أرشيف المقالات

الاستهزاء والسخرية

مدة قراءة المادة : 5 دقائق .
الاستهزاء والسخرية

الِاسْتِهْزَاءُ لغة: السُّخْرِيَةُ وَالاسْتِخْفَافُ، وَأَصْلُ الْبَابِ الْخِفَّةُ.

فالاسْتِهْزَاء بِالشَّيْءِ الِاسْتِهَانَةُ بِهِ، وَالِاسْتِهْزَاءُ بِالشَّخْصِ احْتِقَارُهُ وَعَدَمُ الِاهْتِمَامِ بِأَمْرِهِ، وَكَثِيرًا مَا يَصْحَبُ ذلِكَ السُّخْرِيَةُ مِنْهُ، وَهِيَ الضَّحِكُ النَّاشِئُ عَنِ الِاسْتِخْفَافِ وَالِاحْتِقَارِ، فَمَنْ حَاكَى امْرَءًا فِي قَوْلِهِ أَوْ عَمَلِهِ أَوْ زِيِّهِ أَوْ غَيْرِهَا مُحَاكَاةَ احْتِقَارٍ فَقَدْ سَخِرَ مِنْهُ، فَالسُّخْرِيَةُ تَسْتَلْزِمُ الِاسْتِهْزَاءَ، وَهِيَ خَاصَّةٌ بِالْأَشْخَاصِ دُونَ الْأَشْيَاءِ.
 
الفرق بين السُّخْرِيَةِ وَالِاسْتِهْزَاءِ:
الفرق بين السُّخْرِيَةِ وَ الِاسْتِهْزَاءِ هو أن السخرية تدل على فعل وقع من إنسان، سبب له السخرية من غيره.

و الِاسْتِهْزَاءُ لا يلزم تقدم فعل أو قول من الذي يُسْتَهزَأُ به بل يُسْتَهزَأُ به ابتدأً، ويقع كل منهما مكان الآخر.
 
أَسَبَابُ السُّخْرِيَةِ وَالِاسْتِهْزَاءِ:
قد يسخر إنسان من آخر لفقره، وقد يسخر منه لجنسه، وقد يسخر منه للونه، وقد يسخر منه لمكانته، فهل هذه مبررات للسخرية من الخلق؟ نقول لا تجوز السخرية بحال من الأحوال.
فإن التفاضل بين الناس لا يكون إلا على أساس التقوى والعمل الصالح، وهذا أمر لا يعلمه إلا الله تعالى، فقد يسخر العبد من غيره ويكون هذا الذي وقعت عليه السخرية خير من ذلك بدرجات عظيمة لا يعلمها إلا الله تعالى.
 
ميزان التفاضل عند الله تعالى:
وكما قلنا فالرفعة عند الله تعالى بالتقوى والعمل الصالح و ليست بالنسب ولا بالمنصب ولا بالجاه ولا بالمال.

قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالألْقَابِ بِئْسَ الاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾ [1].
 
وعَنْ سَهْلٍ رضي الله عنه قَالَ: مَرَّ رَجُلٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: "مَا تَقُولُونَ فِي هَذَا قَالُوا حَرِيٌّ إِنْ خَطَبَ أَنْ يُنْكَحَ وَإِنْ شَفَعَ أَنْ يُشَفَّعَ وَإِنْ قَالَ أَنْ يُسْتَمَعَ قَالَ ثُمَّ سَكَتَ فَمَرَّ رَجُلٌ مِنْ فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ فَقَالَ مَا تَقُولُونَ فِي هَذَا قَالُوا حَرِيٌّ إِنْ خَطَبَ أَنْ لَا يُنْكَحَ وَإِنْ شَفَعَ أَنْ لَا يُشَفَّعَ وَإِنْ قَالَ أَنْ لَا يُسْتَمَعَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم هَذَا خَيْرٌ مِنْ مِلْءِ الْأَرْضِ مِثْلَ هَذَا" [2].
 
وعند ابن ماجه عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ رضي الله عنه قَالَ: مَرَّ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَجُلٌ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "مَا تَقُولُونَ فِي هَذَا الرَّجُلِ؟" قَالُوا: رَأْيَكَ فِي هَذَا، نَقُولُ: هَذَا مِنْ أَشْرَافِ النَّاسِ، هَذَا حَرِيٌّ إِنْ خَطَبَ، أَنْ يُخَطَّبَ، وَإِنْ شَفَعَ، أَنْ يُشَفَّعَ، وَإِنْ قَالَ، أَنْ يُسْمَعَ لِقَوْلِهِ، فَسَكَتَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَمَرَّ رَجُلٌ آخَرُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "مَا تَقُولُونَ فِي هَذَا؟"، قَالُوا: نَقُولُ، وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا مِنْ فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ، هَذَا حَرِيٌّ إِنْ خَطَبَ، لَمْ يُنْكَحْ، وَإِنْ شَفَعَ، لَا يُشَفَّعْ، وَإِنْ قَالَ، لَا يُسْمَعْ لِقَوْلِهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "لَهَذَا خَيْرٌ مِنْ مِلْءِ الْأَرْضِ مِثْلَ هَذَا"[3].






لَعَمْرُكَ مَا الْإِنْسَانُ إِلَّا بِدِينِهِ
فَلَا تَتْرُكِ التَّقْوَى اتِّكَالًا عَلَى النَّسَبِ


لَقَدْ رَفَعَ الْإِسْلَامُ سَلْمَانَ فَارِسٍ
وَقَدْ وَضَعَ الشِّرْكُ الشَّقِيَّ أَبَا لَهَبِ






وإن كانت الرفعة والفضل عند الناس بخلاف ذلك قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنه: ثَلاَثُ آيَاتٍ قَدْ جَحَدَهُنَّ النَّاسُ، الإِذْنُ كُلُّهُ، وَقَالَ اللَّهُ: ﴿ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ﴾[4].
 
قَالَ وَيَقُولُونَ: إِنَّ أَكْرَمَهُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَعْظَمُهُمْ شَأْنًا، قَالَ وقوله: ﴿ وَإِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ ﴾ [5].



[1] سورة الحجرات: الآية /11.


[2] رواه البخاري- كتاب النكاح، باب الأكفاء في الدين، حديث: ‏4804‏.


[3] رواه ابن ماجه- كِتَابُ الزُّهْدِ ، بَابُ فَضْلِ الْفُقَرَاءِ، حديث رقم : 4120.


[4] سورة الحجرات: الآية/ 13.


[5] سورة النساء: الآية/ 8.

شارك الخبر

مشكاة أسفل ٢