أرشيف المقالات

معنى الظهار وكفارته

مدة قراءة المادة : 7 دقائق .
2معنى الظِّهار وكفارته
﴿ قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ * الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ * وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ * فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [المجادلة: 1 - 4].   وكان الظِّهار نوعًا آخر من أنواع الإيلاء للنساء، إذا غضب الرجل على زوجته، قال لها: أنتِ عليَّ كظهر أمي. وهو عند الجاهلين طلاق كالإيلاء، فأبطل الإسلام هذا النوع من الظلم، وجعله تحريمًا للزوجة من غير تطليق، وألزم الرجل بكفارة الظهار عقابًا له وردعًا؛ حتى لا تضارَّ النساء، فإذا أدى الكفارة صارت زوجتُه حلالًا. وكفارة الظِّهار عتقُ عبدٍ قبل أن يمس امرأته، فإن لم يجد فعليه صيام شهرين متتابعين كذلك، فإن لم يستطع أطعم ستين مسكينًا. وهذا التكليف من أكبر العوائق التي تصد عن الظهار، وتمنع عن المرأة كثيرًا من الأضرار. وقد نعت الله تعالى مَن يظاهر من زوجته بأنه صاحب منكر من القول وزورٍ.   وسأقص عليك من نبأ الظهار ما تدرك منه مبلغ عناية الإسلام بالأسرة، وحفظه لحقوق النساء، ورفعه الظلم عنهن، ورحمته بهن. تزوجت خولة بنت مالك بن ثعلبة الخزرجية وهي شابة في مقتبل العمر، ونضرة الشباب، صبيحة الوجه، طلقة المحيَّا، حسنة القوام - بأوس بن الصامت، وعاشا معًا عمرًا طويلًا، نعما فيه بحياة سعيدة، وعيشة رغيدة، ثم تقدمت بها السنون، ومع ذلك كانت خولة تحتفظ ببقية من جمالها وروعتها.   دخل عليها زوجها ذات يوم وهي قائمة تصلي فرآها معتدلة القوام، جميلة الهندام، تقف في اعتدال، وتركع في خشوع، وتسجد في رفق وأناة، فتاقت نفسه لها، وانتظرها في لهفة وشوق حتى تسلِّم من صلاتها. فلما سلَّمت أقبل إليها في طيش، وداعبها في خفة، فنفرت منه، فاستحوذ عليه الشيطان وثارت ثائرته، وقال لها: أنت عليَّ كظهر أمي. وكان الظهار - كما علمت - طلاقًا في الجاهلية، بل من أشد أشد أنواع الطلاق؛ لأنه في قطع صلة الزوجية أبعد، وفي التحريم أشد وأوكد. فحارت خولة في أمرها، وشق عليها أن تفارق والدَ بنيها، ورفيق صباها. فذهبت إلى النبي صلى الله عليه وسلم تبثه حزنها، وتخبره بأمرها، وتقص عليه من شأنها،قالت: يا رسول الله، إن أوسًا قد تزوجني وأنا شابة، فبعد أن كبرت سني، وكثر أولادي، جعلني عليه كظهر أمه، وإن لي منه صبية، إن ضممتهم إليه ضاعوا، وإن ضممتهم إليَّ جاعوا. فهل لي من مخرج يصلح ما فسد من الأمر، ويحفظ كيان الأسرة؟!
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى، ولا يقضي برأي من نفسه؛ فمرجعه في كل شأنه الوحي، وهو لم يتلقَّ من قبل في هذه المسألة وحيًا، ولم ينزل عليه قبل ذلك في شأنها قرآن. فناداها رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يا خولةُ، ما عندي في أمرك شيء)). فاشتد حزنها، وازداد ألمها، وقالت: يا رسول الله، ما ذكر طلاقًا، وإنما هو أبو ولدي، وأحب الناس إليَّ، فناداها رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يا خولةُ، ما عندي في أمرك شيء)).   فأخذت تشكو إلى الله، وتتضرع لرب السماء؛ عساه يفرج كربتها، ويكشف غمتها - ويا حبذا من التجأت إليه - يا رب، أشكو إليك فاقتي وحزني، يا من تعلم بحالي وحال صغاري. ثم تلتفت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيقول لها الصادق الأمين: ((يا خولةُ، ما عندي في أمرك شيء)). وكلما قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك، جأرت إلى الله بالشكوى، ولجأت إليه بالدعاء، وألحفت في الرجاء، وهتفت من أعماقها: "ربِّ، إن لي منه صبية صغارًا، إن ضممتهم إليه ضاعوا، وإن ضممتهم إليَّ جاعوا".   وبينما هي في حيرتها واضطرابها، واستغاثتها وشكواها، تصوِّب بصرها إلى السماء مرة، وإلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مرة أخرى، إذا برسول الله صلى الله عليه وسلم يغشاه ما كان يغشاه حينما ينزل عليه الوحي؛ إذ كان يتصبب منه العرق كقطع الفضة، ويثقل جسمه، فلما سُرِّي عنه نادى: ((يا خولةُ، إن الله قد سمع محاورتك، واستجاب لدعائك، وليس على زوجك إلا أن يعتق رقبة، فإن لم يجد صام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع أطعم ستين مسكينًا))، وتلا عليها ما نزل عليه من آي الذِّكر الحكيم: ﴿ قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ ﴾ [المجادلة: 1] حتى بلغ: ﴿ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [المجادلة: 4]. فانفرجَتْ أساريرها، واطمأن خاطرها، ثم قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ليُعتِقْ زوجك رقبة))، قالت: لا يجد يا رسول الله، قال: ((يصوم شهرين متتابعين))،قالت: يا رسول الله، ما به من صيام؛ لأنه شيخ كبير، قال: ((فليُطعِم ستين مسكينًا))، قالت: ما عنده من شيء يتصدق به. وبينما هما كذلك إذ جيء رسول الله صلى الله عليه وسلم بتمر، فقدمه إليها لتدفعه لزوجها ليُطعم به ستين مسكينًا، فأطعم أوسٌ المساكين، وعادت خولة إلى عُشها الأمين.



شارك الخبر

فهرس موضوعات القرآن