أرشيف المقالات

المرأة وتغطية القدمين.. بين التدليل ورصف الأقاويل

مدة قراءة المادة : 6 دقائق .
المرأة وتغطية القدمين..
بين التدليل ورصف الأقاويل
 
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن اتبع هداه.
 
أما بعد:
فهذا موضوع مختصَر، يتناول مسألة تغطية المرأة قدَمَيها أمام الرجال الأجانب، الذي ما زال يتكرر طرحه في المجالس والمنتديات، بل حتى الفتاوى والكتابات؛ فيكون عامَّة الطرح بطريقةِ جمْعِ أقوال العلماء، ورصْدِ أقوال المذاهب، وترجيحات المجتهدين، بل والمقلِّدين!
 
وبعضهم حينما يتفضَّل ويلتفت إلى قضية التدليل وبيان الحجة: يقع في القصور من حيث جمع أدلة الباب، ولا سيما التي فيها التنصيص الصـريح على الحكم، دون الأدلة الأخرى المحتملة.
 
وهذه الأطروحات تخالف المنهجية العلمية السليمة، وهي مما يعيب أصحابها، وبخاصة إنْ كانوا من المنتسبين إلى العلم.
 
ومن هذا المنطلَق جاء هذا المقال لوضع النقاط على الحروف - كما يُقال - والذي فيه الاعتماد على الدليل - أصالةً - مع اطِّراح الأقوال المبثوثة في كثير من كتب الفروع، التي فيها ما يشوِّش أفكار طلاب العلم في هذا العصـر، فضلًا عن عامة الناس، الذين يهمهم هذا الأمر، ويحتاجون إلى التفقُّه فيه، ولا سيما أنَّ أكثرهم من النساء.
 
وقبل البدء بتبيين الحكم، يَحسُن ذِكر حَدِّ القدَمين لغةً وعُرفًا؛ فقد وردَ في "لسان العرب" أن القَدَم هي الرِّجْل، ويُجمعان: أرجُلًا وأقدامًا، وحَدُّ القَدم: مِن لَدُن الرُّسْغ إلى آخر أطراف الأصابع، وهي ما يطأُ عليه الإنسان.
 
أما حُكم "القَدَمَين"، فقد دلَّ الكتابُ والسنة الصحيحة بأوضح العبارة على حُرمة كشفهما أمام الرجال الأجانب.
 
مِن ذلك:
• ما ورد أنَّ أم سلمة رضي الله عنها ذكرَت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ذيول النساء، فقال: ((يرخين شبرًا)) (أي: تحت الكعبين)؛ قالت أم سلمة: "إذًا ينكشف عنها؟!" (أي: قدمَيْها)، قال: ((ترخي ذراعًا لا تزيد عليه))[1].
 
• وفي رواية لابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رَخَّصَ للنساء أن يرخين شبرًا؛ فقُلْنَ: "يا رسول الله، إذًا تنكشف أقدامنا؟!"، فقال: ((ذراعًا، ولا تَزِدْن عليه))[2].
 
• وعنه أيضًا: أن نساء النبي صلى الله عليه وسلم سألْنَه عن الذيل، فقال: ((اجعلْنَه شبرًا))؛ فقُلْنَ: "إنَّ شبرًا لا يستر مِن عورة"؛ فقال: ((اجعلْنَه ذراعًا))، فكانت إحداهن إذا أرادت أن تتخذ درعًا، أرْخَتْ ذراعًا فجعلته ذَيلًا[3].
 
ومن مجموع هذه الأحاديث يَظهرُ جَلِيًّا استنكارُ الصحابيَّات كشفَ الأقدام، وأنها من العورة، وفيها موافقة الرسول لهن، بل تعليمه إياهن ما يسترهنَّ.
 
أما حُجَّة مَن رأى جواز كشف القدمين بأنها من الزينة الظاهرة كما نصَّت هذه الآية، فهو احتجاجٌ قاصر، يَظهر بطلانُه بجمْع أدلة هذا الباب واستنباط الحكم وافيًا.
 
فقوله تعالى في تتمة الآية: ﴿ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ ﴾ [النور: 31]‏، نهْيٌ منه سبحانَهُ لنساء المؤمنين إذا مشَيْنَ عن الضـرب بالأرجُل، حتى لا يُصَوِّت ما عليهن مِن حلي، كخَلاخل وغيرها، فتُعلَم زينتها بذلك، فيكون سبَبًا للفتنة، وهذا من عمل الشيطان‏،‏ ومن لازم دلالات هذه الآية: أنه‏ يجب على نساء المؤمنين ستر أرجلهن[4].
 
واحتجَّ بعضُ المجوِّزين بما روي عن عائشة رضي الله عنها، في تفسير الزينة الظاهرة بأنها "الفتَخ"[5]، ولكنه قولٌ غير صريح؛ فالفتَخ الذي هو حَلَق يُلبَس في أصابع الرجْل عادةً، وقد ورَد عن عائشة رضي الله عنها - نفسِها - أنها كانت تلبسه في يدها، كما عند أبي داود (1565) وغيرِه، وصححه الألباني، وهو يُطلَق على الحَلَق الذي لا فص فيه، فإن كان فيه فص سُمِّي خاتمًا - كما في "لسان العرب".
 
ولا يَرُد هذا الاحتمالَ ما جاء في لفظ رواية ابن أبي حاتم: (حلَقٌ مِنْ فِضَّةٍ يَكُونُ فِي أَصَابِعِ الرِّجْلَيْنِ)، فهذه الزيادة ظاهرٌ أنَّها ليست من قول عائشة؛ وإنما من قول الرواة لتوضيح المعنى؛ فإنَّ عائشة ليست بحاجة إلى أن تُبيِّن المعنى، كما أنَّ هذه الرواية لا تدفع الألفاظ الصريحة في الأحاديث الأخرى القاضية بأنَّ القدَم عورة يجب سترها.
 
والله أعلم.

[1] رواه النسائي (5337)، وأبو داود (4117)، وصححه الألباني.

[2] رواه أحمد بن حنبل (4773)، وصحَّحَه أحمد شاكر.

[3] رواه أحمد بن حنبل (5637)، وصحَّحَه أحمد شاكر.

[4] يُنظَر: كتاب "حراسة الفضيلة" (ص53)، لبكر أبو زيد.

[5] رواه ابن أبي حاتم في "تفسيره" (14402)، والبيهقي في "سننه" (13495) بسند صحيح.

شارك الخبر

المرئيات-١