أرشيف المقالات

أقسام الأخلاق

مدة قراءة المادة : 5 دقائق .
2أقسام الأخلاق

يمكن أن نُقسِّم الأخلاقَ باعتبار مصدرها وأصلها إلى قسمين:
الأول: أخلاق جِبِليَّة غريزية؛ أي: فُطِر عليها الإنسان، وخلقها اللهُ فيه.

ومما يدل على ذلك حديث أشج عبدالقيس، الذي قال له النبي صلى الله عليه وسلم فيه: ((إن فيك خَلَّتين يحبهما الله: الحِلَم، والأناة))، قال: يا رسول الله، أنا أتخلَّق بهما، أم الله جبَلني عليهما؟ قال: ((بل جبَلك الله عليهما))، قال: الحمد لله الذي جبلني على خَلَّتين يحبهما الله ورسوله[1].

الثاني: أخلاق مُكتَسبة: يمكن تحصيلها بالتعلم والتعود عليها، كما دلَّ على ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((إنما العِلْم بالتعلم، وإنما الحِلْم بالتحلُّم))[2].

وإننا عند الحديث عن أخلاق الحرب في السيرة النبوية نَعتني بالقِسمين، وإن كانت العناية غالبها للقِسم الثاني:
فنعتني بتلك القِيم والمُثُل الحميدة التي أمر بها الإسلامُ في القرآن والسنة، وامتثلها رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ اتباعًا منه لشِرْعة الله ودِينه، وتعليمًا وتربية لجيل الصحابة وما بعده من أجيال.

ونؤكِّد أن تلكم القيم السامية والخلال الحميدة، جاءت لتَصقُل ما رُكِز في فطرته المستقيمة ونفسه الطاهرة، وجِبِلَّته الراقية، من خِصال الكمال، وخلال الجلال، وسجايا الكرام، كمثل وابلٍ أصاب جنةً برَبوة فآتت أُكلها ضِعْفين، وهذا فضل الله يؤتيه من يشاء.

وصدق القائل إذ يقول:






يا مَن له الأخلاق ما تهوى العلا
منه وما يتعشَّق الكُبراءُ


لو لم تُقِم دينًا لقامت وحدها
دينًا تضيء بنوره الآناءُ


زانتْك في الخُلق العظيم شمائلٌ
يُغرى بهن ويُولَع الكُرماءُ






 
ولله درُّ القائل:






بلغ العلا بكماله
كشَف الدُّجى بجمالهِ


حَسُنت جميع خِصاله
صلُّوا عليه وآلهِ






 
تقسيم آخر:
وباستقراء نصوص الوحي، وسَبْر أدلَّة الشريعة، والنظر في واقع النَّفْس البشرية وممارستها، يُمكِّننا تقسيم الأخلاق الإسلامية باعتبار مَن تُمارَس معه إلى ثلاثة أقسام رئيسة:
القسم الأول: الخُلُق مع الله:
ونقصد به القواعد والأسس التي تَحكُم علاقة العبد بربه - سبحانه وتعالى - وما يتفرَّع عنها من آداب وممارسات ظاهرة وباطنة.

ويُعَد هذا القسم أساسًا يُمكِن ردُّ القسمين الآخَرينِ له، حيث إن جميع التصرفات البشرية من المكلَّفين في الإسلام خاضعة لأحكام الشرع، وصادرة من مقام العبودية لله.
 
القسم الثاني: الخُلُق مع النَّفْس:
ونعني به ما يَلتزِم به المسلم في خاصة نفسه من آداب وأخلاق، وما يسوس به نفسه من تهذيب وتزكية وتربية.
 
القسم الثالث: الخُلُق مع الخَلْق:
ونعني به ما يَلتزِم به المسلمُ من أخلاق وسلوكيات مع غيره، والأسس والقواعد الأخلاقية التي تَضبِط علاقته بالآخرين.

وهذا القسم يمكن تقسيمه إلى أقسام عدة؛ مِثْل: الخلق مع الأنبياء والرسل، والخلق مع الوالدين، والخلق مع أولي الأرحام، والخلق مع المؤمنين، والخلق مع الكافرين، والخلق مع العجماوات، وغير ذلك.

ولعل أول ما يَسبِق إلى الذِّهن عند ذِكْر أخلاق الحرب هو القسم الأخير من المنظومة الأخلاقية الإسلامية، والمتعلِّق بالأدب مع الخَلْق؛ بل ربما حصل ذلك في جزئية الأخلاق مع الأعداء والمحاربين فقط، خاصة أن بعضًا من المصنِّفين في مجال الأخلاق قد درج على الاهتمام بإبراز هذا القسم فقط عند تناول الأخلاق بالدراسة والبحث، دون التعرُّض للقسمين الأولين.

وإذا سلَّمنا بإمكانية قَبُول هذا الحصر من الناحية الاصطلاحية، فإننا لا يمكننا إنكار ما يَختزِله ذلك الحصر من قِيم أخلاقيَّة سامية، وما يَغفُله من سلوكيات وممارسات حميدة لا يَكتمِل عقد الأخلاق بدونها، ولا يتَّسِق نظمُها بمَعزِل عنها، بالإضافة إلى ما يصيب هذه الدراسة من قصور وخللٍ حين تَجتثُّ جزءًا لتُعبِّر به عن الكل، أو تقتطع لَبِنة أو لبنات لتقوم مقام البناية جمعاء؛ لأن منظومة الأخلاق في الإسلام مُترابِطة الأجزاء، متكاملة الأعضاء، متَّسِقة الأبعاض، تتداخل جزئياتها، وتتقاطع فروعُها، ولكن بانتظام واتساق، مما يجعل دراسة قسمٍ منها بمَعزِل عن الآخر دراسة قاصرة مُنتقَصة.

والأخلاق في الإسلام تُمثِّل أسسًا وقواعد يَنطلِق منها الفرد المسلم في سلوكيات وتصرُّفات مُنضبِطة في مختلف مجالات حياته، وأدق تفاصيل معيشته، بحيث يَنضبِط ظاهرًا وباطنًا بتلك الأخلاق الصادرة عن نصوص الوحي، الملازمة لأحكام الشريعة في كينونتها ووجودها.

ولذلك آثرتُ إطلاق عَنانَ البحث في رُبُوع الرَّبوة الأخلاقية الإسلامية كلها؛ لأُحلِّق في تلك السماء الرَّحْبة، وأسمو في تلك الجنة اليانعة، مُقتطِفًا من ثمراتها المتنوِّعة، ومجتنيًا من جناها ما يطوله الفِكْر، ويُدرِكه العقلُ، على ما فيه من نقْص وضَعْف.

وفضلَّتُ أن يحتوي البحث في شِقه التطبيقي الواقعي دراسة عن الأخلاق أقسامها وأنواعها؛ لأراعي جانبَ الشمول من جِهَة، ولأحفظ اتساق عِقْد الأخلاق وانتظامه من جهة أخرى، في محاولة لتقديم صورة مُتكامِلة الأجزاء، تَعكِس البُعدَ الخُلُقي الشامل الكامل في المنظومة الإسلامية.



[1] أخرجه مسلم (25) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، وأبو داود (4548) وهذا لفظه.


[2] رواه الخطيب البغدادي في التاريخ (9: 127)، وحسَّنه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم 342.

شارك الخبر

ساهم - قرآن ٣