أرشيف المقالات

تفسير سورة النجم

مدة قراءة المادة : 17 دقائق .
2سلسلة كيف نفهم القرآن؟[1] تفسير سورة النجم   من الآية 1 إلى الآية 10: ﴿ وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى ﴾ يُقسِم اللهُ تعالى بالنجوم إذا غابت بعد طلوعها،﴿ مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ ﴾: أي ما ضَلَّ محمد صلى الله عليه وسلم عن طريق الهداية والحق ﴿ وَمَا غَوَى ﴾ يعني: وما خَرَجَ عن العِلم والرَشاد، بل هو في غاية الاستقامة والسَداد،﴿ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى ﴾ يعني: وليس نُطقه صادرًا عن هوى نفسه﴿ إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ﴾ أي ما القرآن والسُنَّة - اللذان يَنطق بهما - إلا وحيٌ يوحيه اللهُ إليه، وقد ﴿ عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى ﴾: أي عَلَّمَ محمدًا صلى الله عليه وسلم مَلَكٌ شديد القوة﴿ ذُو مِرَّةٍ ﴾ أي ذو مَنظر حَسَن (وهو جبريل عليه السلام) ﴿ فَاسْتَوَى ﴾ أي ظَهَرَ جبريل واستقر ﴿ وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى ﴾ وهو أفق السماء، ﴿ ثُمَّ دَنَا ﴾ أي: ثم اقترب جبريل من الرسول صلى الله عليه وسلم ﴿ فَتَدَلَّى ﴾ أي زادَ في القُرب - نازلاً مِن عُلُوِّه في الأفق - إلى النبي صلى الله عليه وسلم على الأرض ﴿ فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى ﴾يعنيفأصبحَ قُربه منه مِقدار طُول قوسين، بل أقل من ذلك (والقوس هو السلاح الذي يُرمَى به السهم)، ﴿ فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى ﴾ يعني فحينئذٍ أوحى اللهُ إلى عبده محمد صلى الله عليه وسلم ما أوحاهُ إليه، وذلك بواسطة جبريل عليه السلام.   من الآية 11 إلى الآية 18: ﴿ مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى ﴾ أي ما كَذَّبَ قلبُ النبي محمد ما رآه بصره (مِن آيات ربه في تلك الليلة، ومِن خِلقة جبريل الحقيقية ذات الستمائة جناح، كما ثَبَتَ ذلك في الصحيحين)، والمقصود مِن أن القلب لم يُكَذِّب البصر: أن القلب تيَقَّنَ أنّ البصر قد رآهُ حقيقةً،﴿ أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى ﴾؟! يعني أتجادلونه أيها المُشرِكون على ما يَراهُ من آيات ربه - ومِن ذلك رؤيته لجبريل عليه السلام - وأنتم تعلمون أنه الصادق الأمين؟!،﴿ وَلَقَدْ رَآَهُ نَزْلَةً أُخْرَى ﴾ يعني: ولقد رأى محمدٌ صلى الله عليه وسلم جبريلَ على صورته الحقيقية مرةً أخرى (ليلة الإسراء والمعراج) ﴿ عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى ﴾ وهي شجرة عظيمة فوقالسماء السابعة، يَنتهي إليها ما تَصعد به الملائكة من أعمال أهل الأرض، و﴿ عِنْدَهَا ﴾ أي عند هذه الشجرة: ﴿ جَنَّةُ الْمَأْوَى ﴾ التي وَعَدَ اللهُ المتقين أن يسكنوها، ﴿ إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى ﴾ أي يُغَطِّي الشجرة - من الحُسن والجمال والنور والألوان - ما لا يستطيع بَشَرٌ أن يَصِفه، ﴿ مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى ﴾: أي ما ذَهَبَ بصر النبي صلى الله عليه وسلم يمينًا ولا شمالاً - وهو في السماء السابعة - ولم يَرتفع بصره عن الحد الذي أُمِر برؤيته، ﴿ لَقَدْ رَأَى ﴾ محمد صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج ﴿ مِنْ آَيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى ﴾ الدالة على قدرة الله وعظمته (كجبريل عليه السلام والجنة والنار، وغير ذلك من عجائب خلق الله تعالى وعظيم قدرته).   من الآية 19 إلى الآية 26: ﴿ أَفَرَأَيْتُمُ ﴾ أيها المُشرِكون هذه الأصنام التي تعبدونها: ﴿ اللَّاتَ وَالْعُزَّى ﴾ ﴿ وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى ﴾ (هل نَفَعَتكم بشيء أو ضَرَّتكم بشيء حتى تجعلوها شركاء لله تعالى؟!).   وكانوا يُسَمُّون هذه الأصنام بأسماء الإناث، ثم زعموا أنها تماثيل للملائكة - التي جعلوها بناتٍ لله تعالى - كذباً وافتراءً عليه سبحانه، فرَدَّ الله عليهم بقوله: ﴿ أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثَى ﴾؟! يعني أتجعلون لكم الذَّكَر الذي ترضونه، وتجعلون لله الأنثى التي لا ترضونها لأنفسكم؟! ﴿ تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى ﴾ أي قِسمة ظالمة، (وهذا من باب التوبيخ والاستهزاء بحُكمهم الباطل، وإلاّ فإنه سبحانه مُنَزَّهٌ عن أن يكون له ولد (ذكراً كان أو أنثى)، لأنه رَبُّ كل شيء ومَالكُه والغني عنه؟!)، ﴿ إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ ﴾ يعني ما هذه الأصنام إلا أسماء لا مَعاني لها، وقد ﴿ سَمَّيْتُمُوهَا ﴾ آلهةً ﴿ أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمْ ﴾ جهلاً منكم وضَلالاً، إذ إطلاقكم لفظ (إله) على صَنَم لا يَجعله إلهاً، و﴿ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ ﴾ أي لم يُنَزِّل الله بشأنها حُجَّةً تدل على أنها تستحق العبادة أو أنها تُقَرِّبكم إليه كما تَزعمون.   ♦ ثم قال الله لرسوله: ﴿ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ ﴾ أي ما يَتبعون في ذلك إلا الظن الناتج عن التقليد الأعمى للآباء، واتّباع الأهواء المنحرفة عن الفطرة السليمة، ﴿ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ ﴾ - على لسان نبيّهم - ﴿ الْهُدَى ﴾ أي ما فيه هدايتهم وصَلاحهم وسعادتهم، فلم يَنتفعوا به، ﴿ أَمْ لِلْإِنْسَانِ مَا تَمَنَّى ﴾؟! أي ليس للإنسان ما تمَنّاه من شفاعة هذه المعبودات أو غيرها مما تهواه نفسه بغير إذنٍ من الله تعالى، ﴿ فَلِلَّهِ الْآَخِرَةُ وَالْأُولَى ﴾ أي: فلله وحده الأمر في الدنيا والآخرة، ﴿ وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ ﴾ يعني: وكثير من الملائكة في السماوات - مع علوِّ مَنزلتهم - ﴿ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا ﴾: أي لا تنفع شفاعتهم شيئًا عند ربهم ﴿ إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ ﴾ منهم بالشفاعة، ﴿ وَيَرْضَى ﴾ عن المشفوع له من أهل التوحيد.   من الآية 27 إلى الآية 30: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ ﴾ - مِن مُشرِكي العرب - ﴿ لَيُسَمُّونَ الْمَلَائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنْثَى ﴾ أي يُسمُّون الملائكة تسمية الإناث؛ لاعتقادهم جَهلاً أن الملائكة إناث، وأنهم بنات الله تعالى،﴿ وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ ﴾: أي ليس لهم بذلك مِن علمٍ صحيح يُصَدِّق ما قالوه، ﴿ إِنْ يَتَّبِعُونَ ﴾ أي ما يتبعون في ذلك ﴿ إِلَّا الظَّنَّ ﴾ الناتج عن التخمين واتّباع الآباء بغير دليل، ﴿ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا ﴾: يعني إنّ الظن لا يَكفي عن العلم ولا يُغنِي عنه (والمطلوب في العقيدة: العلم وليس الظن)،﴿ فَأَعْرِضْ ﴾ أيها الرسول ﴿ عَنْ مَنْ تَوَلَّى ﴾ أي أعرَضَ ﴿ عَنْ ذِكْرِنَا ﴾ وهو القرآن ﴿ وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ﴾ (لأنه قد رأى - بظنه الباطل - أنّ إيمانه بالقرآن سوف يَمنعه من شهواته الرخيصة وأهوائه الفاسدة، ففضَّل الدنيا الفانية على الآخرة الباقية)، ﴿ ذَلِكَ ﴾ - الذي هم عليه مِن طلب الدنيا - هو ﴿ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ ﴾ أي هو مُنتهى عِلمهم وغايتهم ﴿ إِنَّ رَبَّكَ ﴾ أيها الرسول ﴿ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ ﴾ أي ضَلَّ عن الإسلام (الذي هو طريق الهدى والرشاد)، ﴿ وَهُوَ ﴾ سبحانه ﴿ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَى ﴾ أي اتَّبع طريق الإسلام، المُوصل به إلى الجنة.   الآية 31، والآية 32: ﴿ وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ﴾ - مُلكًا وتدبيرًا وتصَرُّفاً - فهو سبحانه يَهدي من يشاء (بفضله ورحمته)، ويُضِلّ من يشاء (بعدله وحكمته) ﴿ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا ﴾ أي ليُعاقب الذي أساءوا بما عملوا من الشرك والمعاصي ﴿ وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا ﴾ - وهم المُحسنونَ في عبادة ربهم والمُحسنونَ في معاملة خَلقه - فيَجزيهم سبحانه ﴿ بِالْحُسْنَى ﴾ وهي الجنة، ومِن صفاتهم أنهم: ﴿ الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ ﴾ أي يَجتنبون كبائر ما نَهَى الله عنه (كالشِرك والظلم وأكْل الحرام ونَقض العهد والكذب والغيبة)، وما قَبُح من أنواع المعاصي (كالزنى)، ﴿ إِلَّا اللَّمَمَ ﴾ (وهي الذنوب الصِغار التي لا يُصِرُّ عليها صاحبها، أو يُلِمُّ بها نادراً دونَ تعمد ثم يتوب منها)، فهذه الصغائر - مع الإتيان بالواجبات وترْك المُحَرَّمات وكثرة الاستغفار - يَغفرها الله لهم ويَسترها عليهم ﴿ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ ﴾ إذ مَغفرته سبحانه تشمل كل ذنب (صغيراً كانَ أو كبيراً) طالما أنّ فاعله قد تابَ منه، ﴿ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ ﴾ أي هو سبحانه أعلم بأحوالكم وضَعفكم ﴿ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ ﴾ أي هو أعلم بكم حين خَلَقَ أباكم آدم مِن تراب الأرض ﴿ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ ﴾ أي: وحِينَ كنتم أجنَّة (والأجِنَّة جمع جَنين) ﴿ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ ﴾﴿ فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ ﴾ أي لا تشهدوا لها بأنها زكية بريئة من الذنوب والمعاصي، وتَصِفُوها بالتقوى (على سبيل الفخر والإعجاب)، لأن الإعجاب بالنفس مُحبِط للعمل كالرياء، و﴿ هُوَ ﴾ سبحانه ﴿ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى ﴾ أي هو أعلم بمَن اتقى عقابه فاجتنب مَعاصيه (إذاً فلا داعي إلى ذِكر ذلك منكم، فإنه سبحانه لن يُنقِصكم مِن أجوركم شيئاً).   من الآية 33 إلى الآية 55: ﴿ أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى ﴾: يعني أرأيت - أيها الرسول - هذا الرجل الذي أعرَضَ عن طاعة ربه ﴿ وَأَعْطَى قَلِيلًا ﴾ مِن ماله للمحتاجين ﴿ وَأَكْدَى ﴾ أي: ثم توقف عن العطاء وقطَعَ مَعروفه؟! ﴿ أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ ﴾ بأنّ ماله سوف يَنتهي إذا أنفق منه في سبيل الله ﴿ فَهُوَ يَرَى ﴾ ذلك الغيب ببصره؟! ليس الأمر كذلك، وإنما أمسك عن الصدقة والمعروف بسبب بُخله، ﴿ أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى ﴾؟ يعني أم لم يُخبِره أحد بما جاء في التوراةِ وصُحُف إبراهيم الذي َوفَّى كل ما أمَرَه الله به، وبلَّغ رسالته كاملة؟   ♦ ثم بَيَّنَ سبحانه بعض ما تضمنته تلك الصُحُف مِن عِلمٍ فقال: ﴿ أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ﴾: أي لا تؤاخَذ نفسٌ بذنب غيرها (إلا إذا كانت سبباً في إضلالها، ولم تَتُب عن ذلك الإضلال)، ﴿ وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى ﴾: أي لا يُجازَى الإنسان إلا بما كَسَبه هو بسَعْيه من الخير والشر (ومِن ذلك أيضاً: ما دَلَّ عليه الناس أثناء حياته)، ﴿ وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى ﴾ أي سوف يَرى اللهُ سَعْيَه في الآخرة - وهو أعلم به - وإنما هذا لإقامة الحُجَّة عليه، ﴿ ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى ﴾ أي: ثم يُجزَى الإنسانُ - على سَعْيه - الجزاء الكامل بالعدل، ﴿ وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى ﴾ يعني إليه سبحانه يَنتهي مصير الخلائق يوم القيامة، كما قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ﴾، ﴿ وَأَنَّهُ ﴾ سبحانه ﴿ هُوَ أَضْحَكَ ﴾ مَن شاء مِن عباده ﴿ وَأَبْكَى ﴾ مَن شاءَ منهم، ﴿ وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ ﴾ أي أماتَ مَن أرادَ موته مِن خلقه ﴿ وَأَحْيَا ﴾ مَن أراد حياته منهم (فهو سبحانه المتفرِّد بالإحياء والإماتة، المُستحِق وحده للعبادة)، ﴿ وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ ﴾ أي النوعين: ﴿ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى ﴾ - من الإنسان والحيوان -﴿ مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى ﴾ أي مِن نطفة مَنِيّ تُصَبُّ في الرَحِم،﴿ وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرَى ﴾ أي عليه سبحانه إعادة خَلقه بعد موتهم (وهي النشأة الأخرى يوم القيامة)، لأنه هو الذي ابتدأ خَلْقهم (وإعادة الشيء كما كان، أسهل مِن إيجاده أول مرة)، ﴿ وَأَنَّهُ ﴾ سبحانه ﴿ هُوَ أَغْنَى ﴾ يعني أغنَى بعض خلقه بما يَكفي لسد حاجتهم، ﴿ وَأَقْنَى ﴾ يعني: وأقنَى آخرين (أي أعطاهم مالاً كثيراً فوق حاجاتهم، فاقتنوه اقتناءً وادِّخاراً)، ﴿ وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى ﴾ (والشِعرَى هو نجم مُضِيء، كان بعض أهل الجاهلية يعبدونه من دون الله تعالى)،﴿ وَأَنَّهُ ﴾ سبحانه ﴿ أَهْلَكَ عَادًا الْأُولَى ﴾ (وهم قوم هود) ﴿ وَثَمُودَ ﴾ (وهم قوم صالح) ﴿ فَمَا أَبْقَى ﴾ يعني فلم يُبْقِ منهم أحدًا،﴿ وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ ﴾ يعني: وأهلك سبحانه قوم نوح قَبل عاد وثمود ﴿ إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى ﴾ أي كانوا أشد تمردًا وأعظم كفرًا ممن جاء بعدهم،﴿ وَالْمُؤْتَفِكَةَ ﴾ وهي مُدُن قوم لوط ﴿ أَهْوَى ﴾ أي أسقطها سبحانه من السماء بعد أن قلَبَ بلادهم، وجعل عالِيَها سافلها﴿ فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى ﴾ أي فألبَسَها من الحجارة شيئاً عظيماً (وذلك برَجْمها من السماء)، ﴿ فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكَ تَتَمَارَى ﴾ يعني: فبأيِّ نِعَم ربك عليك أيها الإنسان المُكَذِّب تَشُك، حتى تعبد غيره وتُكَذِّب آياته؟!   من الآية 56 إلى الآية 62: ﴿ هَذَا ﴾ أي محمد صلى الله عليه وسلم ﴿ نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولَى ﴾ أي هو مُنذِرٌ بالحق الذي أنذَرَ به الأنبياء قبله (فإنّ جميع الرُسُل قد دَعَتْ أقوامها إلى التوحيد، وأخبرتهم بحقيقة البعث بعد الموت، وخوَّفتهم من الشِرك والعصيان)، ﴿ أَزِفَتِ الْآَزِفَةُ ﴾ أي اقتربت القيامة القريبة (وإن استبعدوها)، فإنّ كل آتٍ قريب،﴿ لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ ﴾: أي لا تستطيع نفسٌ أن تكشفها (أي تَدفعها إذا جاءت)، ولا تستطيع نفسٌ أن تكشف وقت مَجيئها، إذ لا يَعلم ذلك إلا الله وحده، ﴿ أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ ﴾؟! يعني أفمِن هذا القرآن تَعجبون - أيها المُشرِكون - مِن أن يكون صحيحًا؟! ﴿ وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ ﴾؟! يعني: وتضحكون منه سخرية واستهزاءً، ولا تبكون خوفًا مِن وعيده؟! ﴿ وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ ﴾ أي غافلونَ مُعرِضونَ عنه؟! ﴿ فَاسْجُدُوا لِلَّهِ ﴾وحده - فهو الذي خَلَقكم ورَزَقكم - ﴿ وَاعْبُدُوا ﴾ أي أخلِصوا له العبادة، واخضعوا مُنقادينَ لأمره.


[1] وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم، وذلك بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرة من (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي" ، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبي بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذي ليس تحته خط فهو التفسير.
- واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍ يَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذا الأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنى واضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلمات التي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن.




شارك الخبر

ساهم - قرآن ٣