أرشيف المقالات

أهمية حسن اختيار عبارات الكلام..

مدة قراءة المادة : 4 دقائق .
2أهمية حُسن اختيار عبارات الكلام
 
الحمد لله، وصلى الله وسلم وبارك على مصطفاه وعلى آله وصحبه ومَن والآه، أما بعد:
فقد كان من هدي النبي (صلى الله عليه وسلم) حرصُه على انتقاء العبارات المناسبة التي تصف الواقع، وتتوافق مع تمام كمال الأدب مع قدر الله (تعالى) وقضائه، وتناسب الحال القائم، وتتلاءَم مع طبيعة الموقف وتتوافق معه، ومن ذلك ما ورد عنه أنه (عليه الصلاة والسلام) كانَ إذا رأى ما يُحبُّ قالَ: (الحمدُ للَّهِ الَّذي بنِعمتِهِ تتمُّ الصَّالحاتُ)، وإذا رأى ما يكرَهُ قالَ: (الحمدُ للَّهِ علَى كلِّ حالٍ)؛ كما أخرجه ابن ماجه في سننه، والطبراني في الأوسط، وغيرهما، ومما تقدم تظهر أهميةُ حُسن اختيار العبارات وجمال انتقاء الكلمات، خاصة في الخطابات الموجَّهة إلى الآخرين؛ من الكلمات والمنشورات والإعلانات والدعوات العامة والخاصة، ونحوها، مع تجنُّب استعمال بعض المفردات التي قد يُفهم منها غيرُ قصدِ المتكلم، ومما يمكن التذكير به في هذا الجانب على سبيل المثال للتصحيح لا التشهير ما يلي:
• كتب أحد الفضلاء معلنًا وفاةَ عمِّه (رحمه الله) في رسالة أرسلها لأصحابه ومحبيه، مبتدئًا رسالته بقوله: اللهم لك الحمد، ببالغ الحزن..
 
وكان قصده الرضا والتسليم لقدر الله وقضائه، ولكن قد يفهم المتلقي من مثل هذا الخطاب، وما افتتَح به كلامه - أن المتكلم فَرِحٌ بهذا الأمر، والواقع عكس ذلك تمامًا، لكن المتحدث لم يوفَّق في اختيار العبارة المناسبة.
 
• ومن ذلك أيضًا ما كتبه أحد أئمة المساجد الكرام جزاه الله خيرًا في رسالة نصية إلى رواد مسجده يخبرهم فيه بتعطل حمامات المسجد، حتى يتهيأ المصلون إلى الاستعداد للصلاة من الوضوء ونحوه في بيوتهم، وهذا من حكمته وحرصه، فكتب عبارة: بفضل الله تعالى تمت المباشرة بترميم حمامات المسجد.
 
ولو اختار عبارة أخرى بدلًا من عبارة (فضل الله)، لكانت والله أعلم أنسبَ وأرقَّ وألطفَ، مثل: تَم بحمد الله كذا وكذا، أو تَم بعون الله، أو يُرجى العلم، أما كلمة (فضل الله)، فلا تناسب هذا المقام فيما يبدو.
 
• كما يختلط على بعض الأشخاص أحيانًا اختيار العبارة المناسبة في موقف ما؛ نتيجة رهبة الموقف أو شدة وقْعه وهَوْله، كما يحصل ذلك مثلًا عند تعزية ذوي المتوفى، كأن يقول المعزي: كل عام وأنتم بخير، أو عيدكم مبارك، وغيرها من العبارات التي تصدر من دون قصد في مثل هذه المواقف، أو عند الوقوف بين يدي مسؤول وغيرها من المواقف المشابهة.
 
• والأمثلة في ذلك تطول، ولا شك أنها أمور ذوقية، وتختلف من شخص إلى آخر، والكلام هنا عن أهمية اختيار الكلمات العبارات المناسبة من أصحاب الشأن وقدوات المجتمع، والتي لا يقصد أصحابها الإساءة إطلاقًا، إنما هم بحاجة إلى تذكير وتوضيح.
 
وربما يقول قائل: وما الضير في صدور كلمة هنا أو عبارة هناك من غير قصد، ولماذا يتم النظر إلى العثرة بدل النظر إلى الخبر أو الإعلان، وفحواه وأهميته، والانتفاع من الفائدة المرجوة منه، بدل هذا التقريع، فأقول: قالت العرب سابقًا: لكل مقام مقال، والكلمة والعبارة الواحدة في ديننا لها وزنها وقيمتها، وفوق كل هذا إننا محاسبون ومؤاخذون على غير المناسب منها، وقد قال الله عز وجل: ﴿ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ﴾ [ق: 18]، وبكلمة واحدة تولد حياة، وتنهدم أسرة، ويغتني المرء، ويفتقر الآخر، وتترتب جملة من الأحكام الشرعية التي لا تحصى على مجرد كلمات تقال.
 
وختامًا ندعو الله (عز وجل) أن يوفِّقنا إلى اختيار الطيب من القول، والله (عز وجل) الموفِّق للصواب.

شارك الخبر

روائع الشيخ عبدالكريم خضير