أرشيف المقالات

نحتاج إلى الصدق لنبني مجتمع النهضة

مدة قراءة المادة : 6 دقائق .
2نحتاج إلى الصدق لنبني مجتمع النهضة
 
للصدق آثاره الحميدة، وثماره العظيمة في حياة الأفراد والشعوب؛ فبالصدق يسعد الإنسان، ويطمئنّ قلبُه، ويطيب عيشُه، ويسمو هدفه، وتستقيم مسيرته، وتقوى إرادته وثقته بنفسه وقدراته وتطلعاته ومستقبله.
 
وبالصدق تُعْرَف عظَمة الإنسان، كما أنَّ صدق الهدف هو الباعث لحبِّ الخير والقيام به؛ لأنَّ الصادق صاحب قلبٍ سليم، وضمير حي، وأكثر ما يفسد الأمم هو الكذب والخداع والتَّضليل الذي يفسد جوَّ الحياة، ويخلط الأوراق، ويقْلب الحقائق، ويُعَرْقِل النهضات المنشودة.
 
كما أنَّ الصِّدْق يفتح الطريق للارتِقاء والعلوِّ، فمَن يَخدع نفْسَه يضطرِب ويضلّ الطَّريق الصَّحيح، أمَّا الإنسان الذي يقِف من نفسِه وقفةً صادقة، فإنَّه يستطيع أن يُزكِّيها بالرفق واللِّين، ولا يُحمِّلها فوق طاقتها؛ فلا يكلِّف اللهُ نفسًا إلَّا وسعها، لها ما كسبتْ، وعليها ما اكتسبتْ.
 
إنَّ الصِّدْق يكوِّن الأمَّة المؤْمِنة الواثقة القائدة، ويَحتاج عالمُنا الإسلامي لنشْر الصدق بين أرْجائه لينتقل إلى مرحلة جديدة من الجدِّ والمصارحة، والفاعليَّة التي تُعطي كلَّ ذي حقٍّ حقَّه، وإذا كانت أحْوالنا على حالة غير مُرْضية، فلحظة صدق مع النَّفس يمكن أن تغيِّرَنا نحو الأفضل.
 
ومن آثار الصِّدْق أنَّه يَمنح صاحبَه الثَّباتَ على الحقِّ، والقيام به على أحسَن وجْه، بخلاف الأمم الكاذِبة التي كَفرتْ مِن بعد ما تبيَّن لها الحقّ، فضلَّت ضلالًا مبينًا ولَم تجد طريقًا تَستَلْهِم منه رُشْدَها.
 
ويكفي الصَّادقَ فخرًا وشرفًا ومنزلةً أنَّه لا يزال يَصْدق ويَتحرَّى الصِّدْقَ حتَّى يُكتب عند الله صِدِّيقًا، ويكفى الكاذبَ ضلالًا وخُسْرانًا أنَّه لا يزال يكذِب ويتحرَّى الكذِبَ حتَّى يُكْتَب عند الله كذَّابًا، ولا ينفع الإنسانَ يوم القيامة إلَّا صِدْقُه؛ قال الله تعالى: ﴿ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ ﴾ [المائدة: 119].
 
إنَّ الصِّدْق يؤدِّي إلى البِرِّ وعملِ الصَّالحات، ويوفِّر التَّوازنَ لحياة الإنسان، والإنسانُ يَنفع مجْتمعَه حينما يكون صادقًا متوازنًا، عادلا سويًّا، مخلصًا لا يتزعْزع، واضحًا لا ينافق، والمجتمعات تثِق بأبنائها وقادتِها الصَّادقين.
 
إنَّ العابد الكاذِب في توجُّهاته يصبح بلاءً على نفسِه ومجتمعه؛ لأنَّه يَفقد طاقةَ النور التي تفيض على مجتمعه بالعطاء، فالصَّادقُ يكون وفيًّا في كلامه ومعاملاته، فلا يغشُّ النَّاسَ أو يخدع أو ينافق بِما يؤدِّى إلى تدمير الحياة وتعْطيل مسيرة النَّهضة، أمَّا الكذب فإنَّه يُعَرِّض صاحبَه لغضب الله عزَّ وجلَّ، ويُوصله للهلاك؛ قال الله تعالى: ﴿ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لِيُضِـلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾ [الأنعام: 144].
 
بالصدق صلاح الحياة واستقامتها، وفلاحها وقوَّتها، وقد قالوا: "مَن صَدَقَ مَقاله زاد جَلاله"، وقالوا أيضًا: "يكتسب الصَّادق بصدقه ثلاثًا: حُسن الثِّقة به، والمحبَّة له، والمهابة عنْه".
 
ولا تكتمل مروءةُ الإنسانِ إلَّا بالصدق والوفاء، ففي صدْق الإنسان إكْرامٌ لنفسه، وصوْنٌ لهيْبته، وحفظ لمكانته في المجتمع والحياة، وقد كان العرب قبل إرْسال النَّبي صلَّى الله عليْه وسلَّم يُحبُّونه ويُقرِّبونه لِصِدقِه وأمانتِه.
 
والصَّادق أيضًا - كما قيل عنْه - كوكبةٌ من الأزهار تضمِّخ لامسها بالطِّيب، وتحلِّق به، وتسمو به إلى قمَّة المجد.
 
إذا صَدَقَ الإنسانُ في هدفه وغايته فإنَّه يؤثِّر فيمَن حوْله؛ وذلك لأنَّ الصدق مع النفس يقوِّي الدوافع الذَّاتيَّة للعمل والعطاء، ولنتأكَّد بأنَّنا إذا سعينا للصِّدق فسيُخلِص كلُّ واحدٍ منَّا في عمله، ويتحرَّى الإتقان والإحسان؛ فالله عزَّ وجلَّ يُحبُّ المحسنين، أمَّا حين يَفقِد المجتمعُ الثِّقة بين أفراده لانتشار الكذب والخداع والتَّضليل، فإنَّ مسيرة العمل والإنتاج سوف تتعطَّل.
 
فالصِّدْق يؤثِّر في الدِّين والأخلاق والسياسة والاجتِماع والتفوُّق، ولقد كان عاملًا كبيرًا في انتِصارات المسلمين وحروبهم مع أعدائهم، فَصِدْقُ الإيمانِ بالآخرة أوْرَثَهُم قوَّة الدِّفاع عن العقيدة، والالتِزام بمتطلَّبات الحياة، ولم يحدث العكس فينفصلوا عنها، أو يتخلَّوا عن مسؤولياتها بدعوى التفرُّغ لأعمال الآخرة.
 
يحتاج المسلمُ المعاصرُ إلى صدقِ الاستِعلاء على زخارف الدنيا، صدقًا يمنحه ثباتًا في الدِّين، وقوَّة في اليقين، ووضوحًا في العمل بالعقيدة، والارتِباط بالمنهج، ولنتأكَّد بأنَّ أهل الصدق ليْسوا مِن اللَّاهين اللَّاعبين.
 
فبصدْق الالتِزامِ تنهض أمَّتُنا مِن كبْوتها، أمَّا الكذب فإنَّه مأساة إنسانيَّة، وجريمة أخلاقيَّة، فأيُّ رسالة يحملها كاذب؟! وأيُّ هدف نظيف يتحرَّك له، ويتعب من أجله وهو يحمل أخطر الأمراض الخُلُقيَّة بين جنبيْه؟! وأيُّ أمانة يمكن أن يوصف بها وحاله بعيد عن الوفاء؟!
 
إنَّ قضيَّة النهضة الإسلاميَّة هي مسؤوليَّةٌ مشْتركةٌ بين جُموع المسلمين للقيام بِرسالتهم الحضاريَّة المعاصرة؛ لإخراج النَّاس مِن ضيق الدنيا إلى سَعة الدُّنيا والآخرة، ومع الواقع المؤْلِم الَّذي نعيشه إلَّا أنَّ التحوُّلات المعاصرة تشير إلى بواكيرِ يقظةٍ وصحوةٍ وصدقٍ مع الذَّات، يمكن أن يجعل لنا مكانة مؤثِّرة في عالم اليوم.
 
تَحتاج أمَّتُنا إلى كلِّ راعٍ صادقٍ، يُدرك واجباتِه تجاه الرَّعيَّة، كما تحتاج إلى الفرْد الصَّادق الذي يُحسِّن الحسن ويقبِّح القبيح، ويحبُّ للنَّاس ما يحبُّ لنفسه، كما تحتاج إلى العِلم الصَّادق الذي يُنير العقلَ، ولا يَحيد عن الحقّ أو يتنكَّر للغيب، وقد حارب الإسلامُ الظنونَ التي لا تُغني عن الحقِّ شيئًا؛ قال تعالى: ﴿ وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَناًّ إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ ﴾ [يونس: 36].
 
وعندما نصْدق في الحفاظ على هويَّتنا، ونفعِّل رسالتَنا الخيريَّة انطلاقًا من الإيمان والعِلم والتقوى، فإنَّنا سنصنع التميُّز الأخلاقي، والإنساني، والحضاري.
 
وإذا كانت الثَّقافة تقُود الأممَ للإصلاح والنهضة، فالعاملُ الثَّقافيُّ في حياتنا يمكن أن يرسُم مسيرةَ نهضةٍ جديدة، تُجيد التَّعامُل مع الأحداث المعاصرة، والتحوُّلات المصيريَّة؛ وذلك لأنَّ هويَّة ثقافتِنا لا تنفصل عن الإبداع الَّذي ينمي الحضارة والتقدُّم الإنساني.

شارك الخبر

ساهم - قرآن ٢