أرشيف المقالات

مقدمة كتاب: الإفتاء بالخلاف الفقهي بين ضوابط الأصوليين وقراءات المعاصرين

مدة قراءة المادة : 4 دقائق .
مقدمة كتاب
الإفتاء بالخلاف الفقهي بين ضوابط الأصوليين وقراءات المعاصرين

 
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فقد منَّ الله تعالى على هذه الأمة إذ بعث فيها نبيًّا منها يتلو عليها آياته ويزكيها، ويعلمها الكتاب والحكمة حتى بلغ وبيَّن وعلَّم وتمَّم، فوعى عنه أصحابه وفقهوا، فأدَّوا كما سمعوا، ثم توالى الأمر على هذه الشاكلة، وأخذ من كلِّ خلف عدوله، حتى تأسست قواعد علوم الشريعة وأرسى بنيانها على اختلاف أنواعها وتباين أشكالها.
 
وكان من أهم هذه العلوم نفعًا وأعلاها شأنًا وأجلِّها قدرًا: علم أصول الفقه، وإن مما يبرز لنا أهمية هذا العلم مقولة حجة الإسلام الغزَّاليِّ رحمه الله: "وأشرف العلوم ما ازدوج فيه العقل والسمع، واصطحب فيه الرأي والشرع، وعلم الفقه وأصوله من هذا القبيل، فإنه يأخذ من صفو الشرع والعقل سواء السبيل، فلا هو تصرف بمحض العقول بحيث لا يتلقاه الشرع بالقبول، ولا هو مبني على محض التقليد الذي لا يشهد له العقل بالتأييد والتسديد"[1].
 
وقد لوحظ في الآونة الأخيرة: شيوع الزلل في الفتيا، والخطأ في الاجتهاد، شيوعًا لم يسبق له نظير في تاريخ فقهنا الإسلامي، والتجرؤ على مناصب الفتيا والاجتهاد حتى خاض فيها من ليسوا من أهل العلم والاجتهاد المؤهَّلين للفتيا وبيان الأحكام الشرعية؛ فزادوا فيها ونقصوا، وأفرطوا في تطبيقاتها وفرَّطوا، وحرَّموا وحلَّلوا، وحصل من جراء ذلك: غلو وتضييق على الناس، أو تفريط وإضاعة، وكان قد انبرى للردِّ على تلك الأخطاء وتفنيد ذلك الشذوذ علماء أجلاء وأساتذة فضلاء، فأبطلوا ما بها من شبهات وكشفوا ما بها من زلَّات، وما بحثي هذا إلا جزء من الإسهام في ضبط مسيرة الإفتاء بضوابط العلماء وكشف لقراءات المعاصرين المنحرفة عن ضوابط أهل الفن في الإفتاء بالخلاف الفقهي.
وكانت خطتي في هذه الدراسة موزَّعة على مقدمة وخمسة مباحث وخاتمة.

تكلَّمت في المبحث الأول عن ضرورة أن يكون الخلاف سائغًا مؤصلًا وليس مجردًا، أما المبحث الثاني فكان عن العلم بمآلات الأفعال وعدم إغفالها، وتحدثت في المبحث الثالث عن التوسط في اعتبار المصالح، وجاء المبحث الرابع عن أهمية فهم الوقائع والإحاطة بها، والمبحث الخامس ذكرت فيه التوسط في الاستدلال بالضرورة، ثم ختمت البحث بأبرز ما توصلت إليه من نتائج.
 
وفي الختام فإني كتبت هذا البحث للمتخصصين في مجال الإفتاء من العلماء والباحثين؛ لذلك استغنيت عن كتابة تمهيد أفصِّل فيه مفردات العنوان وكذلك ترك التعريف ببعض المصطلحات الأصولية خشية الإطالة، وقد عززت كل ضابط بأقوال الأصوليين ثم أظهرت قراءات المعاصرين المجردة عن هذه الضوابط من خلال فتاواهم.
 
وأنا هنا لا أدَّعي لعملي الكمال والتمام، إنما قصدي إخراج البحث بالوجه الصحيح، فإن أكُ قد وفِّقت فلله الحمد والمنة، وإن تكن الأخرى فحسبي أني حاولت الوصول إلى الحق وبذلت ما بوسعي من جهد، وإني سائل من حسن ظنه إذا عثر على شيء طغى به القلم، أو زلت به القدم، أن يغفر ذلك في جنب ما قربت إليه من البعيد، وقيدت له من الشريد، وأرحته من التعب، وأن يكون في حسبانه أن الجواد قد يكبو، وأن الصارم قد ينبو، وأن النار قد تخبو، وأن الإنسان محل النسيان، وأن الحسنات يُذهبن السيئات، ولست أرى عذرًا لما سهوتُ فيه إلا قول القائل:






وما أبرِّئ نفسي إنني بشرُ
أسهو وأُخطئ ما لم يَحمني قدرُ


ولا أرى عذُرًا أولى بذي زلل
مِنْ أن يقول مقرًّا: إنني بشرُ






 
واللهَ أسألُ في الختام والتمام أن يكون هذا العمل خالصًا لوجهه الكريم، وأن يجزيني به أعظم الجزاء إنه هو الكريم الجواد.
 
المحتويات





المـوضـوع




الآية




كلمة حق




الإهداء




ثبت المحتويات




المقدمة




المبحث الأول: أن يكون الخلاف سائغًا مؤصلًا




المبحث الثاني: العلم بمآلات الأفعال




المبحث الثالث: التوسط في اعتبار المصالح




المبحث الرابع: أهمية فهم الوقائع والإحاطة بها




المبحث الخامس: التوسط في الاستدلال بالضرورة




الخاتمة




المصادر والمراجع








[1] ينظر: المستصفى 1 /14.

شارك الخبر

ساهم - قرآن ١