أرشيف المقالات

مدخل إلى البحث في القيم الإسلامية

مدة قراءة المادة : 4 دقائق .
2مدخل إلى البحث في القيم الإسلامية


ليس هناك أصعب من البحث في "القيم الإسلامية"، لا لغموضٍ في الموضوع، أو انغلاق في مَناحيه؛ ولكن لاتِّساعه وترامي أطرافِه ورَحابة مراميه؛ فالبحثُ في القيم الإسلامية يعني البحث في الإسلام كله..
 
أليس الإسلام هو دينَ القِيَم الإنسانية والأخلاق النبيلة؟!
ألم يقلِ الله سبحانه وتعالى: ﴿ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ﴾ [الإسراء: 9].
 
ألم يقل رسول الله عليه السلام: ((إنما بُعِثت لأتممَ مكارم الأخلاق))؟
 
ألم يصِفِ القرآن الكريم نبيَّ الإسلام بقوله: ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ [القلم: 4]؟
 
ألم يكن أول ما نزَل من القرآن يُعَد في ذاته دعوة لقيمة إنسانية عُليا، هي القراءة، وتلقّي العِلم الهادف لبناء الإنسانية، لا العِلم المدمّر القاتل؟!
 
اقرأ، باسم مَن؟ باسم ربك، والربوبية عطف وتعاطف ورحمة؛ لذا نقول: ربُّ البيت، وربُّ الأُسرة.
 
ومن ربِّي؟ إنه الذي خلق، نَعم الذي بنى وخلَق، إنه التلميح البعيد، بل القريب، القريب جدًّا، إلا أن القراءةَ والعلم يجب أن يرتبطا بهدفٍ إنساني نبيل، هو: "البناء والتشييد"، لا الاستعلاء الكاذب، ولا الإهلاك والتخريب والتدمير؛ "فالمعرفة ينبغي أن تكونَ أساسَ تركيب الإنسان، وأول واجب علينا أن نجعلَ هذه المعرفةَ نافعة"[1].
 
والدعوةُ إلى القراءة هي دعوةٌ واضحة إلى تلقّي العلم، وأكاد أرى أنها دعوةٌ إلى ما هو أوسع وأرحب، إنها دعوة إلى "التحرُّك الديناميكي الناشط للبناء والإبداع؛ استجابةً للداعي الذي خلَق: ﴿ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ ﴾ [العلق: 2].
 
وكانت "العلمية الحركية الناشطة" من أعظمِ الأسس التي اعتمدت عليها القِيَم الإنسانية في الإسلام، وهذه الدعوة تمثِّل قاعدة إيمانية قوية عريضة "..
فكل أمر ..
كل حركة ..
كل خطوة ..
كل عمل باسم الله ..
وعلى اسم الله: باسم الله نبدأ ..
وباسم الله نسير، وإلى الله نتَّجه، وإليه المصير، والله هو الذي خلَق، وهو الذي علَّم، فمنه البَدءُ والنشأة، ومنه التعليم والمعرفة، والإنسان يتعلَّم ما يتعلم، ويعْلَمُ ما يعْلَمُ، فمصدر هذا كله هو الله الذي خلَق والذي علَّم: ﴿ عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ﴾ [العلق: 5].
 
وهذه الحقيقةُ القرآنية الأولى التي تلقَّاها قلب الرسول صلى الله عليه وسلم في اللحظةِ الأولى هي التي ظلَّت تُصرِّف شعوره، وتُصرِّف لسانه، وتُصرِّف عمله واتجاهه بعد ذلك طيلة حياته، بوصفها قاعدةَ الإيمان الأولى[2].
 
المدخل إلى القيم الإسلامية
أ.د.
جابر قميحة



[1] الكسيس كاريل: الإنسان ذلك المجهول 320.



[2] سيد قطب: في ظلال القرآن 6/3939.

شارك الخبر

ساهم - قرآن ٣