أرشيف المقالات

القلوب البيضاء تحلق في السماء وتغرد في الفضاء

مدة قراءة المادة : 4 دقائق .
2القلوب البيضاء
تحلِّق في السماء، وتغرِّد في الفضاء
 
القلب الأبيض طالما يجُودُ بالحب لمن حوله، طالما ينبض بالعطاء لمن يعرفه، طالما يُسدي النصيحة لغيره!
لا يحمِل حقدًا، ولا يُضمِر مكرًا، ولا يُنبِت شرًّا، يتقي ربَّ الأرباب؛ لذلك فهو يتسع لكل الأحباب، ويطرق كل الأبواب، ويملِك معظم الأسباب، لديه صدق وإخلاص، عنده صبر وإحساس.
 
الذي يملِكون مِثل هذا القلوب يَحيَون سعداء، ويعيشون وَدُودِين رحماء، يرتقون في عنان السماء، ويغردون في أجواء الفضاء، أحلامهم موشحة ببياض اللبن، وغايتهم ممزوجة بصفاء الماء، وخيالهم يضاهي اتساع الفضاء.
 
لا يسخَرون، ولا يشمَتون، ولا يهزؤون، حين يغضبون تجدهم يغضبون لربهم لا لأنفسهم، لدِينهم لا لدنياهم، لأُولاهم لا لأُخراهم!
 
قادرون - رغم الألم - على التسامح والعطاء، وجوهُهم ملوَّنة بالتفاؤل، يتعلمون من أخطائهم، ولوحاتهم ملوَّنة بالأمل، لا يتسرب إليهم ملل، ولا يتطرق لهم كلل، لا يعرفون اللون الأسود في الحياة، وإذا عرَفوه صبروا وتركوه قائمين إلى الصلاة، يقتربون منك دون أن تشعر أو أن تراهم، تطلُّعاتهم كبيرة، وأهدافهم بالخير جديرة.
 
رغم ما ألَمَّ بهم مِن شدائد لا يُذيقون سواهم مرارةَ الحياة، ورغم ما أحاطهم من مكايد لا يعرفون طريق الجفاة، يسرق الحنين منهم جزءًا كبيرًا من أعمارهم دون أن يشعروا، يخلِصون لربهم، ويفرحون لغيرهم، ويغفِرون لمن أساء إليهم!
 
في أعماقهم معزة تملأ الحياة، ينشرون الحب دائمًا فوق الجباه، ويلعبون دورًا كبيرًا في بناء الفرح والسعادة والمؤاخاة!
يرمِّمون القلوب المشعورة، ويمسحون الرؤوس المكسورة، ويرسمون البسمة على الوجوه المعسورة!
 
تقرأ في أعينهم الإخلاص والسلام، يمنحونك أنفاسهم العطرة، وكلماتهم الطيبة، ينطلقون إلى جنة ربهم، فيحبُّون بشغف، ويشتاقون بلهف؛ لذلك فهم عملة نادرة في زمن الحقد والصلف.

يمنحون قلوب مَن حولهم سعادةً غامرة، وأفراحًا عامرة.
 
يتحايلون على الواقع بالحلم، ويتحايلون على الحلم بالأمل، ويتحايلون على الأمل بالحق، ويتحايلون على الحق بالصبر، ويتحايلون على الصبر بالعلم، ويتحايلون على العلم بمعرفة الله، والشوق إلى رضاه.

طريقهم مزيَّن بالألوان الخضراء، وسبيلهم لا يناله أعداء، ومصيرهم - بإذن الله - إلى جنة عرضها كعرض السماء.
 
لكنَّ هناك قلوبًا أخرى - أعاذنا الله - مملوءة بالحقد الأعمى، والمَقْت الأوفى، والبُغض الأردى، لا يرحمون صغيرًا، ولا يحترمون كبيرًا، يطمِسون البهجة، ويدمرون السعادة، ويقتلعون السرور، ربما تصل بهم الدرجة إلى السحر، لا أقول: سحر البيان، ولا نور الحكمة، ولا جمال الطلعة، وإنما يكذبون وينافقون ويصدرون الحقد الأسود، والشر الأوحد، يطمس قلوبهم، ويُعْمي بصائرهم، ويطمس وجوههم، فتجد بغيتهم في أن ينالوا من العباد، لكن الله لهم بالمرصاد، سيجازيهم بما اقترفت أيديهم يوم التلاق والتناد؛ ﴿ رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلَاقِ * يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ * الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ﴾ [غافر: 15 - 17].
 
لكن القلوب البيضاء تقية وعظيمة، صافية وسليمة، شفافة ورحيمة، تقترب منها الجنة، وتبحث عنها السعادة، يوم لا ينفع مال ولا بنون، ﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ * وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [الشعراء: 88 - 90].

اللهم بيِّض وجوهنا، وطهِّر قلوبنا، وثقِّل موازيننا، وجمِّل حياتنا، وأصلح آخرتنا!

شارك الخبر

ساهم - قرآن ٢