أرشيف المقالات

صرخة التوحيد (لا إله إلا الله)

مدة قراءة المادة : 6 دقائق .
2صرخة التوحيد (لا إله إلا الله)   إني لأعجب حين أكون في أي مكان، أسير في الطريق فيقع نظري على مُحرَّمات لا تُحصى ولا تُعَدُّ: نساء كاسيات عاريات مائلات مميلات رؤوسهن كأسنمة البُخْت المائلة، واختلاط ماجن بينهن وبين شباب ماجن لا يعرف له رجولة، له قصَّات شعر كأسنمة البُخْت، أو ذيل حِصان يتجمَّل به الفتى وكأنه أُنْثى، يلبسون بناطيل ممزَّقة موضة العصر.   وأنا لا أستطيع أن أُنكر أو أن أنصح، فيضيق صدري، وأريد أن أصرخ بأعلى صوتي: "لا إله إلا الله" هل هناك إله غير الله يُعبَد هنا؟! لا تستطيع أن تُذكِّر بالله؛ إن هوى النفس هنا هو المعبود ﴿ أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ ﴾ [الجاثية: 23].   وأعجب حين أفتح التلفاز لسماع الأخبار، لا أجد فيها خبرًا يسُرُّ مسلمًا، فأريد أن أصرُخَ بأعلى صوتي "لا إله إلا الله"، فمن يسمعني؟! من المنقذ من هذا؟! لقد ابتعد هذا وذاك عن "لا إله إلا الله"، فقد جعلنا لأعداء الله مكانةً في نفوسنا، وهذا ما يأباه لله لنا: ﴿ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 22].   وهذا ما أشار إليه رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم؛ حيث قال:)) إن أخْوَفَ ما أتَخَوَّفُ على أُمتي الإشْراكُ بالله، أما إنِّي لَسْتُ أَقُولُ يَعْبُدُونَ شَمْسًا ولا قَمَرًا ولا وَثَنًا، ولكنْ أَعْمالًا لِغَيْرِ اللَّه، وَشَهْوةً خَفِيةً)؛ (ابن ماجه).   لذلك تكالبت علينا الأُمَم، وهذا ما نبَّأنا به رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم حيث قال: يُوشِكُ الأُمَمُ أَنْ تَداعى عَلَيكُمْ كَما تَداعى الأكَلَةُ إلى قَصْعَتِها» فقال قائل: ومِن قلَّةٍ نحن يومئذٍ؟!قال: ((بل أَنتُمْ يَومَئِذٍ كَثِيرٌ، وَلَكِنكُمْ غُثاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ، وَلَيَنْزِعَنَّ اللهُ مِنْ صُدُورِ عَدُوِّكُمْ الْمَهابةَ مِنكُمْ، وَلَيَقذِفَنَّ اللهُ في قُلُوبِكُمُ الوَهَنَ))، فقال قائل: يا رسول الله، وما الوَهَن؟ قال: ((حُبُّ الدُّنيا وَكَراهِيَةُ المَوتِ))؛ (أبو داود وأحمد).   والأمثلة كثيرة عن بُعْدنا عن عقيدة "لا إله إلا الله"، هذه العقيدة تعني أنه لا معبود يستحقُّ العبادة إلا الله، فهي تتكوَّن من ركنين أساسيين، الأول: نفي الألوهية الحقيقية عن غير الله سبحانه، والثاني: إثبات الألوهية الحقيقية له سبحانه دون من سواه.   فكلمة "لا إله إلا الله" هي كلمة التوحيد الخالص، وهي أعظم فريضة فرضها الله على عباده، وهي من الدين بمنزلة الرأس من الجسد، وكلُّ ما سواها فرعٌ عنها وتابعٌ لها، فالشهادة بها هي مفتاح الدخول للإسلام، والصلاةُ والزكاة، والصيامُ والحج، وكلُّ فرائض الإسلام هي تحقيقٌ لهذه الجملة وتعبيرٌ عنها، فهي أعلى شعب الإيمان؛ قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((الْإِيمانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ - أَوْ بِضْعٌ وَسِتُّونَ - شُعْبَةً، فَأَفْضَلُها قَوْلُ لا إلهَ إلَّا اللهُ، وَأَدْناها إماطةُ الْأذَى عَنِ الطَّرِيقِ، وَالْحَياءُ شُعْبةٌ مِنَ الْإِيمانِ))؛ (مسلم).   وقول: "لا إله إلا الله"، هو إعلان التوجُّه الكامل والقَصْد والبذل بإخلاص لوجه الله لنَيْل رضاه ورجاء رحمته، وهو إعلان للاستسلام والانقياد الكامل لكلِّ أوامر الله، وإتيانها على أكملِ وجه ممكن.   وهو نفيُ الانقياد لغير لله، أو الولاء والطاعة إلا تحت مظلَّة طاعة الله، وما خرج عن ذلك فلا طاعةَ فيه، فأي عمل انتُفي عنه الإخلاص وقصد رضا الله، فهو غير مقبول.
فهل نحن في حياتنا نتطهَّر من الشِّرْك أولًا قبل أن تنطلق ألسنتُنا بهذا القول: "لا إله إلا الله"؟ فتجد الكثيرين يردِّدون هذه الكلمات دائمًا، غير أن أفعالهم تُناقِضُها وتُخالفها.   فكثيرون غَرقى في بحار المعاصي والذنوب، وكثيرون لا يَقومون حتى بالفرائض التي تقتضيها هذه الجملة، وكثيرون إن عملوا أشرَكُوا غير الله في توجُّهِهم ونواياهم، وكثيرون يأخذون بعض واجبات هذه الجملة ويتركون بعضها، وكأنَّ هذا الجيل من أُمَّتنا لم يأخذ من الإسلام إلا اسمَه وبعضَ الشعائر التعبُّديَّة فقط.   نحن نحتاج إلى صرخة التوحيد في قلوبنا وعقولنا وألسنتنا، صرخة تُدوِّي في أرجاء النفس والوجدان، لينتقل أثرها لغيرنا، ولنصدق النية مع الله، فهو مولانا ونِعْم النصير.   نحن جميعًا في مركبة واحدة يحتاج بعضُنا إلى بعض في العمل قبل النُّصْح والتوجيه، نحتاج إلى التعاوُن على إعلاء كلمة التوحيد قولًا وعملًا، وليبدأ كلٌّ منَّا بنفسه قبل غيره، ويكون قُدْوةً لغيره عملًا قبل قول طبقًا لحكمة: "فعل رجل في ألف رجل خيرٌ من قول ألف رجل لرجل"، نحن لا نحتاج إلى مزيدِ كلام؛ بل نحتاج إلى العمل والبذل، ونشر حقيقة هذا الدين الغائبةِ عن معظم أبنائه، والسعي للقيام بمقتضيات الانتماء لهذا الدين الحنيف، وإن شاء الله لو صدَقنا العَزْم ليسَّر الله لنا؛ ﴿ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ﴾ [العنكبوت: 69].   هيا بنا جميعًا نصرخ صرخة التوحيد. صرخة "لا إله إلا الله" قولًا. صرخة "لا إله إلا الله" فعلًا. صرخة "لا إله إلا الله" عقيدةً. صرخة "لا إله إلا الله" محبَّةً. صرخة "لا إله إلا الله" تصديقًا. صرخة "لا إله إلا الله" انقيادًا. صرخة "لا إله إلا الله" يقينًا. ربنا اجمع هذه الأُمَّة على كلمة التوحيد "لا إله إلا الله".



شارك الخبر

ساهم - قرآن ٣