أرشيف المقالات

الاعتقاد في الأوهام والخرافات

مدة قراءة المادة : 6 دقائق .
الاعتقاد في الأوهام والخرافات

إن المعايش لأحوال بعض المسلمين يلحظ تفشي الاعتقاد في خرافات وأوهام وخزعبلات، بل وصل الأمر بأن تُبنى عليها قرارات بالإيجاب أو النفي، ويتضح ذلك جلياً من خلال ما يتناقل عبر وسائل الإعلام المختلفة وكثرة الأسئلة والاستفسارات التي تَرِدُ على العلماء والدعاة وطلبة العلم، ومن أمثلتها: طنين الأذن، أو أَكَلان اليد، أو الرجل، أو رفيف العين، وقد يصل بهؤلاء إلى حد التشاؤم من بعض الأشخاص والحيوانات، وما شابه ذلك، وهذا كله من الاعتقادات الجاهلية، والتي جاء الإسلام وأبطلها فيما بعد.
قال الله تعالى: ﴿ قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ﴾[1]
 
"إن الله هو المتولي لأمورنا الدينية والدنيوية، فعلينا الرضا بأقداره، وليس في أيدينا من الأمر شيء، ويجب الاعتماد عليه في جلب المصالح ودفع المضار، والثقة به في تحصيل المطلوب، فما خاب من توكل عليه، وأما من توكل على غيره، فإنه مخذول غير مدرك لما أمل" [2].
 
ومن وصايا النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عباس رضي الله عنهما: "وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَو اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ، وَلَو اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ".[3]
 
قال ابن رجب - رحمه الله -: إنَّ ما يُصيب العبدَ في دنياه مما يضرُّه أو ينفعه، فكلُّه مقدَّرٌ عليه، ولا يصيبُ العبدَ إلا ما كُتِبَ له من ذلك في الكتاب السابق، ولو اجتهد على ذلك الخلق كلهم جميعاً[4].
 
إن الأمر جد خطير لعلاقته المباشرة بجناب التوحيد الذي جاءت الشريعة الإسلامية بالعناية به والمحافظة عليه من أن تشوبه أي شائبة؛ لأن الخالق والنافع والضار والرازق والمغني ومن بيده ملكوت السموات والأرض هو الله تعالى جل جلاله، وليس لأحد كائناً من كان تأثير على أحد إلا بعلم الله تعالى وبأمره وبتدبيره.
 
وقد جاء في الحديث الشريف عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لَا عَدْوَى وَلَا طِيَرَةَ وَلَا هَامَةَ وَلَا صَفَرَ "[5].
 
ومعنى ألفاظ الحديث:

• "لا عدوى": مجاوزة العلة صاحبَها إلى غيره، والمنفيُّ ما كان يعتقده أهل الجاهلية أن العلة تسري بطبْعها لا بقدر الله.• ولا طيَرة: التشاؤم بالطيور والأسماء والألفاظ والبقاع والأشخاص.• ولا هامة: الهامة بتخفيف الميم: البُومة كانوا يتشاءمون بها، فجاء الحديث بنفي ذلك وإبطاله.• ولا صفر: قيل المراد به: حيةٌ تكون في البطن تصيب الماشية والناس، يزعمون أنها أشد عدوى من الجرب، فجاء الحديث بنفي هذا الزعم، وقيل المراد: شهر صفر كانوا يتشاءمون به، فجاء الحديث بإبطال ذلك"[6].

 
إن أيَّ رقيٍّ أو تقدم للأمم بدون صفاء التوحيد ونقائه رقيٌّ وتقدم زائف لا يريح القلب، ولا يسعد البشرية، بل ربما يكون مصدر شقاء وتعاسة؛ لأن الطريق الموصل إلى الله جل جلاله قد اعترضته شوائب تحول دون تحقيق العبادة الحقة لله تعالى، التي هي غاية وجود الإنس والجن، قال تعالى: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ [7].
 
إن الإنسان المسلم العاقل والموفق قبل أن ينطلق في رحاب الكون الفسيح بالنظر والإعمار والبناء والتشييد، ليطَّلعُ على أسرار وبدائع صنع الله تعالى، فمن الضروري أن يصحح اعتقاده؛ لأنه هو المنطلق السليم للرقي بالأمة المسلمة، فأي رقي وأي تقدم لا ينضبط بعبادة الله تعالى وشرعه فإن مصيره إلى الانهيار والزوال، شئنا أم أبينا حالًا أو مستقبلاً.
 
ولذلك ينبغي على كل المؤسسات الدعوية والتربوية الرسمية وغير الرسمية العمل على ترسيخ الإيمان واليقين في نفوس المسلمين؛ من خلال الندوات والمحاضرات والدروس العلمية والأفلام القصيرة في الإعجاز العلمي في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة لبيان عظمة الخالق، وتُنشر عبر وسائل الإعلام وتُضمَّن في المناهج الدراسية لمراحل التعليم المختلفة للتأكيد على أن الأمور كلها بيد الله وقدرته ومشيئته سبحانه وتعالى، ولا ينفع أحد إلا الله، ولا يحدث ضرر إلّا بعلم الله وإرادته، فنتوكل عليه ونحسن العمل الجاد المثمر؛ فهو حسبنا ونعم الوكيل.

[1] سورة التوبة، الآية رقم: 51.

[2] السعدي، تيسير الكريم المنان في تفسير كلام الرحمن، ص 338- 339.

[3] الترمذي، سنن الترمذي، كتاب: صفة القيامة والرقائق والورع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب: منه، حديث رقم: 2440، صححه الألباني في تعليقه.

[4] ابن رجب، جامع العلوم والحكم في شرح خمسين حديثاً من جوامع الكلم، الحديث التاسع عشر، ص 29.

[5] البخاري، صحيح البخاري، كتاب: الطب، باب: لا هامة، حديث رقم: 5316.

[6] الفوزان، صالح، الملخص في شرح كتاب: التوحيد، دار العاصمة، الرياض، الطبعة: الأولى، 1422هـ - 2001م، ص 228.

[7] سورة الذاريات، الآية رقم: 56.

شارك الخبر

ساهم - قرآن ٣