أفعال الإنسان التي لها صلة بهيئته العامة
مدة
قراءة المادة :
9 دقائق
.
أفعال الهيئة"أفعال الإنسان التي لها صلة بهيئته العامة"
التشريعات الجمالية في المنهج الإسلامي
ونقصد بها تلك الأفعال التي تصدر عن الإنسان، ولها صلة بهيئته العامة.
وهذه الأفعال منها أفعال سلبية في جمالها تحتاج إلى اتخاذ الوسائل لإخفائها أو سترها، ومنها أفعال إيجابية يحسن أن يعود الإنسان نفسه عليها ليستكمل جمال هيئته.
وهذه الأفعال ذات صلة أخرى بمعالم الشخصية الإنسانية، فهي تتعلق بالآداب العامة..
أو السلوكيات الجمالية..
ولكنها ذات صلة وثيقة بسمت الإنسان وهيئته فآثرت أن تكون في هذا الفصل.
(1) النوع الأول:
إنها أفعال تصدر عن الجسم، لا يحسن أن تترك وشأنها، لأنها تعطي صورة شائهة لهيئة الإنسان وقد اتخذ الإسلام الوسائل التجميلية للقضاء على ما تكون عليه من قبح غالب الأحيان.
ونستطيع أن نذكر منها: العطاس والتثاؤب والجشاء.
أما العطاس، فهو أمر لا إرادي، لا يد للإنسان في كفه ومنعه، وقد أرشد الإسلام إلى الوسيلة التي تجعل صاحبه لا يخل بالآداب الاجتماعية، فقد أمر العاطس بأن يضع يده، أو منديله، على فمه، وإذا أمكن أن يحول وجهه عن المجلس الذي هو بحيث لا يكون في مواجهة الآخرين فذلك خير، وبهذا السلوك يمنع خروج الرذاذ أو يمنع وصوله إلى الآخرين، كما يكون منه خفض للصوت.
عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا عطس وضع يده، أو ثوبه على فيه وغض بها صوته»[1].
إنه تعديل جمالي لهذا الفعل.
وأما التثاؤب فحركة يبعثها الكسل، حيث يفتح الإنسان فمه فتحة كاملة أو شبه كاملة، وربما قال آه آه كما هو مشاهد.
وإزاء هذا المنظر غير المستحسن يرشد الرسول الكريم إلى إخفائه، وذلك بوضع اليد على الفم.
قال صلى الله عليه وسلم: «إذا تثاءب أحدكم فليضع يده على فيه»[2].
والتثاؤب غير العطاس، إذ يستطيع الإنسان أن يتخذ من الأسباب ما يرد به هذا التثاؤب، وهذا ما أرشد إليه الهدي النبوي الكريم فقد جاء في الحديث الشريف «فإذا تثاءب أحدكم فليرده ما استطاع، ولا يقل هاء هاء..»[3].
وبهذا المسلك يستر هذا المنظر..
وأما الجشاء، فهو كما قال صاحب القاموس: تنفس المعدة.
وهو ناتج عن الشبع الكامل الذي تمتلئ به المعدة، وهذه الطريقة في الأكل مخالفة للسنة.
قال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: «تجشأ رجل عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال: كف عنا جشاءك، فإن أكثرهم شبعاً في الدنيا أطولهم جوعاً يوم القيامة»[4] وكف الجشاء يمكن أن يكون بوضع اليد على الفم وتحويل الوجه.
ورواية أبي جحيفة تلقي ضوءا ًكافياً على التصرف الصحيح لكف الجشاء، حيث قال: تشجأت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «أقصر عنا من جشائك.
إن أطول الناس جوعاً يوم القيامة أكثرهم شبعاً في الدنيا» قال: فما شبعت بعد[5].
تلك نماذج من أفعال الهيئة التي يحسن تداركها بفعل آخر أو بالقضاء على أسبابها محافظة على جمال الهيئة.
(2) النوع الثاني:
أفعال جمالية ترشد الشريعة إلى العمل بها، نكتفي بذكر نماذج منها تكون مثالاً لما شابهها.
ونحن نتكلم في هذه الفقرة عن: حسن السمت، والأناة، والوجه الطلق.
أما حسن السمت، فقد ورد ذكره في عدد من الأحاديث الشريفة منها قوله صلى الله عليه وسلم: «السمت الحسن، والتؤدة، والاقتصاد، جزء من أربعة وعشرين جزءاً من النبوة»[6].
وقد فسر ابن الأثير السمت: بأنه حالة الرجل وهيئته ومذهبه.
وهذا يعني: الهيئة الحسنة من حيث الشكل ومن حيث التصرف، وقد عنون أبو داود لهذا الحديث فقال «باب في الوقار» وهو الموقف إزاء القضايا بحكمة وعقل ورزانة.
بل إن السمت الحسن يتناول الأسلوب الذي يتبعه الإنسان في مشيئته، ونذكر مثالين لبيان حسن السمت:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون، وأتوها وأنتم تمشون، وعليكم السكينة، فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا»[7].
وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه دفع مع النبي صلى اله عليه وسلم يوم عرفة، فسمع النبي صلى الله عليه وسلم وراءه زجراً شديداً وضرباً وصوتاً للإبل، فأشار بسوطه إليهم وقال: «أيها الناس عليكم بالسكينة فإن البر ليس بالإبضاع» هذه رواية البخاري، وعند مسلم «فما زال يسير هينة حتى أتى جمعاً»[8].
إن السمت الحسن هو المظهر الجميل يرافقه سلوك يزينه السكينة والوقار، في حيوية ونشاط بعيداً عن الكسل والخمول.
وأما «الأناة» فهي التؤدة والهدوء والتروي، في الأمور التي يحسن فيها ذلك.
وهي من حسن السمت، ولكنا نخصها بالذكر للتأكيد عليها، كما ورد ذكر معناها في الحديث السابق بعد ذكر (السمت الحسن).
ونحب أن نتعرف على معناها من خلال حديث الرسول صلى الله عليه وسلم لأشج عبد القيس «إن فيك خصلتين يحبهما الله: الحلم والأناة»[9].
وسبب ذلك: أن وفد عبد القيس لما وصلوا المدينة، بادروا على النبي صلى الله عليه وسلم يسلمون عليه، وقد تركوا رواحلهم، ولكن الأشج، أقام عند رحالهم فجمعها وعقل الإبل ولبس أحسن ثيابه ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فسلم عليه.
إنها الأناة التي يحبها الله تعالى، ذلك المسلك الذي يكون للإنسان فيه روية يتدبر فيها الأمر فيتجنب الخطأ منه وينفذ الصواب.
وأما «طلاقة الوجه» فهي انبساطه وبشاشته، وأن تعلو الابتسامة شفتيه.
إنها من أساسيات جمال الهيئة، حيث يبدو الوجه ببهائه والنفس بصفائها ولقد حرص الإسلام على أن تكون هذه الصفة من الصفات الملازمة للإنسان، لأنها تعبير عن السماحة والرضى النفسي.
وفي سبيل ذلك جعل هذه الطلاقة من جملة أعمال الخير التي يثاب عليها الإنسان.
ذلك ما نسمعه في قوله صلى الله عليه وسلم.
«لا تحقرن من المعروف شيئاً، ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق»[10].
وقد تأكد هذا المعنى أكثر من مرة في أحاديث أخرى منها قوله صلى الله عليه وسلم:
«تبسمك في وجه أخيك صدقة»[11].
وبهذا يصبح الشكل الجمالي الذي ينبغي للإنسان أن يحرص عليه دون دافع ما، يصبح عملاً يؤجر عليه.
وعندما يتقابل الناس بهذه الابتسامات التي تعبر عن صفاء النفوس وصدق الأخوة، فسوف نحس بجمال رائع لا يعرفه علم الجمال، وإنما تعرفه النفوس الطيبة، لأنها هي التي تنتجه.
إن «الوجه الطلق» استكمال للهيئة الجمالية التي يريدها لإسلام.
ويسعى دائماً إلى بنائها.
♦ ♦ ♦ ♦
بهذا نكون أمام تصور عام لجمال الهيئة:
إنها المظهر الذي يحمل في طياته الطهر والنظافة وفي ظاهره الحسن والبهاء، وفي سلوكيته حسن السمت والأناة وطلاقة الوجه..
إنها معطيات يتمم بعضها بعضاً لتصوغ الجمال المنشود..
[1] رواه أبو داود برقم 5029, وهو عند الترمذي أيضاً.
[2]هذه رواية الترمذي, وهو أيضاً عند مسلم وأبي داود.
جامع الأصول 6/ 624.
[3]رواه أبو داود برقم 5028.
[4]أخرجه الترمذي.
جامع الأصول 7/ 409.
[5]جامع الأصول 7/ 409 قال في الحاشية: رواه الحاكم وصححه ..
ورواه البزار بإسنادين: رواة أحدهما ثقات.
[6]رواه الترمذي.
جامع الأصول 11/ 690.
قال ابن الأثير: ومعنى: جزء من النبوة: أن هذه الخلال من شمائل الأنبياء, ومن جملة الخصال المعدودة من خصالهم ..
وليس معنى الحديث أن النبوة تتجزأ.
والاقتصاد: سلوك الأمر في القصد أو التوسط في الأمور.
[7]متفق عليه, كما جاء في رياض الصالحين.
[8]انظر جامع الأصول 3/ 248 والإبضاع هو الإسراع.
[9]رواه مسلم والترمذي.
جامع الأصول 11/ 691.
[10]رواه مسلم.
جامع الأصول 1/ 427.
[11]رواه الترمذي وحسنه, وابن حبان في صحيحه [عن الترغيب والترهيب: كتاب الأدب.
الترغيب في طلاقة الوجه].