أرشيف المقالات

أركان الزوجية الفطرية في الإسلام

مدة قراءة المادة : 4 دقائق .
أركان الزوجية الفطرية في الإسلام
الروض الوريف شرح حقوق الجنس اللطيف (12)
 
أرشد الله البشرَ بكتابه القرآن الحكيم إلى أن للحياة الزوجية ثلاثةَ أركانٍ يجب عليهم تحريها فيها، وهي ما أشرنا إليه في صدر هذه الرسالة وصدّرْناها بآيتها من قوله عز وجل: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ﴾ [الروم: 21].
 
فالسكون النفسي الجنسي - وهو الركن الأول من هذه الأركان - خاصٌّ بالزوجين، وهو تعبير بليغ عن شعور العشق واللذة والحب الذي يجده كلٌّ منهما باتصالهما والملابسةِ بإفضاء أحدِهما إلى الآخر الذي به تتم إنسانيَّتُهما فتكونُ منتجةً أَنَاسِيَّ مثلَهما، وبه يزول أعظمُ اضطراب فطريٍّ في القلب والعقل لا ترتاح النفسُ وتطمئنُ في سريرتها بدونه.
 
وإنما تكون المحافظةُ على هذا الركنِ بما أَرشدَ كتابُ الله تعالى إليه مِن قصد الإحصانِ في النكاح، وهو أن يقصِد به كلٌّ من الزوجين إحصانَ الآخَرِ، أي: إعفافه وحفظه من صَرْفِ داعيةِ النسل الطبيعيةِ إلى المسافحة أو اتخاذ الأخدان لأجل اللذة فقط، وقُصَارَى هذا الإحصانِ أن يَقْصُرَ كلٌّ منهما هذا الاستمتاعَ على الآخر ويَقصِدَ حكمتَه: وسيلةَ النسل وحفظَ النوع البشريِّ على أسلمِ وجهٍ وأفضلِه.
 
قال الله تعالى بعد بيان محرَّمات النكاح من سورة النساء:
﴿ وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَن تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُم مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً ﴾ [النساء: 24[ الآيةَ.
 
ثم قال بعدها في نكاح الإماء:
﴿ فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلاَ مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ ﴾ [النساء: 25].

 
وقال في سورة المائدة: ﴿ الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ المُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلاَ مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ ﴾ [المائدة: 5].
 
والركن الثاني من أركان الزوجية: المودة، أي: المحبة التي يَظهرُ أثرُها في التعامل والتعاونِ، وهو مشترك بين الزوجين وأسرةِ كلٍّ منهما.
 
والركن الثالث: الرحمة التي لا تكمُل للإنسان إلا بعواطفِ الأمومة والأبوة، ورحمتِهما لأولادهما، فيكون لكل البشر أو الأحياءِ حظٌّ من هذه الرحمة الكاملة، إذا لم يكن فسادُ التربية والمعاشرة أو تعاليم العداوات أو العصبيات بين البشر مُفسِدةً لها أو قاصرةً لها على المشاركين في القومية أو العقيدة أو الوطن [*].
 
ومَن تفكَّر في هذه الأركان الثلاثةِ حقَّ التفكر علِمَ أن عليها مدارَ سعادة الزوجية التي هي جُلُّ سعادة الإنسانية.
ولذلك قال تعالى بعد بيانها: ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الروم: 21][1]

[*] يعني أن كمال الرحمة للأناسي إنما يكون بعواطف الأُبوَّة والأمومة، ورحمة الوالدين للأولاد، وتلك الرحمة الكاملة قاسم مشترك بين البشر جميعًا، مركوزة هي في الفِطَر ما لم يأتِ مؤثرٌ من خارج - كفساد تربيةٍ أو معاشرة - على هاتيك الفِطَر، فيُزيلها أو يحد منها.
[1] قد أنشأنا عدة فصول في شرح هذه الأركان، نشرناها في مجلد "المنار" الثامن.
(رشيد).

شارك الخبر

ساهم - قرآن ٣