أرشيف المقالات

ادرأ ما استطعت

مدة قراءة المادة : 17 دقائق .
ادرأ ما استطعت
تحقيق شرح سنن ابن ماجه لمغلطاي

• حدثنا أحمد بن عَبْدة، ثنا حمَّاد بن زيد، ثنا يحيى أبو المعلَّى، عن الحسن العُرَني قال: "ذُكر عند ابن عباس ما يقطعُ الصلاة، فذكروا: الكلبَ، والحمار، والمرأة، فقال: ما تقولون في الجدي؟ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلِّي يومًا، فذهب جديٌ يمرُّ بين يديه، فبادره رسولُ الله صلى الله عليه وسلم القبلة".‏
 
هذا حديثٌ في سنده انقطاعٌ فيما بين الحسن بن عبدالله وابن عباس، قاله يحيى بنُ معين، والإمام أحمد بن حنبل، وأبو حاتم الرازي، زاد: ولم يدركه، وفي صحيح ابن حبان، في باب الإباحة للمرء أن يمنع الشاةَ إذا أرادَت المرور بين يديه وهو يصلي[1]، وخرجه أيضًا الحاكمُ، وقال: صحيحٌ على شرط البخاري، ولم يخرجاه: من حديث عكرمة بن عبدالله، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي، فمرَّت شاةٌ بين يديه، فساعاها إلى القِبلة حتى ألصَق بطنَه بالقبلة"[2]، وفي مسند ابن أبي شيبة بسند صحيح عن يحيى بن الجزار، عن أبي الصهباء، عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلِّي، فذهب جديٌ يمر بين يديه، فجعل يتَّقيه"[3]، وفي لفظ: فجعل يتقدَّم ويتأخر، حتى نَزا الجديُ"[4]، وفي أبي داود من حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدِّه: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلَّى إلى جدار، فجاءت بهيمةٌ تمر بين يديه، فما زال يُدارئها، حتى لصق بطنه بالجدار[5]، فمرَّت من ورائه"[6]، وفي الأوسط من حديث جابر: كان النبي صلى الله عليه وسلم قائمًا يصلي، فذهبت شاةٌ تمر بين يديه، فساعاها حتى ألزقها بالحائط، ثم قال عليه الصلاة والسلام: ((لا يقطع الصلاةَ شيء، وادرؤوا ما استطعتم))، وقال: لم يروه عن محمد بن المنكدر إلاَّ جريرُ بن حازم، تفرد به يحيى بن ميمون[7]، وفيه: من حديث مندل بن علي، عن سليمان التيمي، عن أنس قال: "بادر النبي صلى الله عليه وسلم هرة أن تمر بين يديه في الصلاة"، وقال: لم يروه عن التيمي إلاَّ مندل[8]، وفي كتاب أبي نُعيم: ثنا حفص، عن ليث، عن الحكم: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلِّي، وأرادت شاةٌ أن تمرَّ بين يَديه، فحال بينها وبين القبلة".
 
• حدثنا أبو كريب، ثنا أبو خالد الأحمر، عن ابن عَجلان، عن زيد بن أسلم، عن عبدالرحمن بن أبي سعيد، عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا صلى أحدكم فليصلِّ إلى سترة، وليدنُ منها، ولا يدع أحدًا يمر بين يديه، فإن جاء أحد يمر فليقاتله، فإنه شيطان)).‏
 
هذا حديث خرجاه في صحيحيهما بلفظ: ((إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره من الناس، فأراد أحدٌ أن يجتاز بين يديه، فليدفعه، فإن أَبَى فليقاتله، فإنما هو شيطان))[9].
 
وفي لفظ لمسلم: ((فليدفع في نَحره))[10]، وفي لفظ: ((وليدرأ بما استطاع))[11]، وفي لفظ للبخاري: ((إذا مر بين يدي أحدكم شيءٌ وهو يصلي فليمنعه، فإن أَبى فليمنعه، فإن أبى فليقاتله))[12]، وفي لفظ: "إن أبا سعيد كان يصلي يومَ جمعة، فأراد شابٌّ من بني أبي مُعيط أن يمر بين يديه"[13]، وعند أبي نعيم في كتاب الصلاة: "فأقبل الوليدُ بن عقبة بن أبي معيط، فأراد أن يمرَّ بين يديه، فدفعه، ولطمه"، وفي المصنف: "فجاء عبدالرحمن بن الحارث بن هشام يمر بين يديه، فدفعه، وطرحه"، وقال: "لو أَبَى إلاَّ أن آخذ بشعره لأخذتُ"[14]، وعند النسائي: "فأراد ابنٌ لمروان أن يمر بين يديه"[15]، ورواه عن أبي سعيدٍ أيضًا عطاء، فيما ذكره أبو عمر، قال: وحديثه عنه بهذا معروف، وحديث عبدالرحمن أشهر[16]، وزعم ابنُ الجوزي في التاريخ: أنه داود بن مروان بن الحكم، وقال أبو حاتم في كتاب العلل: حديث عطاء خطأ[17]، وقال أبو زرعة: حديث زيد صحيح، وحديث عطاء بن يسار: لا أدري أي شيءٍ هو[18]، وبنحوه ذكره الدارقطنيُّ وغيره، وفي أبي داود من حديث مجالد، عن أبي الودَّاك، عن أبي سعيد يرفعُه: ((لا يقطع الصلاةَ شيءٌ، وادرؤوا ما استطعتم، فإنما هو شيطان))[19]، وفي كتاب العلل لابن أبي حاتم، قال أبي: حديث أبي ذر: ((يقطع الصلاة الكلب الأسود)) أصحُّ من حديث أبي سعيد[20]، يعني هذا، وفي صحيح ابن حبان: ((فليدنُ منها؛ فإن الشيطان يمر بينه وبينها))[21]، وفي الأوسط: ((فليجاهده))، وقال: تفرَّد به القاسم بن مالك المزَني[22].
 
• حدثنا هارون بن عبدالله الحمَّال، والحسن بن داود المنكَدِري قالا: ثنا ابن أبي فُديك، عن الضحاك بن عثمان، عن صدقة بن يسار، عن عبدالله بن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا كان أحدكم يصلي فلا يدَعْ أحدًا يمرُّ بين يديه، فإن أبَى فليقاتله، فإن معه القرين))‏،‏ وقال المنكدري: ((فإن معه العُزَّى)).‏
 
هذا حديث خرَّجه مسلم في صحيحه[23]، ولفظه في الأوسط: ((إذا كنت تصلي، فأراد رجلٌ أن يمر بين يديك فردَّه، فإن عاد فردَّه، فإن عاد فردَّه، فإن عاد الرابعة، فقاتله، فإنما هو الشيطان))، وقال: لم يروه عن قتادة - يعني: عن نافع - إلاَّ ابن أبي عَرُوبة، تفرد به النضر بن كثير[24]، وفي كتاب الدارقطني من حديث إبراهيم بن يزيد، عن سالم، عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر قالوا: ((لا يقطع صلاة المسلم شيءٌ، فادرؤوا ما استطعتم))[25]، وفي المستدرك: وزعم أنه على شرط مسلم: ((لا تصلُّوا إلاَّ إلى سُترة، ولا تدع أحدًا يمر بين يديك...)) الحديث[26]، وعند الدارقطني من حديث إسحاق بن عبدالله بن أبي فروة - وهو متروك - عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي هريرة مرفوعًا: ((لا يقطع الصلاة كلب، ولا حمار، ولا امرأة، وادرأ ما مرَّ أمامك))[27]، وفي مراسيل أبي داود عن قبيصة بن ذؤيب: "أن قطًّا أراد أن يمر بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي فحبسه برِجله"[28]، ولما ذكره ابن القطان أعله براويه عبدالله بن أبي مريم، قال: لأن حاله مجهولة([29])، وفي كتاب أبي نعيم: ثنا زهير، عن سليمان التيمي، عن أبي مجلز: (أن النبي صلى الله عليه وسلم بادر هرة أن تمر بين يديه وهو يصلي)، وثنا أبو خالد به[30]، قلت لأبي العالية: أصلي، فيمر السِّنَّور بين يدي، فهل يقطع الصلاةَ؟ فقال: "إذا صليتُ ما أحبُّ أن يمر بين يديَّ شيءٌ ولا فأرة، إن الإنسان إذا صلَّى يكون بين يديه مَلك يكتب ما يقول"، وفي مسند أحمد من حديث عمرو بن شعيب[31]، عن عبدالله بن عمرو قال: "بينا نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ببعضِ أعلى الوادي، نريد أن نصلي، قد قام وقمنا، إذ خرج حمارٌ من شِعب أبي دُبٍّ، شعب أبي موسى، فأمسك النبيُّ صلى الله عليه وسلم فلم يكبِّر، وأجرى إليه يعقوب بن زمعة حتى ردَّه[32]، وفي كتاب الصلاة للدُّكيني[33]: ثنا بشير بن مهاجر قال: "رأيت أنسًا، وهو جالس في صلاته لم ينصرف، فجاء رجلٌ يريد أن يمرَّ بينه وبين السارية، فأماطه"، وثنا جعفر بن برقان، عن يزيد الفقير قال: كنت أصلي إلى جنب ابن عمر، فلم أرَ رجلاً أكره أن يمر بين يديه منه، وفي رواية صالح بن كَيسان عنه: "فلا يدع أحدًا يمر بين يديه، يبادر بردِّه"، قال عِياض رحمه الله تعالى: أجمعوا على أنه لا يلزمه مقاتلته بالسلاح، ولا ما يؤدي إلى هلاكِه، فإن دفعه بما يجوز، فهلك من ذلك، فلا قَوَد عليه باتِّفاق العلماء، وهل تجب ديَته أم لا؟ هذا فيه مذهبان للعلماء: وهما قولان في مذهب مالك، وفي كتاب ابن التين: قال ابن شعبان: عليه الدِّيَة كاملة في ماله، وقيل: الدية على عاقلته، قال عياض: واتفقوا على أنه لا يجوز له المشي إليه مِن موضعه لردِّه، وإنما يدافعه، ويرده من مَوقفه؛ لأن مفسدة المشي في صلاته أعظمُ من مروره من بعيد بين يديه، وإنما أُبيح له قدر ما يناله من موقفه، وإنما يرده إذا كان بعيدًا منه بالإشارة والتسبيح، واتفقوا على أنه إذا مرَّ لا يردُّه لئلا يضيف مرورًا ثانيًا، إلاَّ شيئًا رُوي عن بعض السلف: أنه يردُّه، واختلفوا إذا جاز بين يديه وأدركه، هل يرده أم لا؟ فقال ابن مسعود: يرده، ويروى ذلك عن سالم والحسن، وقال أشهب: يرده بإشارة، ولا يمشي إليه؛ لأن مشيه أشد من مروره بين يديه، فإن مشى إليه، ورده لم تفسد صلاته، وزعم ابن العربي أن بعض الناس غلط، فقال: إذا صلَّى إلى غير سترة فلا يدع أحدًا يمر بين يديه بمقدار رمية سهم، وقيل: رمية حجر، وقيل: رمية رمح، وقيل: بمقدار المطاعنة، وقيل: بمقدار المضاربة بالسيف، وحريم المصلي سواء وضع بين يديه سترة، أو لم يضعها بمقدار ما يشتغل قائمًا وراكعًا وساجدًا، لا يستحق من الأرض كلها سواها، وسائر ذلك لغيره، وفي كتاب المنذري: يحتمل أن يكون قوله: فليقاتِلْه، يعني فليلعنه، وقد جاءت المقاتلة بمعنى اللعن، قال تعالى: ﴿ قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ ﴾ [الذاريات: 10]، وإلى هذا نحا غيرُه من الأئمة، وفي كتاب ابن التين: قيل: معناه: يؤاخذه على ذلك بعد إتمام الصلاة، ويؤنِّبه، وقيل: يدفعه دفعًا أشد من الرد منكرًا عليه، وحكي عن أبي حنيفة: إذا دفع المارَّ بطلت صلاتُه، وهو قول الشافعي في القديم، وفي التمهيد: العمل القليل في الصلاة جائزٌ، نحو: قَتل البرغوث، وحكِّ الجسد[34]، وقتل العقرب بما خفَّ من الضرب، ما لم تكن المتابعة والطول، والمشي إلى الفرج[35] إذا كان ذلك قريبًا، ودرء المار بين يدي المصلي، وهذا كله بما لم يَكثر، فإن كثر أفسد، وضمن عمر بن عبدالعزيز رجلاً دفع آخر، وهو يصلي، فكسر أنفَه - دية ما جَنى على أنفه، والصحيح عندنا: أن الصلاة لا يقطعُها ما[36] يمرُّ بين يدي المصلي بوجهٍ من الوجوه، ولو كان خنزيرًا، وإنما يقطعها ما يفسدها من الحدث وغيره، مما جاءت الشريعةُ به، وقال الثوري: يمر الرجل بين يديَّ يتبختَر، فأمنعه، ويمر الضعيف، فلا أمنعه[37].



[1] الإحسان (6/ 134) رقم (2371).


[2] المستدرك (1/ 254).


[3] رواه من حديث يحيى عن صهيب أبي الصهباء، عن ابن عباس البيهقيُّ في الكبرى (2/ 368)، ولم أقف عليه عند ابن أبي شيبة، ورواه بهذا اللفظ أبو داود (709) عن ابن الجزار، عن ابن عباس.


[4] ابن أبي شيبة (1/ 317)، ومعنى نزا: وثب.


[5] كذا بالأصل، وفي السنن المطبوع: بالجدر.


[6] سنن أبي داود (708).


[7] المعجم الأوسط (7774).


[8] المعجم الأوسط (4968).


[9] البخاري (509)، ومسلم (505).


[10] مسلم (505) - (259).


[11] مسلم (505) - (258).


[12] البخاري (3274).


[13] البخاري (509).


[14] مصنف ابن أبي شيبة (1/ 316 - 317).


[15] النسائي (8/ 61 - 62).


[16] التمهيد (4/ 185 - 186).


[17] علل الحديث (1/ 126) رقم (348).


[18] علل الحديث (1/ 128) رقم (353).


[19] أبو داود (719).


[20] علل الحديث (1/ 76) رقم (204).



[21] الإحسان (2372).



[22] المعجم الأوسط (373).


[23] مسلم (506).


[24] المعجم الأوسط (6050).


[25] سنن الدارقطني (1/ 367 - 368)، وفيه: ((وادرأ ما استطعت)).


[26] المستدرك (1/ 251).


[27] سنن الدارقطني (1/ 368 - 369)، وفيه: ((وادرأ من بين يديك ما استطعت)).


[28] المراسيل ص (117) رقم (86).


[29] بيان الوهم والإيهام (3/ 49 - 50) رقم (704).


[30] ابن أبي شيبة (1/ 317).


[31] كذا بدون ذكر (أبيه).


[32] أخرجه أحمد (2/ 196) بلفظ: هبط بهم من ثنية أذاخر صلى بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جدر، اتخذه قبلة، فأقبلت بهمة تمر بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم، فما زال يدارئها...
الحديث، ثم وقفت عليه في المسند (2/ 203 - 204).


[33] يعني: أبا نعيم الفضل بن دكين.


[34] كذا بالأصل، وفي التمهيد: الجرب.



[35] كذا بالأصل، وهو الأقرب، وفي التمهيد: القوم.


[36] كذا بالأصل، وفي التمهيد: شيء مما يمر.


[37] التمهيد (4/ 188 - 191) بتصرف.

شارك الخبر

روائع الشيخ عبدالكريم خضير