أرشيف المقالات

الوفاء بالوعد من صفات المؤمنين

مدة قراءة المادة : 5 دقائق .
2الوفاء بالوعدِ من صفات المؤمِنين
قال الله تعالى: ﴿ وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ﴾[الأنعام: 152] (6)
ذلكم وصاكم به (الوصايا العشر)
 
والالتزامُ بالوعد والوفاء به من صفاتِ المؤمِنين؛ فالله سبحانه وتعالى علَّمهم ذلك، وبدَأ بنفسه سبحانه وتعالى؛ فقد رأينا من الآياتِ السابقة أن اللهَ سبحانه وتعالى لا يُخلِف وعده وهو يُنجزه: ﴿ لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ ﴾ [الزمر: 20]، وفي قصة موسى: ﴿ فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ ﴾ [القصص: 13]، وعليه، فالمُؤمِنون الذين اهتدَوْا بربهم يحافِظون على الموعد ولا يُخلِفونه، وأما المنافقون والكفار فقدوتُهم الشيطان في إخلاف الموعد؛ قال الله تعالى: ﴿ فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْدًا حَسَنًا أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي ﴾ [طه: 86]؛ فهذا عن اليهود، أما عن المنافقين فقد قال الله تعالى: ﴿ وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ * فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ * فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ ﴾ [التوبة: 75 - 77]، وقال عليه الصلاة والسلام: ((آيةُ المنافق ثلاث: إذا حدَّث كذَب، وإذا وعَد أخلف، وإذا عاهَد غدَر))[1]؛ متفق عليه، وعند الخمسة عن عبدالله بن عمرو بن العاص قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((أربعٌ مَن كنَّ فيه كان منافِقًا خالصًا، ومن كانت له فيه خَصلة منهن، كانت فيه خَصلةٌ من النفاق حتى يدَعَها: إذا وعَد أخلَف وإذا حدَّث كذَب، وإذا عاهَد غدَر، وإذا خاصَم فجَر))[2]، وفي رواية: ((إذا اؤتُمِن خان))، بدل: ((إذا وعَد أخلَف))، وعند أبي داود عن عبدالله بن أبي الحمساء قال: بايعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يبعَثَ، فبقيَتْ له بقية، ووعدتُه أن آتيه بها في مكانِه، فنسيتُ، ثم ذكرت بعد ثلاثٍ، فجئتُ فإذا هو في مكانِه، فقال: ((يا فتى، لقد شققتَ علي، أنا ها هنا منذ ثلاثٍ أنتظرُك))، وهذا التزام منه صلى الله عليه وسلم بالوعد، ومَن أوفى مِن رسول الله بوعده؟!
 
وقد خلَفه أصحابه في هذا، ولقد أخبَر جابرُ بن عبدالله أن الرسولَ صلى الله عليه وسلم قال له: ((لو قد جاء مالُ البحرين، لقد أعطيتك هكذا وهكذا وهكذا، فلم يجِئْ مالُ البحرين حتى قُبِض رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم جاء أبا بَكرٍ مالُ البحرين، فقال أبو بكر: مَن كان له على رسولِ الله صلى الله عليه وسلم عِدَة أو دَيْن، فليأتِنا، قال جابر: فقلت: وعدني رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أن يعطيني هكذا وهكذا - فبسَط يديه ثلاث مرات - قال جابر: فعدَّ في يدي خمسَمائة، ثم خمسمائة، ثم خمسمائة"[3]؛ أخرجه البخاري ومسلم.
 
فعلى المسلِمين أن يلتزموا بما وعَدوا، وأن يتمثلوا أخلاقَ الإسلام وما دعا إليه؛ ففي رواية لمسلم: ((آية المنافقِ ثلاثٌ وإن صام وصلَّى وزعَم أنه مسلم، ثم ذكَر: إذا وعَد أخلَف، وإذا عاهَد غدَر، وإذا حدَّث كذَب))؛ فكم من الناس من يعيب على المسلمين في هذا الزمان عدمَ التزامهم بالوعود، وإخلالَهم بها، فلا يفي مقترضٌ بما وعَد من ردِّ الدَّين، ولا يفي صانعٌ بما وعَد من إنجازِ عملِه، ولا يفي رجلٌ بما وعَد من زمن للحضور، فلا يحضُرُ إلا متأخِّرًا، حتى صار هذا الخُلفُ بالوعد سِمةً في كثيرٍ من مسلمي اليوم، ويُحصيه عليه أعداؤُهم، ويعُدُّه الجهَّال من صفات المسلمين، وما هو من صفاتِهم، إنما هو خَصلة من خِصال المنافقين، والمُسلِمُ الملتزم بريءٌ من إخلاف الوعد.





[1] جامع الأصول 9185.


[2] المصدر نفسه 9184.


[3] المصدر نفسه 9268.

شارك الخبر

فهرس موضوعات القرآن