أرشيف المقالات

من مقاصد الصيام: تربية النفس على مراقبة الله تعالى

مدة قراءة المادة : 4 دقائق .
2من مقاصد الصيام
تربية النفس على مراقبة الله تعالى
 
الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أما بعد أحبتي في الله:
فإنه ما من حكم شرعه الله تعالى للعباد إلا جعل له حكمة ومقصدًا، فالشريعة كلها مصالح، إما تدرأ مفاسد أو تجلب مصالح، والصيام عبادة شرعية ألزم الله بها عباده المؤمنين لتحقيق عدد من المقاصد والحكم؛ ومن هذه المقاصد والحكم: تربية النفس على مراقبة الله تعالى؛ يقول المولى تبارك وتعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 183]، والتقوى: هي امتثال ما أمر الله به، واجتناب ما نهى عنه سبحانه وتعالى، وذلك لا يتحقق إلا باستحضار مراقبة الله جل جلاله، والصيام من شأنه أن ينميَ في المسلم الإحساس بمراقبة الله تعالى؛ فهو يَدَعُ طعامه وشرابه وشهوته ولو كان وحده؛ إيمانًا منه بأن الله تبارك وتعالى مطلع عليه؛ وفي الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((قال الله عز وجل: الصوم لي، وأنا أجزي به، يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي))[1].
 
أحبتي في الله، إن هذا الإحساس من المؤمن من شأنه أن يغرس في قلبه دوام تعظيم حرمات الله تعالى؛ وعن عبدالله بن دينار رحمه الله قال: ((خرجت مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى مكة، فعرسنا في بعض الطريق، فانحدر عليه راعٍ من الجبل، فقال له: يا راعي، بعني شاة من هذه الغنم، فقال: إني مملوك، فقال: قل لسيدك: أكلها الذئب، قال: فأين الله؟ فبكى عمر رضي الله عنه،، ثم غدا إلى المملوك فاشتراه من مولاه وأعتقه، وقال: أعتقتك في الدنيا هذه الكلمة، وأرجو أن تعتقك في الآخرة))[2].
 
وفي مقابل هذا فإن تهاون المسلم في استحضار مراقبة الله تعالى يدفع به إلى انتهاك الحرمات، والوقوع في المحظورات؛ فعن ثوبان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((لأعلمن أقوامًا من أمتي يأتون يوم القيامة بحسنات أمثال جبال تهامة بيضًا، فيجعلها الله عز وجل هباءً منثورًا، قال ثوبان: يا رسول الله، صفهم لنا، جلِّهم[3] لنا؛ ألَّا نكون منهم ونحن لا نعلم، قال: أما إنهم إخوانكم، ومن جِلدتكم، ويأخذون من الليل كما تأخذون، ولكنهم أقوام إذا خلَوا بمحارم الله انتهكوها))[4].
 
فالعاقل أحبتي في الله هو من يراقب ربه، ويخشاه في سره وعلانيته؛ ولله در القائل:






وإذا خلوت بريبة في ظلمة
والنفس داعية إلى الطغيانِ


فاستحي من نظر الإله وقل لها
إن الذي خلق الظلام يراني






والحمد لله رب العالمين.



[1] مسند الإمام أحمد، مسند أبي هريرة.


[2] سير أعلام النبلاء، ج: 4، ص: 310.


[3] قوله: "جلهم لنا": من التجلية؛ أي: اكشفهم لنا، وقوله: "من جلدتكم" بكسر الجيم: أي: من جنسكم، وقوله: "ويأخذون من الليل": أي: يأخذون من عبادة الليل نصيبًا؛ [ينظر: حاشية السندي على سنن ابن ماجه، ج: 2، ص: 561]


[4] سنن ابن ماجه، كتاب الزهد، باب: ذكر الذنوب.

شارك الخبر

روائع الشيخ عبدالكريم خضير