أرشيف المقالات

الغش في الامتحانات

مدة قراءة المادة : 9 دقائق .
2الغش في الامتحانات
 
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، هناك ظاهرة سيئة منتشرة بين الطلبة في أنحاء العالم، ألا وهي الغش في الامتحانات، وهي ليست من الجرائم الكبيرة في الغرب، بل ربما لا تعتبر جريمة عندهم، ولكن المؤسف في الأمر أن تجدها في مدارس المسلمين أيضًا، رغم أن أي مسلم تقريبًا على وجه الأرض يعلم بتحريم الغش، فهو نوع من الكذب والتدليس المنهي عنه في الإسلام؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ ﴾ [النحل: 105]، وقال صلى الله عليه وسلم: (من غشَّنا فليس منا، والمكر والخداع في النار)[1]، فهذا وعيد شديد لمن يغش المسلمين ويَمكر ويخادع.
 
فما بال أبنائنا يتجاهلون هذه الأحاديث والآيات، ويلقونها وراء ظهورهم، ولأجل ماذا؟ ألا يعلمون أن النجاح والرسوب بيد الله تعالى، ومع أن الاجتهاد من الأسباب المأمور بالأخذ بها، فإن الاعتماد على الأسباب دون خالقها ليس من صفات المؤمنين، فربما نأخذ بالأسباب ومع ذلك لا يوفِّقنا الله لما نريد، فنحن المسلمين نؤمن أن الأمر كله لله، وأن الأخذ بالأسباب يساعدنا ونأخذ به، ثم نعتمد على الله ونتوكل عليه في كل شيء.
 
ونؤمن بأن الأسباب لا تنفعنا من دون قدرة الله ومشيئته؛ لذا نأخذ الدواء وندعو الله بالشفاء، ونكِد ونعمل ونطلب من الله الرزق، ونسعى ونجتهد ونطلب من الله التوفيق، فهو وحده من بيده الأرزاق والعطايا.
 
وما من رزق أو فائدة أو توفيقٍ للمخلوقين إلا بأمره، ومما تفضَّل به عليهم؛ قال تعالى: ﴿ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ ﴾ [هود: 123]، وقال أهل العلم: "‌الأخذ ‌بالأسباب ‌عبادة، ‌والاعتماد ‌عليها ‌شرك، ومن أخذ بالأسباب ولو كانت ضعيفة، ثم اعتمد على الله تعالى، فقد امتثل"[2].
 
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (قالَ النَّبيُّ للأعرابيِّ الَّذي تركَ النَّاقةَ سائبةً متوكل علَى اللهِ: فقالَ لهُ: اعقِلها وتوَكَّلْ)[3].
 
فالنجاح بيد الله وتوفيقه، وكم من طلبة ساهروا الليالي وقضوا الساعات في الدراسة، ثم رسبوا، وبعضهم ذاكر ساعات قليلة بما تيسَّر له، وحل بأفضل ما يستطيعه، ثم توكل على الله وسأله التوفيق والنجاح، فحصل على أعلى الدرجات، بل حتى تفوق على أقرانه أولئك جميعًا رغم قلة الساعات التي درسها بالنسبة لهم، فمن يتقي الله ويتوكل عليه ويستعين به، يوفِّقه لِما يريد؛ قال تعالى: ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا ﴾ [الطلاق: 2، 3].
 
ومع كل هذه الأسس في التوكل التي تُدرَّس في المدارس، وشبَّ عليها النشء، نجد كثيرًا من طلبة المدارس لا يزالون يغشون في الامتحانات على أساس أن الغش سبيلٌ وسبب للنجاح عندهم، وهذا نتيجة ضعف الإيمان، وقلة التوكل على الله، والإيمان بقدرته وأن الأمر كله إليه، فيصاحب ذلك ارتكاب هذه الجريمة النكراء التي ملأت المدارس والجامعات في بلاد المسلمين، وربما تسميتها بجريمة فيه شيء من المبالغة، لكننا إذا نظرنا إلى آثارها على المجتمع ومسيرة التعليم، نرى الخراب الذي ينتج منها، فمن آثارها المدمرة على المجتمع والأفراد:
• الغش في الامتحانات يُضعِّف مستوى التعليم وقوة الشهادات ومصداقيتها؛ مما يؤثر على المستوى العلمي في الدولة، ومن ثم أداء الموظفين المتخرِّجين في هذه المؤسسات التعليمية في المستقبل.
 
• الغش في الامتحانات يُعوِّد المجتمع على قبول الكذب والتدليس وتزيين الحقائق الزائفة.
 
• الغش في الامتحانات يظلم الطلبة الذين لم يغشوا، وذلك برفع مستوى من غش منهم، وفي ذلك ظلم وعدم تكافؤ، واختلاف في مستوى قوة الامتحان ومصداقيته، بحيث يكون سهلًا لبعض الطلبة وصعبًا نسبيًّا للبقية منهم.
 
• الغش في الامتحان ينتج منه إطلاق كوادر غير مؤهلة لتخدم المجتمع؛ مما يقلل من مستوى الخدمات وجودتها.
 
من صور الغش في الامتحانات:
• إدخال معلومات من المادة داخل الامتحان، وذلك بكتابتها في ورق صغير ولفها، أو تحبيرها في الأيدي أو الأرجل ونحوها، وأحيانًا يتم إخفاء هذه الأوراق في الملابس أو الحقائب أو غيرها.
 
• تسريب أسئلة الامتحان بسرقتها وتصويرها ونحوه.
 
• تغشيش المراقب لبعض الطلبة بإعطائه الأجوبة لهم أو السماح لهم بنقلها.
 
• دفع الطالب رشوة للأستاذ لتحسين درجاته.
 
• نظر الطالب في أوراق الطلبة الآخرين ونقل حلولهم أو استراق الأفكار منها.
 
الغش في الامتحانات من منظور مقاصد القرآن الكريم:
• الغش في الامتحان يدخل في باب الغش المنهي عنه في الحديث الشريف، ويتعارض مع مقصد التشريع.
 
• الغش في الامتحان فيه ظلم للطلبة المجتهدين المتفوقين ويتنافى مع مقصد تهذيب الأخلاق.
 
• الغش في الامتحان ينزل من مستوى التعليم ويتعارض مع مقصد التعليم.
 
• الغش في الامتحان ينتج عنه تخريج كوادر غير مؤهلة علميًّا، وينزل من مستوى الخدمات، ويؤثر ذلك سلبًا على النمو الاقتصادي والعمراني، وكل مجالات الحياة، وهذا يتنافى مع مقصد سياسة الأمة ومقصد صلاح الأحوال الفردية والجماعية.
 
• من يغش في الامتحان لا يرتدع للوعيد الوارد في الغش؛ مما يتنافى مع مقصد المواعظ والإنذار والتحذير والتبشير.
 
• الغش في الامتحان يتعارض مع حفظ الأمانة المأمور بها في الإسلام؛ قال تعالى: ﴿ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ ﴾ [البقرة: 283]، وخيانة الأمانة من صفات المنافقين، ويتعارض مع مقصد الآداب الإسلامية؛ قال صلى الله عليه وسلم: (آيَةُ المُنَافِقِ ثَلَاثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وإذَا اؤْتُمِنَ خَانَ، وإذَا وَعَدَ أَخْلَفَ)[4].
 
التوصيات المقترحة:
• يجب توعية الطلبة منذ الصغر على تحريم الغش، وأن من غشنا ليس منا، وأنه باب من الكذب الذي يجلب عذاب القبر وعذاب النار، وتعليمهم عقوبةَ الكذب في القبر التي وردت في الحديث التالي: (...
فإذا رجل جالس، ورجل قائم، بيده كلوب من حديد، قال بعض أصحابنا عن موسى: إنه يدخل ذلك ‌الكَلُّوب في شدقه حتى يبلغ قفاه، ثم يفعل بشدقه الآخر مثل ذلك، ويلتئم شدقه هذا، فيعود فيصنع مثله...
أما الذي رأيته يشق شدقه، فكذاب يحدث بالكذبة، فتحمل عنه حتى تبلغ الآفاق، فيصنع به إلى يوم القيامة...)
[5].
 
• يجب على المعلمين تأمين الامتحانات من الغش، واتخاذ الاحتياطات اللازمة لذلك.
ويمكن استغلال التكنولوجيا في ذلك كما تعمل المدارس في الغرب، كما يستحسن أن تفرض الدولة عقوبات لأي أستاذ أو مراقب يساعد الطلبة على الغش في الامتحانات أو يسمح لهم بذلك.
 
• يستحسن اتباع أنظمة توثيق الشهادات وتحقيقها وتقويتها، بالتأكد من مصداقية الامتحانات ومصداقية تصحيحها ونتائجها.



[1] ذكره المنذري في الترغيب والترهيب (3 /32)، وأخرجه ابن حبان (5559)، والطبراني (10 /169) (10234)، وأبو نعيم في ((حلية الأولياء)) (4 /189).


[2] فتاوى الشبكة الإسلامية (9/ 4738)، بترقيم الشاملة آليًّا.


[3] حسنه الألباني في تخريج مشكلة الفقر (22).
وأخرجه الترمذي (2517)، وابن عدي في (الكامل في الضعفاء) (5 /206)، وأبو نعيم في (حلية الأولياء) (8/390).


[4] البخاري 2749.


[5] البخاري 1386.

شارك الخبر

ساهم - قرآن ٢