أرشيف المقالات

النظم القرآني عند المفسرين

مدة قراءة المادة : 5 دقائق .
2النظم القرآني عند المفسرين   النظمُ القُرْآني بعبارته التي تشتمل عليها المصاحف صيغة ولغة لفظًا ومعنى عند علماء التفسير وعلوم القُرْآن - وجه من وجوه إعجاز القُرْآن الذي عجزت عنه (الإتيان بمثله) البشرية جمعاء منذ أن نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا.
يقول الباقلاني: (والوجه الثالث: أنه (القُرْآن) بديع النظم، عجيب التأليف، مُتناهٍ في البلاغة إلى الحد الذي يعلم عجز الخلق عنه) [1]؛ اهـ. ويقول القاضي عياض: (الوجه الثاني من إعجازه: صورة نظمه العجيب والأسلوب الغريب المخالف لأساليب كلام العرب ومناهج نظمها ونثرها الذي جاء عليه، ووقفت مقاطع آيِهِ وانتهت فواصل كلماته إليه، ولم يوجد قبله ولا بعده نظير له ولا استطاع أحد مماثلة شيء منه، بل حارت فيه عقولهم وتدلَّهَتْ (تحيَّرت) دونه أحلامهم ولم يهتدوا إلى مثله في جنس كلامهم من نثر أو نظم أو سجع أو رجز أو شعر)[2]؛ اهـ.
ويقول الزركشي: (السادس: وصححه ابن عطية، وقال: إنه الذي عليه الجمهور والحذاق، وهو الصحيح في نفسه، وأن التحدي إنما وقع بنظمه وصحة معانيه وتوالي فصاحة ألفاظه، ووجه إعجازه أن الله أحاط بكل شيء علمًا، وأحاط بالكلام كله علمًا، فإذا ترتبت اللفظة من القُرْآن علم بإحاطته أي لفظة تصلح أن تلي الأولى ويتبين المعنى بعد المعنى، ثم كذلك من أول القُرْآن إلى آخره، والبشر معهم الجهل والنسيان والذهول، ومعلوم بالضرورة أن أحدًا من البشر لا يحيط بذلك، وبهذا جاء نظم القُرْآن في الغاية القصوى من الفصاحة)[3]؛ اهـ.   قلت: مما سبق يتضح ما يلي: أولًا: النظم عند علماء التفسير وعلوم القُرْآن وجه من وجوه إعجاز القُرْآن، وهو طريقة الكلام وأسلوبه (ارتباط آي القُرْآن بعضها ببعض حتى تكون كالكلمة الواحدة، متسقة المعاني، متسقة المباني؛ فإن السورة مهما تعددت قضاياها، فهي كلامٌ واحد، يتعلق آخره بأوله وأوله بآخره، ويترامى بجملته إلى غرض واحد، وارتباط الجمل بعضها ببعض في القضية الواحدة، بل والسور القُرْآنية أيضًا كذلك)، فهو مقابل للشعر، والسجع عند العرب، والقُرْآن معجز بنظمه؛ أي: بخروجه عن أصناف كلامهم وأساليب خطابهم، فهو خارج عن عادتهم، ومعجِز بهذه الخصوصية التي ترجع إلى جملة القُرْآن، وتحصل في جميعه[4].
ثانيًا: هذا التصور وإن لم يكن تعريفًا بالحد فإنه يعطي لنا النظرة العامة حول النظم في منظور علماء التفسير وعلوم القُرْآن. قلت: مع هذا التصور الخاص للنظم بعلماء التفسير وعلوم القُرْآن سواء تقدموا على الإمام عبدالقاهر أم أتوا بعده - لم يغفُلِ المفسرون عن الانتفاع في تفاسيرهم بتلك النظرية العظيمة بحسب تقعيد الإمام عبدالقاهر لها، وتنظيم مسائلها، وتعقب أجناسها، والكشف عن أسرارها، ومناط الجمال فيها، كما سيتضح - إن شاء الله - في المبحث الثاني من الفصل الثالث من هذا الباب[5].
ثالثًا: هذا الإعجاز (النظم) في اللفظ القُرْآني هو خاصيةٌ من خصائص هذا القُرْآن الكريم؛ ولذا صعُب بل استحال تحريفه أو تبديله، وسهُل في الكتب السماوية الأخرى؛ لأنها لم تكن معجِزة بلفظها، وهو على التحقيق يكون بسورة أو قدرها؛ وهو ثلاث آيات، مثل: سورة الكوثر، وليس باللفظة، ولا بالجملة الواحدة.


[1] "إعجاز القرآن" لأبي بكر الباقلاني ت (403هـ)، تحقيق: السيد أحمد صقر، نشر: دار المعارف، القاهرة (ص: 35). [2] "الشفا بتعريف حقوق المصطفى" للقاضي عياض ت (544هـ)، دار الفكر بيروت، (1409هـ = 1988م)، (1/ 264) عند الكلام عن أوجه إعجاز القرآن. [3] "البرهان في علوم القرآن" (2/ 97) عند الكلام عن أوجه إعجاز القرآن. [4] انظر: "إعجاز القرآن" للباقلاني (ص: 35) بتصرف. [5] وهو بعنوان: (موقف المفسرين من نظرية النظم بعد الإمام عبدالقاهر ودورهم فيها).



شارك الخبر

مشكاة أسفل ٢