أرشيف المقالات

خطورة الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم

مدة قراءة المادة : 8 دقائق .
خطورة الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم
 
عَنْ عَليٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَال: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لاَ تَكْذِبُوا عَلَيَّ، فَإِنَّهُ مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ فَلْيَلِجِ النَّارَ(([1].
 
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: قُلْتُ لِلزُّبَيْرِ: إِنِّي لاَ أَسْمَعُكَ تُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا يُحَدِّثُ فُلاَنٌ وَفُلاَنٌ؟ قَالَ: أَمَا إِنِّي لَمْ أُفَارِقْهُ، وَلَكِنْ سَمِعْتُهُ يَقُولُ: ((مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ))[2].
 
وَعَنْ أنسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: إِنَّهُ لَيَمْنَعُنِي أَنْ أُحَدِّثَكُمْ حَدِيثًا كَثِيرًا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((مَنْ تَعَمَّدَ عَلَيَّ كَذِبًا، فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ))[3].
 
وعَنْ سَلَمَةَ رضي الله عنه، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ((مَنْ يَقُلْ عَلَيَّ مَا لَمْ أَقُلْ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ))[4].
 
وعَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: ((مَنْ رَوَى عَنِّي حَدِيثًا وَهُوَ يَرَى أَنَّهُ كَذِبٌ، فَهُوَ أَحَدُ الْكَذَّابِينَ))[5].
 

بيان غريب الحديث:

♦ ((فَلْيَتَبَوَّأ)) اختلف في تفسيرها على أوجهٍ: فقال الإمام الخطَّابي (388هـ) رحمه الله: (ظاهره أمر ومعناه خبر، يريد أنَّ الله يبوِّئه مقعدًا من النَّار، يقال: تبوأ الرجل المكان: إذا اتخذه موضعًا لمقامه، وأصله من مباءة الإبل، وهي أعطانها)[6].
 
وقال العلامة ابن الجوزي (597) رحمه الله: (وقد يكون ظاهر اللفظ الخبر، ومعناه الأمر)[7]، وقال الإمام ابن بطال (449هـ) رحمه الله: (وهو بمعنى الدعاء عليه خرج مخرج الأمر له به، وذلك كثيرٌ في كلام العرب)[8].
 
وقال الحافظ ابنُ الملقن (804هـ) رحمه الله: (وقيل معناه التهديد والوعيد)[9].
 

♦ أهم ما يستفاد من الأحاديث: في البَدْء لا بُدَّ أن يُعلم أنَّ حديث ((مَنْ كَذَبَ)) حديث جليل حفيلٌ متواترٌ مقطوعٌ به، لا يوجد له مشابه في طرقه وكثرتها[10]، وسنقف مع أبرز وأهم الأحكام المتعلقة بالحديث:

• أنَّ قوله صلى الله عليه وسلم على العموم في كلِّ من تعمَّد عليه كذبًا في دين أو دُنْيا؛ لأنَّه صلى الله عليه وسلم كان ينهى عن معاني الكذب كلها إلا ما رخَّص فيه من كذب الرجل لامرأته، وكذلك في الحرب؛ إذ الحرب خدعة، والإصلاح بين الناس؛ لأهميَّة إصلاح ذات البين، وأنَّه من الضروريات، وإذا كان الكذب لا يصلح في شيء إلا في هذه الثلاث، فالكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم أجدر ألا يصلح في دين ولا دنيا، إذْ الكذب عليه ليس كالكذب على غيره، وأن الدعاء الذي دعا على من كذب عليه لاحق بمن كذب عليه في كل شيء[11].
 
• وقوله صلى الله عليه وسلم: ((كذبًا)) عامٌ في جميع أنواع الكذب؛ لأنَّ النكرة في سياق الشرط كالنكرة في سياق النفي في إفادة العموم[12].
 
• وقوله صلى الله عليه وسلم: ((مَا لم أَقُل)) اللفظ خاصٌ بالقولِ لكن لا شك أنَّ الفعل في معناه؛ لاشتراكهما في علة الامتناع، وهو الجسارة على الشريعة وعلى النبي صلى الله عليه وسلم[13]، وكذا من نسب إليه الإقرار وهو كاذبٌ فيدخل في الحديث، وأشدها القول[14].
 
• ويمثل حديث الزبير رضي الله عنه عظيم احتياط الصحابة في رواية الحديث؛ فهو لم يخش على نفسه من رواية الحديث أن يكذب فيه عمدًا، حاشاه، ولكنَّه خاف أن يزلَّ أو يخطئ، وإن كان لا إثم عليه في الخطأ، ولكن قد يُنسب إلى تفريط أو نحو ذلك، فيكون ما يجري من الغلط فيه كذبًا إذا لم يتيقن أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قاله، ومن هنا يتبيَّن لنا ورع الصحابة في الرواية، وأنَّ ما رووه قد فهِموه وحفظوه وبلغوه إلى من بعدهم، فالسنَّة محفوظة كما أنَّ القرآن محفوظ، والحمد لله.

[1] أخرجه: البخاري (106)، واللفظ له، ومسلم (1).

[2] أخرجه: البخاري (107).


[3] أخرجه: البخاري (108)، واللفظ له، ومسلم (2).

[4] أخرجه: البخاري(109)، واللفظ له، ومسلم (1679).

[5] أخرجه: مسلم في المقدمة: 8.


[6] أعلام السنن 1 /66.

[7] شرح المشكل 1 /228.

[8] شرح ابن بطال 1 /183.

[9] التوضيح 1 /546.

[10] ينظر: التوضيح؛ لابن الملقن 3/544، وقد جمع طرق هذا الحديث غير واحد من العلماء؛ منهم: الطبراني في جزءٍ أسماه: طرق حديث ((من كذب عليَّ متعمدًا))، وهو مطبوع، وقد أورد ابن الجوزي طرق هذا الحديث في مقدمة الموضوعات: 26، وينظر: معرفة أنواع علم الحديث؛ لابن الصلاح: 373، وشرح التبصرة والتذكرة 2 /72.

[11] ينظر: شرح ابن بطال 1 /183.

[12] ينظر في هذا المحصول للرازي، 2 /343، وروضة الناظر وجنة المناظر لابن قدامة 2 /13.

[13] ينظر: شرح الكرماني2 /117.

[14] ينظر: شرح صحيح البخاري؛ لابن عثيمين 1 /283.
وقال رحمه الله 1 /282: (أمَّا الكذب على من سواهما فيختلف، فالكذب على علماء الشريعة ليس كالكذب على غيرهم من العلماء، أو من غير العلماء؛ لأنَّ الكذب على علماء الشريعة يُشبه الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ من حيث إنَّه يريد أن يثبت بما نقله عن العلماء الشريعة ليست من شرائع الله، وبعد ذلك كلَّما كان الكذب أعظم ومفسدته أكبر كان أشدَّ إثمًا).

شارك الخبر

مشكاة أسفل ٢