أرشيف المقالات

الثرثرة وكثرة الكلام

مدة قراءة المادة : 17 دقائق .
2الثرثرة وكثرة الكلام
 
الثَّرّثَرةْ: كثرة الأَكل والكلام في تخليط وترديد.[1]

الثَّرْثرةُ مِنْ آفَاتِ اللِّسَانِ التي يقع فيها كثير من الناس، وقَلَّ مَنْ يسلم منها، ومع ذلك فهي من أخطر آفات اللسان على صـاحبها، فالثرثار من أبغض الناس لقلب النبي صلى الله عليه وسلم وهو كذلك من أبعد الناس عن مجلس النبي صلى الله عليه وسلم.

والثَّرْثَرَةُ مِنْ أسباب دخول النار، وسبب قسوة القلب، وسقوط صاحبها من أعين الناس وقلة هيبته، ودليل قلة العقل، والبعد عن الإيمان.

الثَّرْثَارُونَ أَبْغَضُ الناس لقلب النبي صلى الله عليه وسلم وَأَبْعَدهم مِنْ مَجْلِسِه يَوْمَ الْقِيَامَةِ:
أما دليل كون الثرثار من أبغض الناس لقلب النبي صلى الله عليه وسلم و من أبعد الناس عن مجلس النبي صلى الله عليه وسلم ما روي عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّه ِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِنَّ مِنْ أَحَبِّكُمْ إِلَىَّ وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّى مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَحَاسِنَكُمْ أَخْلاَقًا وَإِنَّ أَبْغَضَكُمْ إِلَىَّ وَأَبْعَدَكُمْ مِنِّى مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ الثَّرْثَارُونَ وَالْمُتَشَدِّقُونَ وَالْمُتَفَيْهِقُونَ".
قَالُوا يَارَسُولَ اللَّهِ قَدْ عَلِمْنَا الثَّرْثَارُونَ وَالْمُتَشَدِّقُونَ فَمَا الْمُتَفَيْهِقُونَ قَالَ: "الْمُتَكَبِّرُونَ".[2]

الثَّرْثَرَةُ مِنْ أسْبَابِ قَسْوَةِ القَلْبِ:
عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لاَ تُكْثِرُوا الْكَلاَمَ بِغَيْرِ ذِكْرِ اللَّهِ فَإِنَّ كَثْرَةَ الْكَلاَمِ بِغَيْرِ ذِكْرِ اللَّهِ قَسْوَةٌ لِلْقَلْبِ وَإِنَّ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنَ اللَّهِ الْقَلْبُ الْقَاسِي".[3]

وإنما كان الكلام بغير ذكر الله تعالى قسوة للقلب لأن القلب لا يلين إلا بذكر الله تعالى كما قال تعالى: ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾.[4]

فذكر الله تعالى هو غذاء القلب، ومصدر قوته، وترياقه الشافي له من الشهوات والشبهات، وبل هو حياة القلب، فإذا انقطع ذلك عنه ضعف القلب وتمكنت منه أمراض الشهوات والشبهات فقسى، فاستحق البعد عن رحمة الله تعالى، أعاذنا الله من الخزي والخذلان.

وروى مَالِك أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ كَانَ: "يَقُولُ لَا تُكْثِرُوا الْكَلَامَ بِغَيْرِ ذِكْرِ اللَّهِ فَتَقْسُوَ قُلُوبُكُمْ فَإِنَّ الْقَلْبَ الْقَاسِيَ بَعِيدٌ مِنْ اللَّهِ وَلَكِنْ لَا تَعْلَمُونَ.
وَلَا تَنْظُرُوا فِي ذُنُوبِ النَّاسِ كَأَنَّكُمْ أَرْبَابٌ وَانْظُرُوا فِي ذُنُوبِكُمْ كَأَنَّكُمْ عَبِيدٌ فَإِنَّمَا النَّاسُ مُبْتَلًى وَمُعَافًى فَارْحَمُوا أَهْلَ الْبَلَاءِ وَاحْمَدُوا اللَّهَ عَلَى الْعَافِيَةِ".[5]

الثَّرْثَرَةُ من صفات المنافقين:
فإذا كانت الثرثرة مشتملة على السخرية والاستهزاء بشيء من الشرع أو بالمؤمنين فإن ذلك دليل على النفاق وسوء الطوية.

قال تعالى: ﴿ وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ ﴾.[6]

وقال تعالى: ﴿ إِنّ الّذِينَ أَجْرَمُواْ كَانُواْ مِنَ الّذِينَ آمَنُواْ يَضْحَكُونَ * وَإِذَا مَرّواْ بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ ﴾.[7]

وقد أثنى الله تعالى على من أعرض عن اللغو وأخبر أن الإعراض عنه من صفات المؤمنين، قال الله تعالى: ﴿ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ ﴾.[8]

وقال الله تعالى: ﴿ فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ * الَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ ﴾.[9]

عَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوْصِنِي، قَالَ: أُوصِيكَ بِتَقْوَى اللَّهِ فَإِنَّهَا رَأْسُ أَمْرِكَ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ زِدْنِي قَالَ: عَلَيْكَ بِتِلاوَةِ الْقُرْآنِ وَذِكْرِ اللَّهِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَكَ نُورٌ فِي السَّمَاوَاتِ وَنَورٌ فِي الأَرْضِ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ زِدْنِي قَالَ: لا تُكْثِرِ الضَّحِكِ فَإِنَّهُ يُمِيتُ الْقَلْبَ وَيُذْهِبُ نُورَ الْوَجْهِ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ زِدْنِي قَالَ: عَلَيْكَ بِالْجِهَادِ فَإِنَّهُ رَهْبَانِيَّةُ أُمَّتِي، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ زِدْنِي قَالَ: عَلَيْكَ بِالصَّمْتِ إِلا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّهُ مَرَدَّةٌ لِلشَّيْطَانِ عَنْكَ وَعَوْنٌ لَكَ عَلَى أَمْرِ دِينِكَ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ زِدْنِي قَالَ: انْظُرْ إِلَى مَنْ هُوَ دُونَكَ وَلا تَنْظُرْ إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقَكَ فَإِنَّهُ أَجْدَرُ أَنْ لا تَزْدَرِي نِعْمَةَ اللَّهِ عِنْدَكَ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ زِدْنِي، قَالَ: صِلْ قَرَابَتَكَ وَإِنْ قَطَعُوكَ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ زِدْنِي، قَالَ: لا تَخَفْ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لائِمٍ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ زِدْنِي قَالَ: تُحِبُّ لِلنَّاسِ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ، ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى صَدْرِي، فَقَالَ: يَا أَبَا ذَرًّ لا عَقْلَ كَالتَّدْبِيرِ، وَلا وَرَعَ كَالْكَفِّ، وَلا حَسَبَ كَحُسْنِ الْخُلُقِ.[10]
 
الثَّرْثَرَةُ دليل سوء الخلق:
عَنْ أَبِى ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِنَّ أَحَبَّكُمْ إِلَىَّ وَأَقْرَبَكُمْ مِنِّى أَحَاسِنُكُمْ أَخْلاَقًا وَإِنَّ أَبْغَضَكُمْ إِلَىَّ وَأَبْعَدَكُمْ مِنِّى مَسَاوِيكُمْ أَخْلاَقًا الثَّرْثَارُونَ الْمُتَشَدِّقُونَ الْمُتَفَيْهِقُونَ".[11]

قال الشيخ ملا علي القاري رحمه الله: وهو يعني قوله: "الثَّرْثَارُونَ الْمُتَشَدِّقُونَ الْمُتَفَيْهِقُونَ" إما بدل من مساويكم أخلاقا فيلزم أن تكون هذه الأوصاف أسوأ الأخلاق لأن المبدل كالتمهيد والتوطئة وإما رفع على الذم فإنه خبر مبتدأ محذوف فيكون أشنع وأبلغ وفي النهاية الثرثارون هم الذين يكثرون الكلام تكلفا وخروجا عن الحق من الثرثرة وهي كثرة الكلام وترديده.[12]

ومما يدل على أن الثرثرة من مساوئ الأخلاق، ومن قبيح الصفات، ما حكاه الله تعالى عن حال الشعراء، قال تعالى: ﴿ وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ * أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ ﴾.[13]

قال القرطبي رحمه الله: قوله تعالى: ﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ ﴾ يقول: في كل لغو يخوضون، ولا يتبعون سنن الحق، لان من اتبع الحق وعلم أنه يكتب عليه ما يقوله تثبت، ولم يكن هائمًا يذهب على وجهه لا يبالى ما قال.[14]

الثَّرْثَارُونَ شِرَارُ الناس:
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن عَبَّاسٍ رضي الله عنه أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"خِيَارُكُمْ أَحَاسِنُكُمْ أَخْلاقًا، الْمُوَطَّئُونَ أَكْنَافًا، وإِنَّ شِرَارَكُمُ الثَّرْثَارُونَ، الْمُتَفَيْهِقُونَ، الْمُتَشَدِّقُونَ".[15]

وإذا كان الثرثارون أقبح الناس أخلاقا كانوا من شرار الناس؛ وإذا كانوا من شرار الناس، كانوا أقبح الناس أخلاقا لقبح صفاتهم، وسوء أفعالهم.

الثَّرْثَرَةُ مِنْ أسْبَابِ الحسرة يوم القيامة:
من أسباب الحسرة يوم القيامة أن يجلس العبد مجلسا ثم يقوم ولم يذكر الله تعالى فيه، ولو لم يكن فيه شئ من الكلام الحرام، فكيف الحال إذا كان المجلس كله خوض في الباطل، أو وقوع في الغيبة والنميمة والبهتان، والسخرية والاستهزاء نسأل الله تعالى السلامة.

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَا مِنْ قَوْمٍ جَلَسُوا مَجْلِساً لَمْ يَذْكُرُوا اللَّهَ فِيهِ إِلاَّ رَأَوْهُ حَسْرَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ".[16]

وكما لا يجوز الخوض في الباطل لا يجوز سماع الباطل، ومجالسة من يخوض فيه، فإن المستمع شريك المتكلم.

قال الله تعالى: ﴿ وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾.[17]

قال أبو حيان: حكم تعالى بأنهم إذا قعدوا معهم وهم يكفرون بآيات الله ويستهزئون بها، وهم قادرون على الإنكار مثلهم في الكفر، لأنهم يكونون راضين بالكفر، والرضا بالكفر كفر.
والخطاب في أنكم على الخلاف السابق أهو للمنافقين؟ أم للمؤمنين؟ ولم يحكم تعالى على المسلمين الذين كانوا يجالسون الخائضين من المشركين بمكة بأنهم مثل المشركين، لعجز المسلمين إذ ذاك عن الإنكار بخلاف المدينة، فإن الإسلام كان الغالب فيها والأعلى، فهم قادرون على الإنكار، والسامع للذم شريك للقائل.

الثَّرْثَرَةُ مِنْ أسْبَابِ دخول النار:
من أسباب دخول النار عياذًا بالله أن يخوض العبد مع الخائضين، فإذا تكلموا في الدنيا تكلم معهم، وإذا ولغوا في أعراض الناس ولغ معهم، وإذا سخروا واستهزؤوا سخر واستهزأ معهم، وإذا خاضوا في آيات الله تعالى خاض معهم، فاستحقوا بذلك النار؛ لأن هذه صفات المجرمين.

قال الله تعالى: ﴿ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ * إِلا أَصْحَابَ الْيَمِينِ * فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ * عَنِ الْمُجْرِمِينَ * مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ ﴾.[18]

قال الطبري رحمه الله: أي وكنا نخوض في الباطل وفيما يكرهه الله مع من يخوض فيه.

وقال ابن كثير رحمه الله: أي نتكلم فيما لا نعلم.
وقال قتادة رحمه الله: كلما غوي غاو غوينا معه.

الله عز وجل يكره الثرثرة:
فعَنِ المُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ: عُقُوقَ الأُمَّهَاتِ، وَوَأْدَ البَنَاتِ، وَمَنَعَ وَهَاتِ، وَكَرِهَ لَكُمْ قِيلَ وَقَالَ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ، وَإِضَاعَةَ المَالِ".[19]

وَقَالَ أَبو عُبَيْدٍ: جَعَلَ الْقَالَ مَصْدَرًا كأَنه قَالَ: نَهَى عَنْ قيلٍ وقوْلٍ، وَهَذَا التأْويل عَلَى أَنهما اسْمَانِ، وَقِيلَ: أَراد النَّهْيَ عَنْ كَثْرَةِ الْكَلَامِ مُبتدئاً ومُجيباً، وَقِيلَ: أَراد بِهِ حِكَايَةَ أَقوال النَّاسِ وَالْبَحْثَ عَمَّا لَا يُجْدِي عَلَيْهِ خَيْرًا وَلَا يَعْنيه أَمرُه؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ: أَلا أُنَبِّئُكم مَا العَضْهُ؟ هِيَ النميمةُ القَالَةُ بَيْنَ النَّاسِ أَي كَثْرَةُ القَوْلِ وإِيقاع الْخُصُومَةِ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا يَحْكِي البعضُ عَنِ الْبَعْضِ؛ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ: فَفَشَتِ القَالَةُ بَيْنَ النَّاسِ.[20]

وما أحسن ما قال الشاعر:






وسمعك صن عن سماع القبيح
كصون اللسان عن النطق به







قال ابن عطية: وهذه المماثلة ليست في جميع الصفات، ولكنه إلزام شبه بحكم الظاهر من المقارنة كقول الشاعر:[21]






عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه
فكل قرين بالمقارن يقتدي






 
وقال تعالى: ﴿ وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا ﴾.[22]

قال ابن كثير:أي إنكم إذا ارتكبتم النهي بعد وصوله إليكم، ورضيتم بالجلوس معهم في المكان الذي يكفر فيه بآيات الله، ويستهزأ وينتقص بها، وأقررتموهم على ذلك، فقد شاركتموهم في الذي هم فيه، فلهذا قال تعالى: ﴿ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ ﴾ في المأثم.[23]

فكل من جلس في مجلس معصية ولم ينكر عليهم، يكون معهم في الوزر سواء، وينبغي أن ينكر عليهم إذا تكلموا بالمعصية وعملوا بها، فإن لم يقدر على النكير عليهم فينبغي أن يقوم عنهم حتى لا يكون من أهل هذه الآية.[24]

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ صلى الله عليه وسلم عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَنْ كَثُرَ كَلامُهُ كَثُرَ سَقَطُهُ، وَمَنْ كَثُرَ سَقَطُهُ كَثُرَتْ ذُنُوبُهُ، وَمَنْ كَثُرَتْ ذُنُوبُهُ كَانَتِ النَّارُ أَوْلَى بِهِ، فَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ".[25]

وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ اللَّهَ يَرْضَى لَكُمْ ثَلاَثًا وَيَكْرَهُ لَكُمْ ثَلاَثًا، فَيَرْضَى لَكُمْ أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَأَنْ تَعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُوا، وَيَكْرَهُ لَكُمْ قِيلَ وَقَالَ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ، وَإِضَاعَةَ الْمَالِ".[26]

وعن الأحنف بن قيس رضي الله عنه قال: قال لي عمر بن الخطاب رضي الله عنه: يا أحنف من كثر ضحكه قلّت هيبته، ومن مزح استخف به، ومن كثر كلامه كثر سقطه، ومن كثر سقطه قل حياؤه، ومن قل حياؤه قل ورعه، ومن قل ورعه مات قلبه.[27]



[1] لسان العرب - 4 / 101.


[2] رواه الترمذي- كتاب البر والصلة ، باب ما جاء في معالي الأخلاق، حديث:‏1991‏، وهناد بن السري في الزهد - باب حسن الخلق حديث: ‏1249‏‏.


[3] رواه الترمذي- كتاب الزهد، باب منه حديث: ‏2393، والبيهقي في الشعب- فصل في فضل السكوت عن كل ما لا يعنيه، حديث: ‏4730‏، بسند ضعيف.


[4] سورة الرعد: الآية/28.


[5] رواه مالك في الموطأ- كتاب الكلام، باب ما يكره من الكلام بغير ذكر الله- حديث: ‏1797‏، والبيهقي في شعب الإيمان - فصل في فضل السكوت عن كل ما لا يعنيه، حديث: ‏4730‏، بسند ضعيف.


[6] سورة التوبة الآية /65.


[7] سورة المطففين:الآية/29 ،30.


[8] سورة المؤمنون الآية / 1: 3.


[9] سورة الطور: الآية / 11، 12.


[10] رواه ابن ماجه- كتاب الزهد، باب الورع والتقوى - حديث: ‏4216‏، الطبراني في الكبير- حديث: ‏1630‏، بسند .ضعيف.


[11] رواه أحمد حديث: ‏17417‏، والبيهقي في السنن- كتاب الشهادات باب، بيان مكارم الأخلاق ومعاليها التي من كان .متخلقا بها - حديث: ‏19349، وابن حبان - كتاب البر والإحسان، باب حسن الخلق - ذكر البيان بأن من أحب العباد إلى الله، حديث: ‏483‏ بسند صحيح.


[12] مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح - 14 / 68.


[13] سورة الشعراء الآية / 224 ، 225.


[14] تفسير القرطبي - 13 / 152.


[15] رواه البزار في مسنده- حديث: ‏1526، رواه الطبراني، حديث: ‏4521‏، بسند حسن.


[16] رواه أحمد - حديث: ‏6933‏، بسند صحيح.


[17] سورة الأنعام: الآية / 68.


[18] سورة المدثر الآيات/ 38: 45.


[19] رواه البخاري- كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب ما يكره من كثرة السؤال وتكلف ما لا يعنيه - حديث: ‏6883،‏ ومسلم- كتاب الأقضية.
باب النهي عن كثرة المسائل من غير حاجة - حديث: ‏3323‏.


[20] لسان العرب - رضي الله عنه 11/ 574).


[21] تفسير البحر المحيط - 3 / 304.


[22] سورة النساء: الآية/140.


[23] تفسير ابن كثير: 1/ 699.


[24] تفسير القرطبي: - 5 / 418.


[25] رواه الطبراني في الأوسط- حديث: ‏6660‏، والقضاعي في مسند الشهاب - من كثر كلامه كثر سقطه ، حديث: ‏357، بسند ضعيف‏.


[26] رواه مسلم- كتاب الأقضية، باب النهي عن كثرة المسائل من غير حاجة - حديث: ‏3322‏.


[27] رواه الطبراني في الأوسط - حديث: ‏2299‏ ، رواه البيهقي في الشعب- فصل في فضل السكوت عن كل ما لا يعنيه، حديث: ‏4768‏.

شارك الخبر

المرئيات-١