا الشخص قد أخطأ في حقي من قبل – فإنني لا أستطيع الرد عليه بأنه أخطأ في حقي من قبل، بل ولا أستطيع تذكر خطئه!

ومما يضايقني جداً، أنني ليست لي هواية محددة، وأتمنى أن تكون لي هواية معينة، فقد عودني أهلي منذ الصغر أن الدراسة هي أهم شيء.

ومما يضايقني كذلك أنني ليس عندي توسط في الأمور، فإما أن أقبل الشيء أو أرفضه، وحينما أحب الشيء أحبه جداً، ولكن ليس عندي كره والحمد لله، وقد كان عندي صديقة فارقتها منذ أربع سنوات، وكنت أحبها جدا! وكانت هي التي بادرت بقطع العلاقة لا لشيء؛ إلا أني كنت أحبها وأريدها صديقة لي وحدي! ورغم ذلك فإني لم أكرهها، وعندما أحب الشيء أو الشخص كثيراً، فإني لا أستطيع الرجوع إليه إذا فقدته!

كنت على علاقة بخالي الذي يكبرني بثمان سنوات، وكانت علاقة صداقة قوية جداً، وكنت أحبه كثيراً وأحكي له كل شيء عني وعن حياتي، ولكنه بعد زواجه انشغل عني ببيته وأسرته، وضعفت العلاقة بيننا ولكني ما زلت أحبه وأعتبره كل شيء في حياتي.

شكرا لكم.

مدة قراءة الإجابة : 8 دقائق

بسم الله الرحمن الرحيم.
الأخت الفاضلة/ أميرة حفظها الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فجزاك الله خيراً على رسالتك المفصلة، والتي حملت الكثير من الجوانب التي تعكس -إلى حد كبير- شخصيتك.

أرى أن المشكلة الرئيسية أنه لديك الكثير من الحساسية المفرطة في شخصيتك، وفي ذات الوقت تحمل شخصيتك أيضاً نوعا من تباعد الأبعاد، أو يمكن أن نسميه درجة قليلة من تقلب المزاج، أو ما يسمى بالشخصية ثنائية القطبية، ولكن لم تصل حالتك لدرجة ما يعرف بالمرض الوجداني ثنائي القطبية.

أرجو أولاً ألا نعزي هذه الصعوبات إلى التنشئة أو نقول أن الوالدين هما السبب، مهما كانت هنالك صعوبات في المنزل نحن نؤمن إيماناً قاطعاً أن الإنسان عليه أن يستفيد من الماضي كتجربة ويحاول أن يطور هذه التجربة، فالكثير من الناس قد نشأوا في ظروف صعبة جدّاً ولكنهم عاشوا بعد ذلك - الحمد لله – حياة نفسية وعملية مثالية وناجحة جدّاً والعكس صحيح.

فإذن: أرجو ألا يسيطر عليك فكرة أن الماضي أو التربية أو التنشئة هي السبب، كثير من الناس يكون أصلاً لديهم الاستعداد الفطري أو الاستعداد الجيني لمثل هذه التقلبات، وهي كثيراً ما تكون مرحلة مؤقتة في فترة اليفاعة والصبا والشباب.

من الواضح أنك الحمد لله تتمتعين بدرجة كبيرة من الذكاء وأنك تحللين الأمور بصورة دقيقة، وهذا في رأيي هو الذي شكل لك نوعا من الصعوبات.

أنت محتاجة أن تقللي من الرقابة الذاتية على نفسك في تصرفاتك؛ خاصة التصرفات المنطقية والبسيطة، فقط محتاجة أن تزيلي من الرقابة والكوابح على النفس فيما يتعلق بمسائل السلوك غير الصحيح، أو ما ترينه مخالفاً للدين أو القيم أو المجتمع، هذا يجب ألا تقعي فيه، عليك أن تعظمي الفضيلة في تفكيرك وتصري على ذلك، وحين تأتيك فكرة بعمل شيء مخالف لطبعك أو لشرعك قولي لا .. لن أقوم بذلك، هذا لا يناسبني مطلقاً، لقد تهاونت في أشياء كثيرة، ولكني لن أتهاون في ذلك مطلقاً.

كرري هذه الأفكار، وحاولي أن تضخميها، وحاولي أن تجسميها، وإن شاء الله سوف تبني لك مُثُلاً أخرى تكون مانعة للصعوبات التي تعانين منها من ناحية المسلك.

أنت أيضاً في حاجة شديدة لما يعرف بالتفكير الآني أو التفكير اللحظي، بمعنى أن تتركي الماضي ويتركي المستقبل جانباً في تفكيرك، قولي مع نفسك: يجب أن أركز فقط على ما هو أمامي الآن، فكري في أمور الحياة العادية اليومية، فكري في دراستك، فيما تودين القيام به الآن، لا تشغلي نفسك بأفكار الماضي، وحتى أفكار المستقبل؛ لأن ذلك يؤدي إلى إضعاف التركيز والتشتيت وتداخل الأفكار والإكثار من التحليل لكل فكرة، مما يسبب مثل هذه الصعوبات التي تعانين منها.

إذن: قولي مع نفسك: سوف يكون تفكيري حاضراً وآنياً وظرفياً، ولن أشغل نفسي بالماضي أو أشغل نفسي بالمستقبل.

لا شك أن الكراهية للظلم هي شيء جميل؛ لأن الظلم ظلمات، الإنسان يجب ألا يظلم نفسه ولا يظلم الآخرين، ولكن لا تكوني بهذه الحساسية المفرطة، إنك إذا قمت بأي تصرف حيال شخص تعتقدين أنك قد ظلمتيه وتتجنبي اتخاذ القرار السليم خوفاً من أن تكوني أنت ظالمة، لا تكثري من التحليل الدقيقة، ضعي ضوابط لنفسك، فرقي ما بين الظلم وعدم الظلم، حللي المعلومة جيدّاً، ثم بعد ذلك اتخذي القرار.

موضوع تأرجح الحالة من ضحك في بعض الأحيان، وضيق ونوع من الكآبة، هو حقيقة – كما ذكرت لك – مرتبط بشخصيتك الوجدانية من النوع الذي يعرف بثنائي القطبية، وهذه ربما تحتاج لبعض العلاج الدوائي البسيط، والذي حقيقة أود أن أنصح به ولكن في نفس الوقت أرى أنك لست بحاجة إلى جرعة كبيرة.

يوجد دواء يسمى باسم دباكين، أرجو أن تتناوليه بجرعة 200 مليجرام ليلاً، جرعة هذا الدواء هي 800 إلى 1000 مليجرام في اليوم، ولكن أنت محتاجة لهذه الجرعة الصغيرة فقط ولمدة ستة أشهر، أرجو أن تجربيه، وهو من الأدوية السليمة، هو ضابط ومنظم للمزاج، علماً بأنه أصلاً كان يستعمل -أو لازال يستعمل- في علاج الصرع، ولكن وجد أنه أيضاً منظم للمزاج، ولذا نقوم باستعماله كثيراً وقد أفاد الكثير من الناس.

عدم الصدق في بعض الأمور التي ذكرتيها، لا شك أن الصدق محمدة والكذب مذموم، وهذا معروف لديك، وأرجو ألا تحسي بالذنب كثيراً؛ لأن الأشياء التي تخفينها عن أهلك ليست بالسوء الذي لا يمكن تداركه، فقط أعزمي مع نفسك وصممي، ويجب أن يكون هنالك نوع من الإصرار أن تقدمي الصدق دائماً، اجعلي الصدق هو شعارك، وأنا سعيد جدّاً أن أسمع أنك تقومين أيضاً بمحاورة والدك وذكر هذه الأشياء له، وهذا -إن شاء الله- في حد ذاته يدل أنك لا تقصدي أن تخفي الحقائق عن أهلك، ولكن ربما تستعملي هذا الإخفاء كنوع من الدفاع النفسي، أو كنوع من الهروب من الموقف، وهذا -إن شاء الله- يتم معالجته بالإصرار على انتهاج منهج الصدق في الأمور كلها؛ لأن الحق والصدق منجاة دائماً، ينجي الإنسان إن شاء الله.

أنا حزنت كثيراً حين ذكرت أنك أصبحت تميلين للاستماع للغناء بكثرة، هنا الضوابط الذاتية هي العلاج، العلاج الوحيد هي الضوابط الذاتية، الفرق واضح بين الحق والباطل، وبين الخير والشر، ولابد للإنسان أن يقيد نفسه، وأن يعرف تماماً أن جماليات الحياة فيما هو حلال وفيما هو مباح، هذه هي الجماليات الحقيقية، أما الأشياء الأخرى والعابرة والشهوات التي هي وقتية، لا أرى أنها تمثل سعادة حقيقة في حياة الإنسان.

أرجو أن تستفيدي أيضاً من صحبة الخيرات من صديقاتك، أرجو أن تقومي بذلك؛ لأن التعاضد والتعاون يساعد الإنسان للتخلص من سلبياته.

بالنسبة للعلاقات العاطفية، أنا حقيقةً أدعوك أن تكوني أكثر حذراً، دعي العلاقة في هذا الوقت من عمرك تكون علاقات عادية في مجال الدراسة مثلاً، لا تفكري فيها كعلاقات تأخذ وجدانك وعواطفك، لأنها حقيقة مزعجة لك، خاصة أنه لديك تقلب المزاج، كما أنها قد تضر بشخصية البنت بصورة عامة في مثل هذا العمر.

أما بالنسبة لتحملك للمشاكل في داخل المنزل وعدم تحملك لها خارجه، هذه ظاهرة في رأيي شبه طبيعية؛ لأن الإنسان يفرض دائماً سلطته على من تعود عليه أكثر مما يفرضها على الآخرين، فهذا شيء طبيعي، ولكن في نفس الوقت أرجو أن تقولي مع نفسك: أنا أتلطف مع الناس خارج المنزل .. لماذا لا أتلطف مع والديّ وأهل بيتي فهم أحق بذلك؟! .. عليك أن تتعلمي الحوار الصحيح مع أهلك ومع ذويك، ويكون هذا الحوار قائم على الاستماع وتبادل الأفكار الطيبة، وفي نفس الوقت تكوني حذرة، ولا تكوني أنت السبب في حدوث هذه المشاكل، إنما تكوني أنت الدافع لحلها وذلك كمساهمة منك في استقرار الأسرة.

أخيراً: أود أن أؤكد لك أن عوامل القوة وعوامل الخيرية في شخصيتك -إن شاء الله- هي الطاغية، وهي التي سوف تستمر معك مستقبلاً، هذه إن شاء الله فترات في الحياة، وفترة الصبا ومن قبلها الطفولة، هي من الحلقات الضعيفة في عمر الإنسان، وقد تحدث فيها مثل هذه الأشياء، ولكن أرجو أن تفكري إيجابياً، وأن تتبعي الإرشادات السابقة، وأن تسخري كل طاقاتك الآن من أجل دراستك ومحاولة التفوق والتميز والتأهل الصحيح؛ لأن ذلك إن شاء الله سوف يجعلك تفرضين نفسك على المواقف التي تحسين فيها بالضعف، وكذلك سوف يقوي من شخصيتك، ويجعلها أكثر تقارباً في أبعادها وأقل تناقضاً.
وبالله التوفيق.

أسئلة متعلقة أخري شوهد التاريخ
أعاني ضعفاً في الثقة وأشعر بأني أقل من الآخرين! 4893 السبت 03-10-2015 11:39 صـ
ليس لدي شخصية أبدا.. وأخاف من الناس حتى الأطفال 7622 الأربعاء 29-10-2014 02:07 صـ
هل من علاج يمنع نزول العرق عند مقابلة الآخرين؟ 6940 الثلاثاء 24-12-2013 01:19 صـ