أرشيف المقالات

إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا

مدة قراءة المادة : 10 دقائق .
2﴿ إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا ﴾
 
كثيرة هي الآيات الكريمة التي بينت عداوة الشيطان للإنسان، ووجَّهت إلى الحذر منه، ومن ذلك:
قول الله تعالى: ﴿ إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ ﴾ [1].
 
وقوله تعالى: ﴿ وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [2].
 
وقد قرر القرآن عداوته في آيات كثيرة، ووراء هذه العداوة هدف يريد الشيطان الوصول إليه، وهو إيصال من تبعَه إلى النار، كما نصت الآية الكريمة.
 
وقد فصَّل القرآن الكريم قصة هذه العداوة مع آدم عليه السلام، مما هو معلوم لكل مسلم.
 
كما سجل الحديث الشريف كيف تبدأ عداوة الشيطان لكل مولود ابتداء من يوم ولادته:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ما من بني آدم مولود إلا يمسَّه الشيطان حين يولد، فيستهل صارخًا من مسِّ الشيطان، غير مريم وابنها».
ثم يقول أبو هريرة: ﴿ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ﴾ [3].
وفي رواية لمسلم: «إلا نخسه الشيطان».
 
وإذا كانت العداوة بهذا الحجم، كان على المسلم أن يعرف عدوه معرفة تامة، حتى يكون قادرًا على أخذ الحيطة والحذر من مخططات الغواية التي ينصبها للناس.
 
وقد أوضح القرآن السبل التي يسلكها الشيطان كما جاء ذلك على لسان إبليس:
قال تعالى: ﴿ لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لَآَتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ ﴾ [4].
 
وهكذا..
فهي معركة على الجبهات جميعها.
كما أن الشيطان يحرك جنده بسريَّة تامة وفي خفاء وقد لا يشعر الإنسان بهذه الحركة.
قال صلى الله عليه وسلم: «إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم»[5].
 
وهذا مما يزيد المعركة صعوبة، فقدرته على الغواية تجري مجرى الدم، وكما أن الإنسان لا يحس بجريان الدم، فكذلك لا يشعر أنها وسوسة الشيطان، وكما أن الدم يصل إلى أجزاء البدن جميعها، فإن الشيطان كذلك.
 
وهكذا تكفل القرآن والسنة ببيان حجم العداوة والمعركة ليكون الإنسان من حيث اليقظة والتنبه بالقدر الذي يواجه هذا العدو اللدود.
 
وقد تكفلت السنة بإيجاد الأسلحة اللازمة لذلك في كل ميدان، ونذكر هنا على سبيل المثال:
1 - في ميدان العقيدة:
عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يأتي الشيطان أحدكم فيقول: من خلق كذا، من خلق كذا؟ حتى يقول: من خلق ربك؟ فإذا بلغه فليستعذ بالله وليَنْتَهِ»[6].
 
زاد في رواية أبي داود: «فقولوا: الله أحد، الله الصمد، لم يلد ولم يولد.
ولم يكن له كفوًا أحد.
ثم ليتفل عن يساره ثلاثًا، وليستعذ من الشيطان»
[7].
 
وعن أبي هريرة، قال: جاء ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فسألوه: إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به.
قال: «وقد وجدتموه؟» قالوا: نعم، قال: «ذاك صريح الإيمان»[8].
 
وعن عبدالله بن مسعود قال: سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الوسوسة، قال: «تلك محض الإيمان»[9].
 
وعن ابن عباس، قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إن أحدنا يجد في نفسه - يعرِّض بالشيء - لأن يكون حممة[10] أحب إليه من أن يتكلم به، فقال: «الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الحمد لله الذي ردَّ كيده إلى الوسوسة»[11].
 
والأحاديث الثلاثة تدور حول ما يلقيه الشيطان من الوسوسة في النفوس وكيف أن المؤمن يرفض قبول ذلك، مما يجعله لا يقبل أن يجري على لسانه.
وكما في الحديث الثالث لأن يكون رمادًا أحب إليه من أن يتكلم بذلك.
 
هذه المعركة التي تدور بين الشيطان وبين المؤمن في عملية رفض التكلم بذلك هي محض الإيمان[12].
ولذا كبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحمد الله أن رد كيد الشيطان إلى الوسوسة بحيث لم يستطع أن يصل بها إلى النطق.
 
وكان المانع هو سلاح الإيمان الذي دفع به المسلمُ الشيطانَ.
 
2 - في الصلاة:
وقد يعرض الشيطان للإنسان في صلاته، يريد أن يفسدها عليه.
حدث ذلك لعثمان بن أبي العاص رضي الله عنه.
فأتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، إن الشيطان قد حال بيني وبين صلاتي وقراءتي يلبسها عليَّ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ذاك شيطان يقال له خنزب، فإذا أحسسته، فتعوذ بالله منه، واتفل على يسارك ثلاثًا» قال: ففعلت ذلك فأذهبه الله عني[13].
 
وفي حديث الشيخين، عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «إن أحدكم إذا قام يصلي، جاء الشيطان فلبس عليه حتى لا يدري كم صلى، فإذا وجد ذلك أحدكم فليسجد سجدتين وهو جالس».
 
وفي رواية لهما: «...
حتى يخطر بين المرء ونفسه، يقول: اذكر كذا، اذكر كذا، لما لم يكن يذكر، حتى يظل الرجل لا يدري كم صلى»
[14].
وهكذا يعالج تلبيس الشيطان بواحد من العلاجين المذكورين.
 
3 - في ميدان الأسرة.

ويدخل الشيطان بناء الأسرة يحاول الإفساد، وقد نبه الرسول صلى الله عليه وسلم على ذلك حتى يكون كل من الزوجين على بصيرة مما يحاك له، فيفسد على الشيطان خطته.
 
عن جابر رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن إبليس يضع عرشه على الماء، ثم يبعث سراياه، فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة.
يجيء أحدهم فيقول: فعلت كذا وكذا، فيقول: ما صنعت شيئًا، قال: ثم يجيء أحدهم فيقول: ما تركته حتى فرقت بينه وبين امرأته، قال: فيدنيه منه ويقول: نِعمَ أنت»
[15].
 
4 - ميادين أخرى:
وهناك ميادين كثيرة تتناول كل عمل، أرشد الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم إلى التصرف الذي ينبغي على المسلم اتخاذه لإبعاد الشيطان منها:
• أن يسمي عند دخول بيته.
• أن يسمي عند تناول طعامه وشرابه.
• أن يقول عند الغضب: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.
• أن يبتعد عن استعمال كلمة (لو) فإنها تفتح عمل الشيطان.
• وفي الحديث: «فأغلقوا الأبواب واذكروا اسم الله، فإن الشيطان لا يفتح بابًا مغلقًا، وأوكوا قربكم واذكروا اسم الله، وخمروا آنيتكم واذكروا اسم الله..»[16].
 
وهكذا أرشد صلى الله عليه وسلم إلى الوسائل التي تبعد الشيطان في كل المواقف.



[1]سورة فاطر، الآية (6).



[2]سورة البقرة، الآية (168 - 169).


[3]متفق عليه (خ 3431، م 2366) والآية في سورة آل عمران (36).


[4]سورة الأعراف، الآية (17).


[5]أخرجه مسلم برقم (2174).



[6]متفق عليه (خ 3276، م 134).



[7]أخرجه أبو داود برقم (4722).


[8]أخرجه مسلم برقم (132).



[9]أخرجه مسلم برقم (131).


[10]حممة: رمادًا، وكل ما احترق بالنار: حممة.



[11]أخرجه أبو داود برقم (5112).



[12]وليست الوسوسة محض الإيمان كما يتبادر للذهن.


[13]أخرجه مسلم برقم (2203).


[14]متفق عليه (خ 608، 1231، م 389، 389 م).



[15]أخرجه مسلم برقم (2813).


[16]متفق عليه (خ 5623، م 2012).

شارك الخبر

روائع الشيخ عبدالكريم خضير