أرشيف المقالات

من آداب المناسبات

مدة قراءة المادة : 18 دقائق .
2من آداب المناسبات


الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على النبي الأمين، وعلى آله وأصحابه البررة الطاهرين، الذين كانت حياتهم كلُّها منضبطة بشرع أحكم الحاكمين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين..
 
وبعد: أيها الفضلاء الأحبة:
إن حياتنا نحن المسلمين - بكل ما فيها من أعمال - يجب أن تكون خالصة لله، وموافقة لما شرع، ومنضبطة بأحكام الدين في كافة الجوانب وسائر الأحوال والأمور، وفي جميع الأوقات والمناسبات؛ في أفراحنا وأحزاننا..
في مساجدنا وأسواقنا..
في بيوتنا وطرقاتنا..
في سفرنا وإقامتنا..
في الرضا والغضب..
في السر والعلانية..
في السراء والضراء..
في المغنم والمغرم..
في المنشط والمكره..
في الفعل والترك..
في أمور معاشِنا وأمور معادنا..
في شئون دنيانا وأخرانا، في علاقتنا بالخلق، وعلاقتنا بالخالق..
وصدق الله حيث قال في محكم التنزيل: ﴿ قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ﴾ [الأنعام: 162، 163].

وإذا كانت الآية تؤكِّد على كل مسلم أن تكون جميع حركاته وسكناته خالصة لله، فإنها في الوقت نفسِه تحمل التوكيد كذلك على أن تكون جميع أعماله على الوجه الذي يُرضِي الله تعالى، وهذا ما يشير إليه ختام الآية ﴿ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ﴾ أي المنقادين إلى امتثال ما أمر الله عزَّ وجلَّ به - كما ذكر الإمام الآلوسيّ في تفسيره -.

أيها الأحبة:
إن السلوك الذي يجب أن يتحلى به المسلم في المناسبات - إجمالاً - يتلخص في الالتزام بما يُرضِي الله، والبعد عن كل ما لا يُرضيه سبحانه من الأقوال والأفعال، في كل حال، وفي كل مناسبة، وفي كل حدث.

أما في بعض تفاصيله؛ فنقول وبالله التوفيق:
إن من سمات وملامح سلوك المسلم في المناسبات ما يلي:
أولاً: الابتعاد عن المناسبات المحرَّمة، والتي لا أصل لها في الشريعة الإسلامية:
كثيرةٌ هي المناسبات التي تمرُّ بنا، أو تنشأ في حياتنا، أو تكون في مجتمعاتنا، وهذه المناسبات من حيث المشروعية وعدمها تنقسم إلى قسمين:
الأول: المناسبات المشروعة؛ سواء أكان منصوصا عليها في الشرع مثل مناسبات الزواج، والعقيقة، والعيدين، وغيرها، أم لم يكن منصوصا عليها، ولكنها لا تصادم نصا قطعيا في ثبوته ودلالته، ولا تتعارض مع أصل من أصول الدين، ويمكن أن تندرج تحت الأحكام الكلية والمقاصد العامة للشريعة الإسلامية، أو يشهدَ لها دليل من الأدلة غير النقلية المعتبرةِ عند العلماء كالقياس أو الاستصحاب، أو العرف..
إلخ؛ وذلك مثل الفرح بنجاح أحد الأولاد، وحصوله على درجة علمية نافعة، أو إتمام حفظه لكتاب الله تعالى، وإكمال تعلمه..
ونحو هذا من المناسبات التي لم يُنصَّ عليها، ولكن لا مانع منها شرعاً.

الثاني: المناسبات غير المشروعة؛ مثل الاحتفال بأعياد محرمة، كتلك التي وفدت علينا من بيئات غير مسلمة، مثل أعياد رأس السنة الميلادية، أو (الكريسامس)، ومنها ما يسمى بعيد الحب، ويسمى أيضًا: (عيد العشاق)، وكذلك " فالنتاين "[1].
وأصبح من طقوس ذلك اليوم تبادل الورود الحمراء وبطاقات بها صور (كيوبيد) الممثَّل بطفل له جناحان، يحمل قوساً ونُشّاباً، وهو "إله الحب!" لدى الرومان، كانوا يعبدونه من دون الله! كما صار مقترنا بكثير من أنواع المعاصي والموبقات، وسبيلاً إلى نشر الفواحش والموبقات، والعياذ بالله.

ثانياً: أن يُحدِث في كل مناسبة نية صالحة يُثاب عليها ما استطاع ذلك:
إن من شأن المسلم أنه يحرص على أن تكون أعماله كلها منطلقة من نية صالحة، وقصد محمود، ينال به الأجر من اللطيف الخبير، ومن هنا فإنه لا مجال لأن يصدر منه عمل عبثا؛ ذلك أن الحياة قصيرة، والأجل محدود، ولا رجوع إلى الدنيا بعد الرحيل إلى دار الخلود، والعبدَ موقوف بين يدي علام الغيوب، ومسئول عن كل ما عمل، وكم من عمل هين عظّمته نية صاحبه، وكم من عادة صارت بالنية الصالحة في ميزان صاحبها عند أكرم الأكرمين عبادة، فعلى العاقل أن يتنبه لهذا قبل فوات الأوان.


روى ابن أبي حاتم عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يا معاذ إن المؤمن يُسأل يوم القيامة عن جميع سعيه، حتى عن كُحل عينيه، وعن فتات الطينة بإصبعيه، فلا أُلفِيَنَّك تأتي يوم القيامة وأَحدٌ أسعدُ بما آتاك اللهُ منك ".

قال الإمام الغزاليّ رحمه الله: وما من شيء من المباحات إلا ويَحتمِل نيةً أو نياتٍ يصير بها من محاسن القربات، ويُنال بها معالي الدرجات، فما أعظمَ خسرانَ مَن يغفل عنها.
وقال بعض العارفين من السلف: إني أستحب أن يكون لي في كل شيء نية، حتى في أكلي وشربي ونومي ودخولي إلى الخلاء.
بل إن الإمام الغزاليَّ يقرر أن المسلم لو ترفّه ساعةً بلهوٍ وحديثٍ، وأن هذا الترفيه واللهو المباح سوف يعيدان إليه نشاطه في العبادة؛ كان سلوكه هذا من أعظم العبادة.
قال أبو الدرداء: إني لأستجم نفسي بشيء من اللهو فيكون ذلك عوناً لي على الحق، وقال عليٌّ كرم الله وجهه: روحوا القلوب فإنها إذا أكرهت عميت.

وهكذا يا أخي الحبيب يمكنك أن تحول كلَّ مناسبة تمر عليك إلى طاعة وعبادة، بأن تُحْدِث لله فيها نية صالحة.
فيمكنك أن تذهب لمناسبة زواج مثلا بنية تهنئة أخيك، وإدخال البشر والسرور عليه في هذه المناسبة السعيدة، وَأَنْ تلْقَى الْمسلِمِين بِبَشاشة الْوَجْهِ، لما روى الترمذي - وحسَّنه - وابن حبان عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " تبسمك في وجه أخيك صدقة ".
و يمكن أن تلبّيَ الدعوة إلى الوليمة بنية الامتثال والطاعة لتوجيه النبي صلى الله عليه وسلم للمسلم بأن يجيب الدعوة، حيث أخرج أبو داود عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا دعا أحدُكم أخاه فليجب، عُرْسا كان أو نحوه "، وكذلك بنية تأليف النفوس، وحصول المودة بينك وبين مَن أجبْتَ دعوته.

ويمكن أن تذهب إلى أخٍ لك لتُعزِّيَه، بنية الصلاة على الجنازة وحضورها، وكذا المواساة للمصاب، وتخفيف الحزن عنه، وتذكيره بما ينبغي أن يُذَكّر به في مثل هذا الموطن.
وقد رَوَى ابْنُ مَاجَهْ من طريق عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ مَرْفُوعًا: " مَا مِنْ مُؤْمِنٍ يُعَزِّي أَخَاهُ بِمُصِيبَةٍ، إلا كَسَاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ حُلَلِ الْكَرَامَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ".

ثالثاً: معرفة الفقه الشرعي لكل مناسبة، والالتزام به:
إنه لمن الجدير بالمسلم أن يكون على دراية ومعرفة بالأحكام الشرعية والآداب الإسلامية الخاصة بالمناسبات، وليس المقصودُ المعرفةَ التفصيلية؛ فإن هذا من شأن العلماء، نعم إن أمكن هذا فحسَنٌ؛ لكن الواقع أنه لا يتيسر للجميع، ولذلك فالمطلوب هو الحدُّ الأدنى من تلك المعرفة بالآداب الشرعية لكل مناسبة، وهذا مما يتيسر لعموم المسلمين على اختلاف أحوالهم، لا سيما في عصرنا هذا الذي كثرت فيه وتنوعت وانتشرت وسائل المعرفة، وسَهُل الوصول إلى أهل الذكر من العلماء والدعاة ونحوهم.

رابعاً: القدوة الحسنة:
إن كثيرا من المناسبات تكون فرصة لتلاقي الناس واجتماع بعضهم مع بعض؛ كالأعياد، والأعراس، والعقائق، والعزاء،..
وغيرها، وهنا ينبغي أن يحرص كلٌّ منا - سواء أكان صاحبَ المناسبة أم مشاركا فيها - على إظهاِر الصورة الصحيحةِ والمشرقةِ للسلوك الإسلاميِّ في كل تصرفاته، وخاصة إذا كان أحدُنا محلَّ تقدير، وموضع اقتداءٍ وتأسٍّ أمام الآخرين.
ولذلك رأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يضرب لنا القدوة الحسنة في المناسبات المختلفة، ولا عجب؛ فمن يكون كذلك إذا لم يكن حبيب الله وخير خلقه ومصطفاهُ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن والاه.

تأمل يا أخي الكريم في حال الحبيب صلى الله عليه وسلم عندما تُوفِّي ولده إبراهيم رحمة الله عليه، وقد كان فلذةَ كبد والده سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد توفي رضيعا وهو ابن ستة عشر شهرا - كما روى ابن سعد وغيره - وقيل ابن ثمانية عشر شهرا - كما أورد ابن عبد البر -؛ تأمل كيف كان صلى الله عليه وسلم مثالا للصبر والاحتساب مع عظم المصيبة على نفسه، وهجوم الحزن الذي لا يقدر أحد على دفعه، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها.


قال الإمام ابن أبي شيبة: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ هَاشِمٍ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: " أَخَذَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِيَدِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ فَخَرَجَ بِهِ إلَى النَّخْلِ، فَأُتِيَ بِإِبْرَاهِيمَ وَهُوَ يَجُودُ بِنَفْسِهِ، فَوُضِعَ فِي حِجْرِهِ، فَقَالَ: يَا بُنَيَّ لَا أَمْلِكُ لَك مِنْ اللَّهِ شَيْئًا، وَذَرَفَتْ عَيْنُهُ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: تَبْكِي يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَوَ لَمْ تَنْهَ عَنْ الْبُكَاءِ؟ قَالَ: إنَّمَا نَهَيْتُ عَنْ النَّوْحِ؛ عَنْ صَوْتَيْنِ أَحْمَقَيْنِ فَاجِرَيْنِ: صَوْتٍ عِنْدَ نِعْمَةٍ؛ لَهْوٍ وَلَعِبٍ وَمَزَامِيرِ شَيْطَانٍ، وَصَوْتٍ عِنْدَ مُصِيبَةٍ؛ خَمْشِ وُجُوهٍ [يقال خَمَشَتْ الْمَرْأَةُ وَجْهَهَا بِظُفْرِهَا خَمْشًا جَرَحَتْ ظَاهِرَ الْبَشَرَةِ] وَشَقِّ جُيُوبٍ وَرَنَّةِ شَيْطَانٍ، إنَّمَا هَذِهِ رَحْمَةٌ وَمَنْ لا يَرْحَمْ لا يُرْحَمْ، يَا إبْرَاهِيمَ لَوْلا أَنَّهُ أَمْرٌ حَقٌّ، وَوَعْدٌ صِدْقٌ، وَسَبِيلٌ مَأْتِيَّةٌ - وَإِنْ أُخِّرْنَا - لِنَلْحَقَ أُولَانَا؛ لَحَزِنَّا عَلَيْك حُزْنًا أَشَدَّ مِنْ هَذَا، وَإِنَّا بِكَ لَمَحْزُونُونَ، تَبْكِي الْعَيْنُ وَيَحْزَنُ الْقَلْبُ، وَلَا نَقُولُ مَا يُسْخِطُ الرَّبَّ ".


كم من الآباء والأمهات ينسون أنفسهم في بعض المناسبات كالأفراح ونحوها من الحفلات، فيكونون قدوة سيئة أمام أولادهم وأمام غيرهم، فترى بعض الأمهات - على سبيل المثال - يشهدن مثل هذه المناسبات متبرجات بزينة، ويخالطن الرجال من غير المحارم وهن كاسياتٌ عاريات، مائلاتٌ مميلات، دون أن ينكر عليهن زوج أو أب أو وليّ، وكم من الآباء يتعاطى المحرمات في مثل هذه الأحفال، ويسمح لبناته بالتبرج والاختلاط المستهتر..
وكأن الله تعالى قد رفع التكليف عن الناس في مثل تلك الاحتفالات!! ثم تكون النتائج بعد ذلك خطيرة؛ فقد يقتدي الابن بأبيه، والبنت بأمها، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

خامسا: إهداء النصيحة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إذا كان هناك ما يدعو لذلك:
ولا يكفي أن يكون المسلم قدوة حسنة، ملتزما بأحكام الشرع وآدابه، صالحا في نفسه فقط؛ بل ينبغي عليه أن يكون شخصا إيجابياًّ، يدلُّ الناس على الخير، ويرشدهم إليه، ويبعدهم عن الشر، ويحذّرهم منه.
إن المسلم يجب أن يكون مصلحاً بقدر الإمكان، وصدق الله القائل: ﴿ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ ﴾ [هود: 88].
ويقول تعالى: ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ [آل عمران: 110].
وقد روى مسلم عن تميم الداري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " الدين النصيحة " قلنا لمن؟ قال: " لله ولكتابه ولرسوله ولائمة المسلمين وعامتهم ".
وهذا حديث عظيم الشأن وعليه مدار الإسلام - كما ذكر الإمام النوويّ رحمه الله -.

و روى مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: " مَنْ رَأى مِنْكُمْ مُنْكَراً فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أضْعَفُ الإيمَانِ ".
وأورد الإمام المنذريُّ في (الترغيب والترهيب)، وكذا الإمام ابن حجر في (الزواجر)، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كنا نسمع أن الرجل يتعلق بالرجل يوم القيامة، فيقول له: ما لَك إليّ وما بيني وبينك معرفة؟ فيقول: كنتَ تراني على الخطأ وعلى المنكر ولا تنهاني.

من هذا المنطلق يجب على المسلم إذا كان في مناسبة من المناسبات ورأى خطأً يصدر من البعض أن يسارع إلى نصحه، ملتزما بآداب النصيحة؛ كالتحلّي بالرفق واللين، والحكمة، وعدم تجريح المنصوح أو التشهير به..
وغير ذلك من الآداب، كي تحقق نصيحتُه هدفها، وتؤتيَ بإذن الله ثمرتَها.

سادساً: تجنب الإسراف في المباحات في بعض المناسبات كالأعياد ونحوها:
ومما يجدر بالمسلم الالتزام به في المناسبات؛ أن يبتعد كل البعد عن الإسراف في المباحات، وأن يَلزَم بالقصد والاعتدال والتوسط في كل شأن من شؤونه.

وتجدر الإشارة إلى أن القرآن الكريم قد أرسى مبدأ التوسط والاعتدال في الحياة الإسلامية، وأكد عليه النبي صلى الله عليه وسلم في سنته نظريّا وعمليّا.

فعلى سبيل المثال يقول الله تعالى في محكم التنزيل: ﴿ وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا ﴾ [الإسراء: 29].
ويقول سبحانه في وصف عباد الرحمن: ﴿ وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا ﴾ [الفرقان: 63].
وروى النسائي، وابن ماجة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: " كلوا واشربوا وتصدقوا والبسوا في غير إسراف ولا مَخِيلة ".
إن مِن المسلمين مَن يسرف في استخدام ما أحله الله له وأباحه مِن طيبات المأكل والملبس والمشرب، ويبالغ في إظهار الاحتفال بمناسبة ما من المناسبات، كالزواج، أو الأعياد، ونحوها، وهذا المسلك ليس مِن أدب الإسلام، ولا من هدْي الرسول صلى الله عليه وسلم كما أنه يتجافى عما ينبغي أن يكون عليه العبد من تقدير لنعمة الله عليه، وشكر المنعِم سبحانه عليها.


سابعاً: توظيف المناسبات والأحداث باستخراج الدروس والعبر:
إن المناسبات التي تمر بالناس لا تخلو من المعاني والفوائد التي يمكن أن يستفيدوا منها، فهي تحمل في طياتها عبرا بالغة، ودروسا نافعة، ولذا ينبغي ملاحظتُها وتأمُّلُها، وتوظيفُها بما يعود على الناس بالخير في معاشهم ومعادهم، وأن لا تُترك تلك المناسبات تمرُّ دون الوقوف عندها للتذكير والإفادة والاعتبار.
لكن العبء الأكبر في هذا الأمر يقع على من رزقه الله الفهم، وآتاه العلم، فإنه يجب عليه ما لا يجب على غيره.
ففي الأعياد يمكن التذكير بنعمة الطاعات، ولفت الأنظار إلى فرحة المسلم بعبادة ربه، وبما أعدّه الله للطائعين جزاء طاعتهم، وإخباتهم لربهم.
وفي العقيقة يمكن التذكير بنعمة الذرية، وما ينبغي على المسلم حيال هذه النعمة من شكر المنعم سبحانه وتعالى، والحرصِ على تربية النشء وإصلاح الذرية، ليكونوا صالحين مصلحين.
وقد تمر بالأمة ذكريات عظام، منها ما هو سارٌّ، كالانتصارات التي تحققت بفضل الله للمسلمين قديما، مثل غزوة بدر، أو حديثا كنصر العاشر من رمضان على اليهود أعداء الله وأعداء الإنسانية، ومنها ما هو مُحزن مثل نكبة يونيو عام سبعة وستين وتسعمائة وألف من الميلاد، وما نتج عنها من تداعيات على الأمة الإسلامية، حيث تمدد الاستيطان اليهوديّ الخبيث حتى شمل القدس الشريف كاملة..
مثل تلك المناسبات لا بد أن تُوظَّف لإنعاش ذاكرة الأمة، وأخذ العظات والعبر، وبيان الحقائق التي يراد لها أن تُحجَب أو تُغيَّب عن الأجيال..
بمثل هذا يمكن أن نوظف المناسبات والأحداث، سواء أكانت فردية خاصة، أم جماعية عامة.
هكذا يتبين لنا - أيها الأعزاء - أن حياتنا نحن المسلمين - بكل ما فيها من أعمال - يجب أن تكون منضبطة بأحكام الدين في كافة الجوانب وسائر الأحوال والأمور، وفي جميع الأوقات والمناسبات..
والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.



[1] "فالنتاين" هو قسيس نصراني عاش في القرن الثالث الميلادي.
وهناك روايات حول "فالنتاين"، ومنها: أن المسيحية لما انتشرت في أوروبا لفت نظرَ بعض القساوسة طقسٌ رومانيٌّ في إحدى القرى الأوروبية؛ يتمثل في أن شباب القرية يجتمعون منتصف فبراير من كل عام ويكتبون أسماء بنات القرية ويجعلونها في صندوق، ثم يسحب كل شاب اسماً من هذا الصندوق، والتي يخرج اسمها تكون عشيقتَه طوال السنة، حيث يرسل لها على الفور بطاقة مكتوبا عليها: (باسم الإلهة الأم أرسل لك هذه البطاقة).
وتستمر العلاقة بينهما، ويضع نفسه في خدمة صاحبة الاسم المكتوب لمدة عام يختبر كل منهما خلق الآخر، ثم يتزوجان، أو يعيدان الكرة في العام التالي في يوم العيد أيضا!! وجد القساوسة أن هذا الأمر يرسخ العقيدة الرومانية، ووجدوا أن من الصعب إلغاءَ الطقس، فقرروا بدلاً من ذلك أن يغيروا العبارة التي يستخدمها الشباب من (باسم الإلهة الأم) إلى: (باسم القسيس فالنتاين)، وذلك كونه رمزاً نصرانياً، ومن خلاله يتم ربط هؤلاء الشباب بالنصرانية.

شارك الخبر

ساهم - قرآن ٢