أرشيف المقالات

ثواب الصبر على المرض

مدة قراءة المادة : 4 دقائق .
2ثواب الصبر على المرض

في العشر الأواخر من رمضان الماضي علِمتُ بوفاة صديقة قديمة لي في ليلة من ليالي العشر، كانت مريضة بالسرطان منذ عدة سنوات، أحسبها على خير ولا أزكيها على الله.
اللهم اغفر لها وارحمها.
 
وقريبة أخرى لي تُوفِّيَتْ في الجمعة الثانية من رمضان لهذا العام، كانت أيضًا مريضة سرطان منذ سنوات عديدة، وكانت في العناية المركزة من قبل رمضان بفترة، وكان أهلها بانتظار وفاتها في أي وقت؛ لأن الحالة كانت في أيامها الأخيرة، ولكن أخَّر الله وفاتها، ورزقها الوفاة في هذه الجمعة المباركة في رمضان هذا العام.
 
أما الحالة الثالثة التي علمت بها في رمضان هذا هي لرجلٍ جارٍ لنا، مريضِ كُلًى، ويقوم بغسيل الكلى منذ سنوات، والعجيب أنه تُوفِّي وهو يغسل الكلى.
 
اللهم اغفر لهم جميعًا، أحسبهم على خير ولا أزكيهم على الله، أحسبهم جميعًا رُزِقوا حسن الخاتمة في أفضل شهر في العام؛ حيث أبواب الجنة مُفتَّحة، وأبواب النار مغلقة.
 
ما استرعى انتباهي أنهم جميعًا مرضى لسنوات يعانون مرارة آلامٍ لا يعلم شدتها إلا الله، يتجرعون أوجاعًا لا يشعر بها إلا هم، أحسبهم - وكل مريض صابر - يصبرون ويحتسبون أجرهم عند الله، وينتظرون الأجر الباقي في الآخرة.
 
يتذكرون حديث رسول الله للمرأة التي كانت تُصرَع، فخيَّرها النبيُّ بين أن تصبر ولها الجنة، أو يدعو الله لها فتُشفى، فاختارت الصبر والجنة، والعاقبة الحسنة في الدار الباقية.
 
يُمنَعون من كثير من الطعام ومُتَع الدنيا، فيطمعون في فضل الله في جنة فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.
 
يعلمون أنما هي أيام قلائل، وبعدها حياة خالدة في صحة وعافية ونعيم؛ قال تعالى: ﴿ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴾ [القصص: 60].
 
يعلمون أن عِظَمَ الجزاء من عظم البلاء، وأن الله إذا أحب قومًا ابتلاهم.
 
يأمُلون في سماع الملائكة وهي تدخل عليهم من كل باب، قائلين: سلام عليكم بما صبرتم؛ ﴿ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ * سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ ﴾ [الرعد: 23، 24].
 
يتذكرون حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يَوَدُّ أهل العافية يوم القيامة حين يُعطى أهل البلاء الثوابَ، لو أن جلودهم كانت قُرِضت في الدنيا بالمقاريض))؛ [رواه الترمذي، وحسنه الألباني]، فيحسنون الظن بربهم أنه سيفيض عليهم من الأجر في الآخرة بما صبروا.
 
يسمعون قوله تعالى: ﴿ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ [الزمر: 10]، وقوله: ﴿ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾ [البقرة: 153]، وقوله: ﴿ وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ ﴾ [آل عمران: 146]، وقوله تعالى: ﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ﴾ [البقرة: 155].
 
فيثقون في كلام الله ويصبرون، إذا كان ذلك سيجعل الله يحبهم ويكون معهم.
 
إلى كل مريض يئنُّ، ولا يسمع أنينه إلا الله.
إلى كل مبتلًى في جسده أو ماله أو ولده.
إلى كل حزين لا يبُثُّ حزنه إلا لله.
إلى كل مُشتكٍ من آلام نفسية أو جسدية لا يعلم بها إلا الله.
اصبر أخي، اصبري أختي.
أيْقِنْ فيما عند الله.
ارضَ بقضائه فيك؛ فهو عليم بك، ولن يكلفك إلا ما تستطيع.
تذكَّر الأجر الجزيل، وتكفير الذنوب التي تتساقط مع كل تأوُّهٍ، وكل أنين، وكل وجع.
اصبر؛ فإن عاقبتك خيرٌ إن شاء الله.

شارك الخبر

فهرس موضوعات القرآن