أرشيف المقالات

كالذي استهوته الشياطين في الأرض حيران

مدة قراءة المادة : 4 دقائق .
2سلسلة تأملات تربوية في بعض آيات القرآن الكريم
﴿ كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرَانَ ﴾
 
إنني كلما قرأت قول الله: ﴿ كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرَانَ ﴾ [الأنعام: 71] من الآية الكريمة، ينتابني شعور بالأسى والألم؛ لما أراه في واقع الحياة اليومية الآن للكثرة من شباب أمة محمد صلى الله عليه وسلم؛ فهو وصف دقيق لحال كثير من شباب اليوم، وما هم فيه من الضياع والحيرة والتخبط، والصراعات النفسية التي يعيشونها، وقد انعكس هذا الحال على أسرهم؛ فكثرت المشكلات بين الأبناء والآباء، وتعدى ذلك إلى نسيج المجتمع ككل.
 
إن هذا التعبير القرآني غاية في الدقة في وصف هذه الحالة؛ فكلمة ﴿ اسْتَهْوَتْهُ ﴾ تعبر عن قوة التأثير في النفس، والجاذبية، والإحاطة بهذه النفس وامتلاكها بهذا الهوى، الذي يهوي بالنفس مع كل ريح تهب من هنا أو هناك؛ فلا ثبات ولا تعقل ولا روية، وهذا ما تقوم به وسائل العصر الحديث؛ بالنشر، والتدخل في كل حياة الإنسان، وفي كل وقت وكل مكان، وقد أصبحت وسائل الإغراء تلك علومًا تدرس، ولها مؤسسات ومسابقات عالمية، يكرم فيها من يتفوق في هذا التفنن بالاستهواء.
 
إن شياطين الإنس يعملون إلى جانب شياطين الجن سواء بسواء، وهذا الاستهواء كله يقوم على استثارة الغرائز الطينية في الإنسان، وهذا ما جاء في التعبير القرآني: ﴿ فِي الْأَرْضِ ﴾؛ فهي وسائل رخيصة ودنيئة.
 
ثم يأتي هذا التعبير: ﴿ حَيْرَانَ ﴾؛ إنه مشهد حي شاخص متحرك للضلالة والحيرة، التي تنتاب الإنسان الضائع الاتجاه، فهو مشهد يفيض بالعذاب والتأرجح والقلقلة.
 
إن هذا العذاب النفسي الذي يرتسم ويتحرك، حتى ليكاد يُحَسُّ ويُلمَس من خلال التعبير القرآني - هو نفسه الذي نشاهده في كثير من الشباب في هذه الآونة، فهل من منقذ لهؤلاء الشباب؟ لا تقولوا لي: العلاج النفسي بالعيادات النفسية، التي انتشرت في هذه الآونة، وأصبح يُروَّج لها لعلاج الشباب، إن العلاج في القرار الحاسم من هذه الظروف النفسية، التي تتخذ صورة الحيرة الطاغية، والعذاب المرير من هذه الحيرة التي لا تستقر على قرار - هو قول الله: ﴿ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى ﴾ [الأنعام: 71]؛ فالقرار هو هدى الله؛ لأن البشرية ككل تتخبط في التيه، كلما تركت هذا الهدى، أو انحرفت عن شيء منه واستبدلت به شيئًا من تصوراتها هي ومقولاتها، وأنظمتها وأوضاعها، وشرائعها وقوانينها، وقيمها وموازينها، بغير علم ولا هدًى ولا كتاب منير، ولا بد من الاستسلام لله وحده في ذلك: ﴿ وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الأنعام: 71].
 
إن تربية الشباب على هدى الله تقع على عاتق الكل: مؤسسات التعليم وغيرها، على عاتق جميع أفراد المجتمع؛عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ألا كلكم راعٍ، وكلكم مسؤول عن رعيته؛ فالأمير الذي على الناس راعٍ، وهو مسؤول عن رعيته، والرجل راعٍ على أهل بيته، وهو مسؤول عنهم، والمرأة راعية على بيت بعلها وولده، وهي مسؤولة عنهم، والعبد راعٍ على مال سيده وهو مسؤول عنه، ألا فكلكم راعٍ، وكلكم مسؤول عن رعيته))؛ متفق عليه.

شارك الخبر

فهرس موضوعات القرآن