أرشيف الاستشارات
عنوان الاستشارة : هل من نصيحة فقد ساءت حالتي بعد وفاة والدتي؟
السلام عليكم.
بداية كل عام وأنتم بخير.
منذ أن كان عمري ١٤ عاما, وحتى بعد تخرجي من الجامعة بعام كنت أحب الانطوائية, حتى عن أهلي, وكنت خجولة جدا, وأحب الصمت, وأكره الاجتماعات, وبعد تخرجي بعام ارتاحت نفسيتي كثيرا, وتغيرت قليلا, ولكني أكره العمل, وأتضايق منه كثيرا, ودائما أفكر بتركه, وغيابي كثير.
لكن بعد وفاة والدتي وملازمتي لها قبل مرضها وأثنائه؛ كنت لا أبكي, ولا أرتبك عندما أراها تتألم, بل كنت أشبه ببليدة المشاعر, وكنت أقول بيني وبين نفسي لا يمكن أن تموت أمي, وقبل أن يتم إدخالها إلى العناية المركزة طلبوا مني عدم إعطائها أي شراب أو طعام, مع أنها تطلب مني إعطائها ماء, وتقول قد أهلكتني أعطيني ماء, وأنا صامتة أمامها, وكانت تناديني وهم ينقلونها إلى العناية وتقول لي: سيقتلوني, وكنت عاجزة أمام توسلاتها لي, وصامتة, وأسمع أنينها, وتألمها, ثم فقدت وعيها وماتت بعد أيام.
منذ وفاتها قبل عام ونصف وأنا لا أعلم ما الذي جرى لي, لم أبكي عليها بكاء يريح قلبي, وأشعر أنها ستعود, وفي الأسبوع الأول من وفاتها سمعت صوتها مرتين, ثم انقطع عني, ولا أستطيع أن أصف شعوري خلال ذاك العام, كان أشبه بالتبلد التام, البعيد كل البعد عن صفات الإنسانية, والتي فقدتها أمي, وليس أي شخص آخر.
أتألم كثيرا عندما أسمع وأقرأ دعوات صديقاتي, أو أي شخص لوالدته, وأن دنياهم لا تساوي من دونهن شيئا, أشعر حينها بأني قاسية القلب, ومتبلدة, وأني استطعت أن أبقى في الدنيا بعدها.
امتنعت فترة عن الأكل, وخففت منه كثيرا, وما زلت أخفف منه, ولا أستطيع أن أعبر عن شعوري لفقدها, ولا حتى أدعو لها, وأشعر بأن كل ما يحصل لي في هذه الدنيا بعدم التوفيق والتيسير في رزقي كله عقوبة لي؛ بأني لم أعطها ماء, وماتت وهي عطشانة تريد أن تروي ظمأها ولم ألبي لها طلبها, حتى الخطاب عندما يتقدمون, ونتفق على كل شيء يذهبون بدون سبب.
أشعر بأني أعاقب من رب العالمين, لا أستطيع نسيان كلامها لي وهي تطلبني بماء, أشعر بحرقة في داخلي, إلى الآن لا أعلم ماذا أريد من هذه الحياة, أو ما هو هدفي في الدنيا, فقد شارفت على الثلاثين من عمري, ولم أحقق أي هدف, أو حلم, بل على العكس الكل من حولي ينجزون, ويتقدمون, وأنا أخسر.
أصبحت أخاف من المستقبل, أخاف أن أفقد والدي, وأتوقع أسوء الأمور, وأتألم من فعلي مع أمي.
أخبروني كيف أعيش بدون أمي؟ أشعر بيأس شديد لعدم وجود حل لوضعي؛ لأن راحتي هي بوجود أمي, ولا يستطيع أحد إنقاذي, مع العلم أنني أمام الجميع أحاول وبقدر الإمكان أن أكون طبيعية, وغير مبالية لشيء, مع أنني أحترق من الداخل وأتألم، وأشعر أن كل شيء حولي كذب, وليس حقيقة.
أتمنى أن أكون وفقت في وصف شعوري, مع أنني والله العظيم أرسل إليكم الآن وأنا لا أعلم ماذا أريد أن تصنعوا لي, أخشى أن أكون قد بالغت في سرد شعوري, وأخشى أيضا من نقصان شيء.
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ ولا شي حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،
فنسأل الله لك الشفاء والعافية والتوفيق والسداد، ولوالدتك الرحمة والمغفرة.
ما عبرتِ عنه هو نتاج طبيعي للتعبير عن الحزن، وهنالك حالات من الكدر والكرب تُصيب الناس بعد وفيات الوالدين أو أشخاص أعزاء بالنسبة له.
حزَن أو كرب ما بعد الموت ظاهرة معروفة جدًّا في الطب النفسي، والتعبير عن الأحزان يمر بثلاث إلى أربع مراحل، هذا هو الشيء الطبيعي، وفي بعض الأحيان تستمر عملية التعبير هذه لمدة ستة أشهر بعد وفاة الشخص الذي كان الارتباط به قويًّا، لكن في بعض الناس يتم التعبير عن الكرب في وقت متأخر نسبيًا وبصورة قد تكون غير معتادة، مثلا سماعك لصوت والدتك، هذا نسميه بالهلاوس الكاذبة، وهي ظاهرة تدل بالفعل على عمق الحزن والكرب، لكنها تختفي أيضًا -إن شاء الله تعالى– هذا أمر أيضًا معروف.
الذي أود أن أؤكد لك أنك تتفاعلين تفاعلا إنسانيًا قد لا يسهل التحكم فيه، وهو دليل قاطع على حبك لوالدتك، وفي نفس الوقت قد تكون خلفيتك النفسية والبناء النفسي لشخصيتك هو أحد العوامل المهيأة, أو المرسبة, أو الدافعة لظهور هذا النوع من التعبير عن المشاعر.
الذي يجب أن تقومي به كالآتي:
أولا: يجب أن تعرفي أن والدتك لن تعود لهذه الدنيا، فأمر الله قد قضى، ويجب التسليم لذلك. خذي الأمور على هذا النطاق والسياج المبسط، لكنه واقعي.
ثانيًا: يمكن أن تقدمي الكثير جدًّا لوالدتك بعد موتها، وذلك من خلال: الدعاء، تصدقي لها حتى ولو كان بشيء بسيط، برّي من كانت على علاقة ومودة معها، ثبّتي أمر الدعاء لها مرة أو مرتين في صلواتك.
ثالثًا: أرجو أن تكوني كما كانت تتمنى أمك أن تراك، وهذا متروك لك لتقدريه، وهو ليس صعب المنال.
رابعًا: أود أن أقول لك وبوضوح شديد: ليس هنالك ما يدعوك للشعور بالذنب لأنك لم تعطي والدتك الماء، وذلك لسبب بسيط: كانت هذه تعليمات طبية، والتعليمات الطبية يجب أن تُتبع، وفي ذات الوقت تذكري أنك إذا قمت بإعطاء والدتك الماء ثم حدثت الوفاة كان شعورك بالذنب سوف يكون أعظم، لأنك ستصلين إلى قناعة أنك قمت بإلحاق الضرر بوالدتك، وإن لم يكن هذا هو الواقع.
هذه النقاط الأربعة هي الأسس التي تتعاملين به مع هذا الحدث.
الأمر الآخر –وهي نقطة مهمة جدًّا– وهي ألا تبتعدي عن متعلقات والدتك، بجانب الدعاء لها إذا كان هناك ما يُذكرك بذكراها من متعلقاتها أو شيء من هذا القبيل لا تتجنبي ذلك، واجهيه تمامًا، كل المواقف التي تذكرك بوالدتك لا تتجنبيها، نحن ندعو لذلك بعكس ما يعتقد بعض الناس، لأن التجنب يؤدي إلى تراكمات نفسية سلبية جدًّا، أما المواجهة فهي مفيدة جدًّا.
كنا في أيام التدريب للتخصص في الطب النفسي في بريطانيا نشاهد المجتمع الإنجليزي أن الزوجة حين تفقد زوجها –أو العكس– تحتفظ بمتعلقات زوجها، ملابسه، صوره، وخلافه، وحين تُصاب بالأحزان كان الأساتذة والسلوكيين ينصحوا هذه الزوجة –أو الزوج– بألا تبتعد عن هذه المتعلقات وأن تنظر إليها وتتعامل معها.
هذا نوع من التعريض أو التعرض، ونحن بالطبع في ديننا الحنيف: الميت حين يذهب يجب أن يذهب معه كل شيء، ليس هنالك متعلقات يجب أن نحتفظ بها، لكن الوجدان والعاطفة الإنسانية الدين ليس بضدها أبدًا، فما يُذكرك بوالدتك يجب أن تواجهيه وتتعرضي له، ولا مانع في ذلك.
هذا هو الذي أود أن أنصحك به، والحياة طيبة، وإن شاء الله تعالى تتخطي هذه المرحلة، وتجعلي لحياتك معنى، هنالك الكثير جدًّا الذي يمكن أن تقومي به.
نسأل الله لك الشفاء والعافية والتوفيق والسداد، ونشكرك على التواصل مع إسلام ويب، وكل عام وأنتم بخير، ونسأل الله أن يرحم موتانا وموتى المسلمين، وأن يغفر لهم ويرحمهم، ويعافهم ويعفو عنهم، ويُكرم نزلهم، ويوسع مدخلهم، ويغسلهم بالماء والثلج والبرَد، وينقهم من ذنوبهم كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس.
أسئلة متعلقة أخري | شوهد | التاريخ |
---|---|---|
أشكو من انعدام التوفيق والنجاح في حياتي، فهل سببها المعاصي الماضية؟ | 2669 | الأربعاء 12-08-2020 04:07 صـ |
معاناتي مع المرض، وكيف أتكيف معه؟ | 1419 | الاثنين 15-06-2020 01:08 صـ |
لماذا يبتلى الصالحون أكثر من غيرهم؟ | 2720 | الثلاثاء 16-06-2020 09:03 مـ |
أخشى البقاء دون زواج للأبد. | 4767 | الاثنين 11-05-2020 03:45 صـ |
بعد أن خلعته تزوج.. والآن أنا نادمة! | 2071 | الأربعاء 06-05-2020 06:18 صـ |