أرشيف المقالات

الإسلام عقيدة وعمل

مدة قراءة المادة : 6 دقائق .
2الإسلام عقيدة وعمل
 
سأل سائل مسترشد: ما هو الإسلام؟
وجوابه إجمالًا ما يأتي: الإسلام عقيدة وعمل:
فأما العقيدة، فهي إيمان بالله؛ يملأ القلب، ويخالط اللحم والدم، ويفيض على الجوارح والمشاعر، فيوجِّه المؤمنين حقًّا إلى الخير والرُّشد والجمال، ويسعى بهم حثيثًا إلى ما تنشده الإنسانية من السعادة والكمال، إيمان لا تشوبه شائبةُ شكٍّ بأن الله تعالى خالقُ هذا الكون البديع ومدبِّرُه والمهيمن عليه وحده، لا شريك له ولا معين ولا مثيل، موصوف بما وصف به نفسَه مما يليق بعظمته وجلاله، ومنزَّه عما تعالى عنه وتقدَّس مما لا يتفق مع عزته وجماله: ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ ﴾ [الإخلاص: 1 - 4]، ﴿ لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ﴾ [الأنعام: 103]، ﴿ فَاطِرُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ * لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ [الشورى: 11، 12].
 
تفضَّل على الخلق بنعمة الإيجاد، ونِعَمُه لا تحصى، فخَلَقَهم وهو غنيٌّ عنهم؛ لا تنفعه طاعتُهم، ولا تضرُّه معصيتُهم: ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ﴾ [فصلت: 46].
 
ولا يتم الإيمانُ بالله تعالى إلا مع الإيمان بملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقضاء والقدر خيرِه وشرِّه، حلوه ومُرِّه، وبكل ما أخبَرَنا به سبحانه من ملكوت السماوات والأرض وعالم الغيب والشهادة.
 
وقد جعل ملائكتَه أُولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع، ووصفهم بأنهم لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسِرون، يسبِّحون الليلَ والنهار لا يفتُرون، ومنهم حملةُ العرش، والحفظة على العباد، وكاتبو الحسنات والسيئات: ﴿ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ﴾ [ق: 18].
 
وأشهر الكتب أربعة: التوراة، والإنجيل، والزبور، والقرآن، وهو خاتمها، ومُصدِّق لها قبل أن يقعَ فيها التبديلُ والتحريف، وقد تكفَّل اللهُ بحفظه؛ إذ قال: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ [الحجر: 9]، ﴿ لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ﴾ [فصلت: 42].
 
والرسل أناسٌ من بني آدم فضَّلهم الله على عباده واختارهم لرسالته، وأنزل عليهم بواسطة الملائكة كتبَه وشرائعه، وهم كثيرون نؤمن بهم جميعًا ﴿ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ ﴾ [البقرة: 285]، وأفضلُهم وأشهرهم: نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد خاتم النبيين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
 
واليوم الآخِرُ هو يوم القيامة، وفيه البعثُ والحشر والعرض والجزاء ﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ﴾ [الزلزلة: 7، 8]، وللجزاء داران: هما الجنة والنار، والنعيم والشقاء فيهما للروح والبدن جميعًا: ﴿ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ ﴾ [الأنبياء: 104].
 
وعقيدة القضاء والقدر تبعث في صاحبها الشجاعةَ والإقدام، وتُربِّي فيه العزة والكرامة؛ لأن مَن أيقن أنه لن يصيبَه إلا ما كتب الله له، لا يذلُّ لأحد كائنًا من كان، ولا يخاف ذا بأس ولا سلطان، إلا واحدًا فقط بيده النفع والضُّرُّ وهو على كل شيء قدير؛ ولذا لم يَفِرَّ نبيٌّ من عدو قط؛ لأن الأنبياء أعظم الناس إيمانًا بالله، ولن يجتمعَ جبن أو خوف أو ذل مع إيمان صادق أبدًا، وما عرَف المسلمون التواكلَ والكسل إلا في الأزمنة التي جهلوا فيها معنى القضاء والقدر، كما جهلوا أعاجيبَ هذه العقيدة وفعلها في المسلمين الأولين، والفاتحين الراشدين، ولعل في وصية الصِّدِّيق: "احرص على الموت، تُوهبْ لك الحياة" إيجازًا بليغًا، وبيانًا لعقيدة القدر شافيًا.
 
وأما العمل، فذو شُعَبٍ كثيرة، كلها تتعاون على تربية الفرد والجماعة؛ جسمًا وعقلًا، وروحًا واجتماعًا، وترقى بالإنسانية إلى ما قُدِّر لها من كمال؛ منها: الصلاة والزكاة، والصوم والحج، وبر الوالدين والصدق، والصبر والحِلم، والحكمة والشجاعة، والجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إلى غير ذلك من أصول الاجتماع والمكارم، ومحاسن الشِّيَمِ والخِصال، وقد أشار الحديثُ الشريف إلى هذه الشُّعَبِ كلها؛ إذ يقول: ((الإيمان بضع وسبعون شعبة، فأعلاها لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان))، وشرْحُ كلِّ واحدة فيها على حدة، وبيان مكانها من الإسلام يحتاج إلى كتاب.
ومنزلة العمل من العقيدة كمنزلة البُنيانِ من الأساس؛ لا يصلح أحدهما ولا يقوم دون صاحبه[1].
 
ومن المغالطة والسَّفَهِ الذي لا يُغتفر: قياسُ الإسلام بالمنتسبين إليه وهو منهم بَراءٌ؛ وإنما يُقاس بأهله والمُستمسكِين به من الكثرة الكاثرة في الأعصُرِ الأولى أيامَ عزته وقوته، والقلة النادرة في العصور المتأخرة التي ضعُف فيها الإسلام وأصبح أهله غُثاءً كغثاء السَّيل، لا دنيا ولا دين، تلك العصور التي عاد فيها الإسلامُ غريبًا كما بدأ، فطوبى للغرباء، والسلام على مَن اتبع الهدى.



[1] ولذا لا يكاد يُذكر أحدهما في القرآن دون صاحبه: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا ﴾ [الكهف: 30]، ﴿ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾ [العصر: 1 - 3].

شارك الخبر

المرئيات-١