أرشيف المقالات

مصطلحات الإمام الترمذي 1-2

مدة قراءة المادة : 12 دقائق .
الإمام الترمذي هو الإمام أبو عيسى محمد بن سورة بن موسى بن الضحاك (210 - 279هـ).
وكتابه جامع الترمذي يعد أحد دواوين الإسلام، وصفه بنفسه فقال: "صنفتُ هذا الكتاب فعرضته على علماء الحجاز فرضوا به، وعرضته على علماء العراق فرضوا به، وعرضته على علماء خراسان فرضوا به، ومن كان في بيته هذا الكتاب فكأنما في بيته نبي يتكلم". مصطلحات الإمام الترمذي: المصطلحات التي استخدمها الإمام الترمذي في جامعه للحكم على الأحاديث كثيرةٌ جداً، والاستقراء الدقيق كما يقول الدكتور عداب الحمش يوصلنا إلى أن الترمذي حكم على أحاديث كتابه بستة وتسعين مصطلحاً، (96) منها ما استعمله مرة واحدة، ومنها ما استعمله مئات المرات، ومنها ما استعمله (1641 مرة). من المصطلحات التي استخدمها الترمذي مرة واحدة قوله: (أحسن وأصح) استخدمه في الحديث رقم (2101) أو مرات قليلة كقوله: (أحسن شيء في الباب وأصح) أو قوله: (أصح شيء في الباب وأحسن). أهم المصطلحات التي أكثر منها الإمام الترمذي: قوله (حسن صحيح) استخدمه (1641) مرة.
و(حسن صحيح غريب) استخدمه (321) مرة.
و(صحيح) استخدمه (108) مرات.
و(صحيح غريب) استخدمه (18) مرة.
و(حسن) استخدمه (312) مرة.
و(حسن غريب) استخدمه (557) مرة.
و(حديث لا نعرفه إلا من حديث فلان) استخدمه (209) مرات.
و(غريب) استخدمه (362) مرة. ويمكن تقسيم المصطلحات التي استخدمها الإمام الترمذي حسب قوة الحديث وضعفه إلى الأقسام التالية: القسم الأول: الأحاديث الصحيحة: أو الأحاديث التي يراد بها التصحيح في الغالب، مثل: (حسن صحيح) و(صحيح غريب) و(صحيح حسن غريب).
وقد اختلف العلماء في أعلى هذه المراتب صحة، فمنهم من قال إن مصطلح حسن صحيح أعلى درجة من صحيح، ومنهم من قال العكس. يعد مصطلح (صحيح) ومصطلح (حسن صحيح) من أقوى درجات الصحة عند الترمذي، أما قوله (صحيح حسن غريب) فهو نادر، حيث كان يطلقه على أحاديث قليلة، وهي صحيحة، وهي أقوى من قوله: (غريب حسن صحيح) ويظهر من تتبع كتابه أنه كان أكثر من استخدام مصطلح (صحيح غريب) في الشطر الأخير من كتابه الجامع، وهي عامة الأحاديث التي ليست في الأحكام، ويعد هذا الحكم في نظره أدنى ألفاظ التصحيح، وقد حكم بعض العلماء على بعضها بالضعف. لم يفسر الإمام الترمذي مقصده في مصطلح (صحيح) و(حسن صحيح) الذي استخدمه في كتابه الجامع أو في كتابه العلل، كما فسره في مصطلح الحسن والغريب، ولكن جمهور العلماء بعد الترمذي كابن الصلاح والنووي حدوا الحديث الصحيح بأنه الحديث الذي يرويه مُسنده بنقل العدل الضابط عن مثله من أول السند إلى منتهاه، ولا يكون شاذاً ولا معللاً، وزاد الإمام ابن حجر في شرحه للنخبة: عبارة (تام الضبط) حيث قال: وخبر الآحادي بنقل عدلٍ تام الضبط متصل السند، غير معلل، ولا شاذ، هو الصحيح لذاته، وتمام الضبط كما هو معلوم شرط يستحيل وجوده في أحد من الرواة، أما شروط العدالة فهي واضحة معروفة، ومما هو معلوم أن العلماء بعد الإمام الترمذي لم يتفقوا على مقصده في بيان حد الحديث (الصحيح)، هل تنطبق شروط الصحة التي أطلق عليها هذه المصطلحات على الصحيح لذاته أو لغيره، فإن مفهوم الحديث الصحيح لذاته غير وارد عند المتقدمين، ومنهم الإمام الترمذي، ولا يمكن القول بأن الإمام الترمذي كان يريد بهذا المصطلح أكثر من الحديث الصالح للعمل به في بابه، وقد عقد الحافظ ابن رجب فصلاً طويلاً في كتابه (شرح علل الترمذي) لبيان معنى (الحديث الصحيح)، لكنه لم يذكر مقصد الإمام الترمذي في ذلك. المصطلحات التابعة لـ(صحيح): المصطلحات التي تدخل تحت معنى الحديث الصحيح، أو الأحاديث التابعة لمصطلح (صحيح) عند الإمام الترمذي كثيرة جداً منها: (صح عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الباب غير حديث) وقوله: (صح حديث فلان في هذا الباب) و(الصحيح حديث فلان)، و(الحديث صحيح في طرقه) و(إسناده صحيح) و(صحيح غريب) و(صحيح غريب من حديث فلان) و(صحيح غريب لا نعرفه إلا من حديث فلان) و(صحيح غريب لا نعرفه من حديث فلان إلا من حديث فلان) و(صحيح غريب لا نعرفه من حديث فلان إلا من هذا الوجه) و(صحيح غريب من هذا الوجه).
ومن خلال المقارنة بين ما أخرجه الترمذي تحت مصطلح (صحيح) وما أخرجه الإمام البخاري ومسلم نجد أنهما وافقاه في (55) حديثاً، أما الأحاديث التي حكم عليها بقوله: (صحيح غريب) فهي (18 حديثاً)، أخرج منها الإمام البخاري ومسلم (7) أحاديث. قوله: (حسن صحيح): يعد هذا المصطلح من أعقد المصطلحات التي استخدمها الترمذي في الحكم على الأحاديث الصحيحة، وفي هذا المعنى يقول الإمام العراقي في التقييد والإيضاح: في قول الترمذي وغيره (هذا حديث حسن صحيح) إشكالٌ، لأن الحسن قاصرٌ عن (الصحيح) كما سبق إيضاحه.
ففي الجمع بينهما في حديثٍ واحد جمع بين نفي ذلك القصور وإثباته، وجوابه: أن ذلك راجع إلى الإسناد، فإذا رُوي الحديث الواحد بإسنادين: أحدهما إسنادٌ حسن والآخر إسنادٌ صحيح استقام أن يقال فيه: إنه (حديث حسن صحيح) أي إنه حسن بالنسبة إلى إسناد، صحيحٌ بالنسبة إلى إسنادٍ آخر، على أنه غير مستنكر أن يكون بعض من قال ذلك أراد بالحسن معناه اللغوي، وهو ما تميل إليه النفس ولا يأباه القلب، دون المعنى الاصطلاحي الذي نحن بصدده، فاعلم ذلك والله أعلم، وقد تعقبه الإمام ابن دقيق العيد في (الاقتراح) بأن الجواب الأول ترد عليه الأحاديث التي قيل فيها: (حسن صحيح) مع أنه ليس له إلا مخرج واحد، ووجه واحد، أو لا نعرفه إلا من حديث فلان. ونقل الإمام الزركشي في النكت على مقدمة ابن الصلاح عن الإمام ابن كثير قال: أصل هذا السؤال غير متجه لأن الجمع بين الحسن والصحة رتبة متوسطة فالصحيح أعلاها ويليه المنسوب من كل منهما، وهو الصحة والحسن، ويليه الحسن وما كان فيه شبه من شيئين اختص باسم وصار كالمستقل، كقولهم: (هذا حلو حامض) أي: مز، انتهى.
ويلزم على هذا ألا يكون في كتاب الترمذي (صحيح) إلا قليلاً لقلة اقتصاره على قوله: (هذا صحيح) مع أن الذي يعبر فيه بالصحة والحسن أكثره موجود في الصحيحين، ثم هو يقتضي إثبات قسم آخر وهو خرق لإجماعهم، فإن قلت: فما عندك في دفع هذا الإشكال؟ قلت: يحتمل أن يريد بقوله: (حسن صحيح) في هذه الصورة الخاصة الترادف، واستعمل هذا قليلاً تنبيهاً على جوازه، كما استعمله بعضهم، حيث وصف الحسن بالصحة، على قول من أدرج الحسن في قسم الصحيح، ويجوز أن يريد حقيقتهما في إسناد واحد، باعتبار حالين وزمانين، فيجوز أن يكون سمع هذا الحديث من رجل مرة في حال كونه مستوراً، أو مشهوراً بالصدق والأمانة، ثم ترقى ذلك الرجل المسمع وارتفع حاله إلى درجة العدالة، فسمعه منه الترمذي أو غيره مرة أخرى، فأخبر بالوصفين، وقد رُوي عن غير واحد أنه سمع الحديث الواحد على الشيخ الواحد غير مرة وهو قليل، وهذا الاحتمال - وإن كان بعيداً - فهو أشبه ما يقال، وهو راجعٌ لما ذكره ابن دقيق العيد. وكلام الإمام السيوطي في تدريب الراوي يوضح المسألة ويجليها، وفيه الكفاية عن كل ما قيل فيها، حيث جمع أقوال كل من سبقه، وناقشها، ورد عليها، بأقواله وأقوال غيره، ومن لطيف كلامه فيه، قال: أما قول الترمذي وغيره: (حديث حسن صحيح) فمعناه روي بإسنادين أحدهما يقتضي الصحة والآخر الحسن التي يجب معها القبول، فهو صحيح، وإن لم توجد لم يجز الاحتجاج به، وإن سمي حسناً اللهم إلا أن يرد هذا إلى أمر اصطلاحي بأن يقال: إن هذه الصفات لها مراتب ودرجات، فأعلاها وأوسطها يسمى صحيحاً، وأدناها يسمى حسناً، وحينئذ يرجع الأمر في ذلك إلى الاصطلاح، ويكون الكل صحيحاً في الحقيقة. نموذج تطبيقي لما حكم عليه الإمام الترمذي بقوله (حسن صحيح): أخبرنا أحمد بن عبادة الضبي البصري: حدثنا حماد بن زيد، عن عبد العزيز بن صهيب، عن أنس بن مالك، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل الخلاء قال: (اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث) قال أبو عيسى: حديث حسن صحيح. نموذج تطبيقي لما حكم عليه الإمام الترمذي، في الجامع (768) بقوله: (صحيح): حدثنا قتيبة: حدثنا حماد بن زيد عن أيوب، عن عبد الله بن شقيق قال: سألت عائشة عن صيام النبي صلى الله عليه وسلم قالت: (كان يصوم حتى نقول: قد صام، ويفطر حتى نقول: قد أفطر، قالت: وما صام رسول الله صلى الله عليه وسلم شهراً كاملاً إلا رمضان)، وفي الباب عن أنس وابن عباس، قال أبو عيسى: حديث عائشة حديث صحيح. ومن خلال هذا البحث البسيط يتبين لنا أن هذه المصطلحات التي استخدمها الإمام التّرمذي لا يمكن تحديد معانيها بأحوال الرواة، ويصعب توصيفها في ضوء ما تعارف عليه المتأخرون من علماء الحديث، وإنما ينبغي تفسيرها وفق منهج الإمام الترمذي نفسه، ومن خلال كلام غيره من العلماء المتقدمين. ومن خلال ما سبق يتبين لنا أن الإمام الترمذي كان يطلق مصطلح (صحيح، أو حسن صحيح) على الحديث الصحيح، وسيتبين لنا في مقال تابع بإذن الله، أنه كان يطلق مصطلح (حسن) على الحديث الذي زال عن متنه الشذوذ والغرابة، إما لكونه مروياً من طرق أخرى كالشواهد، أو لعمل بعض الصحابة بمقتضاه، أو لقوله به، حتى وإن كان في بعض رواته أو إسناده ضعفاً، أو كان به علة بغرابته أو بتفرده.
أما إطلاق المصطلح (صحيح غريب) فقد كان يطلقه رحمه الله تعالى على ما هو حسنٌ أيضاً، وقد يكون معناه عنده لا يختلف عن معنى الحسن الصحيح، أو يكون ذلك من اختلاف النسخ، وهي كما نعلم كثيرة الاختلاف خاصة في توصيف مثل هذه المصطلحات.
أما تفسير هذه المصطلحات في ضوء ربطها بأحوال الرواة فإن ذلك مما يزيد من إشكالات هذه المصطلحات، ويصعب الإجابة عليها من خلال توصيف كلام علماء الأصول، لأحوال الرواة، أو لمسميات علم المصطلح، خاصة عند المتأخرين منهم.

شارك الخبر

مشكاة أسفل ٢