منتدى القراء
قارون العصر
محمد أحمد عسيري
تأتي قصة قارون في القرآن الكريم موضحة إحدى صور الطغيان والعنجهية
البشرية، وراسمة سببًا من أسباب تفاقم (الأنا) «أو حب الذات ومراحل تطورها
حتى أدت إلى التعاظم على القدرة الإلَهية المانحة والسالبة، في لوحة عنوانها
» جنون العظمة «.
تلك اللوحة القديمة في واقعها، والمتجددة في تعدد أشكالها وأنماطها نجدها
تتكرر اليوم في مشابهة ضمنية لسابقتها، ولإن كان تضخم المال طغى على بصيرة
قارون موسى، حتى جعله لا يرى فيه إلا عبقرية متناهية وجدارة مستعلية، فإن
هذا العصر يزخر بصورة أشد استعلاءًا وطغيانًا، إذ إن هذا القارون الورقي أوتي
من القوة الإقتصادية ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة، فأصبح عند أناس
السيد المتعالي، والقوي القاهر، والعظيم المشرأبةُ إليه الأعناق، والكبير المشار
إليه بالبنان.. فأصبح لسان حال هؤلاء يقول: يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون، إنه
لذو حظ عظيم، فكانوا أشباهًا صغيرة تتقمص شخصيته لتزدلف إليه بهذا التقمص،
عسى أن يمنحها شيئًا من استعلائه، ولكن أنّى لهم أن يصلوا إلى صدارة كبيرهم
الذي علمهم السحر؟ ! .
فيا ترى ما قصة هذا القارون العصري؟ !
أستطيع أن أقول إن فوح طغيانه يتقزز من استنشاقه كل فرد، ورياح زفراته
تكاد تقتلعَ من على الأرض.. كان طفلًا ربيبًا فنما، حتى أضحى شابًا يافعًا ندي
المنظر تتفتق عن سواعده متانة العضلات وصلابة العظام، وكانت تنمو معه عقدة
(الأنا) حتى أمست ذروة جبل، فلبس تاج الاستبداد، ومد له بساط الطاعة
والاحترام، فصارت الدنيا في نظره سادةً وعبيدًا، وآمرًا ومطيعًا فتجده رأسًا من
رؤوس الاستعمار، ورمزًا من رموز العبث والخراب، حتى غدت آثاره بارزة
للعيان تحدث بها أوضاع العباد، وتشكو منها البوادي والآكام، فلا أدل على آثاره
من فرض الحصار، وزعزعة الاستقرار، وتخطيط الحدود، ورؤى الحلول،
وحرق الفلول، واقتحام الدور، واستلاب الحقوق.. كل ذلك يتم على مسرح الدنيا
خلف أستار من دعاوى الحقوق زاهية الألوان، وتحت رؤى أنظار يلفتها هذا البهاء
عن حقيقة الادعاء.
إن هذا القارون يمثل الروح الباعثة لكل هذا الطغيان في جسد تلك المرأة
الشوهاء، التي استفهم عنها الشاعر في قوله:
من هذه المرأة الشوهاء، أحسبها ... وقد تراءت أمامي، شر مخلوق؟
بدت أمامي بسمت لا نظير لها ... لوجه مستحدث والعقل إغريقي
أجابني ساخرًا مني: أتجهلها؟ ! ... هذه العظيمة ذات الخيل والنوق؟ !
منتدى القراء
قارون العصر
محمد أحمد عسيري
تأتي قصة قارون في القرآن الكريم موضحة إحدى صور الطغيان والعنجهية
البشرية، وراسمة سببًا من أسباب تفاقم (الأنا) «أو حب الذات ومراحل تطورها
حتى أدت إلى التعاظم على القدرة الإلَهية المانحة والسالبة، في لوحة عنوانها
» جنون العظمة «.
تلك اللوحة القديمة في واقعها، والمتجددة في تعدد أشكالها وأنماطها نجدها
تتكرر اليوم في مشابهة ضمنية لسابقتها، ولإن كان تضخم المال طغى على بصيرة
قارون موسى، حتى جعله لا يرى فيه إلا عبقرية متناهية وجدارة مستعلية، فإن
هذا العصر يزخر بصورة أشد استعلاءًا وطغيانًا، إذ إن هذا القارون الورقي أوتي
من القوة الإقتصادية ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة، فأصبح عند أناس
السيد المتعالي، والقوي القاهر، والعظيم المشرأبةُ إليه الأعناق، والكبير المشار
إليه بالبنان.. فأصبح لسان حال هؤلاء يقول: يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون، إنه
لذو حظ عظيم، فكانوا أشباهًا صغيرة تتقمص شخصيته لتزدلف إليه بهذا التقمص،
عسى أن يمنحها شيئًا من استعلائه، ولكن أنّى لهم أن يصلوا إلى صدارة كبيرهم
الذي علمهم السحر؟ ! .
فيا ترى ما قصة هذا القارون العصري؟ !
أستطيع أن أقول إن فوح طغيانه يتقزز من استنشاقه كل فرد، ورياح زفراته
تكاد تقتلعَ من على الأرض.. كان طفلًا ربيبًا فنما، حتى أضحى شابًا يافعًا ندي
المنظر تتفتق عن سواعده متانة العضلات وصلابة العظام، وكانت تنمو معه عقدة
(الأنا) حتى أمست ذروة جبل، فلبس تاج الاستبداد، ومد له بساط الطاعة
والاحترام، فصارت الدنيا في نظره سادةً وعبيدًا، وآمرًا ومطيعًا فتجده رأسًا من
رؤوس الاستعمار، ورمزًا من رموز العبث والخراب، حتى غدت آثاره بارزة
للعيان تحدث بها أوضاع العباد، وتشكو منها البوادي والآكام، فلا أدل على آثاره
من فرض الحصار، وزعزعة الاستقرار، وتخطيط الحدود، ورؤى الحلول،
وحرق الفلول، واقتحام الدور، واستلاب الحقوق.. كل ذلك يتم على مسرح الدنيا
خلف أستار من دعاوى الحقوق زاهية الألوان، وتحت رؤى أنظار يلفتها هذا البهاء
عن حقيقة الادعاء.
إن هذا القارون يمثل الروح الباعثة لكل هذا الطغيان في جسد تلك المرأة
الشوهاء، التي استفهم عنها الشاعر في قوله:
من هذه المرأة الشوهاء، أحسبها ... وقد تراءت أمامي، شر مخلوق؟
بدت أمامي بسمت لا نظير لها ... لوجه مستحدث والعقل إغريقي
أجابني ساخرًا مني: أتجهلها؟ ! ... هذه العظيمة ذات الخيل والنوق؟ !