أرشيف المقالات

البركة (فوائد من مصنفات الشيخ ابن عثيمين رحمه الله)

مدة قراءة المادة : 42 دقائق .
2البركة (فوائد من مصنفات الشيخ ابن عثيمين رحمه الله)   الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فربُّنا جل جلاله كثيرُ الخيرات والبركات، وبركاته عز وجل لا حدَّ ولا نهاية لها، وكم من قليلٍ نفع كثيرًا بالبركة التي يجعلها الله فيه، وكم من كثيرٍ لم ينفع إلا قليلًا؛ لأن الله جل وعلا نزع منه البركة، قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: الله تعالى إذا أنزل البركة في شيء سدَّ ما يسده غيره بأضعاف مضاعفة، وإذا نُزعت البركةُ من شيء، فما أسرع ما يزول ولا ينتفع به الإنسان!وقال رحمه الله: إذا أنزل اللهُ البركة لشخص فيما أعطاه، صار القليلُ منه كثيرًا، وإذا نُزعت البركة، صار الكثيرُ قليلًا، وكم من إنسان يجعل الله على يديه من الخير في أيام قليلة ما لا يجعل على يد غيره في أيام كثيرة! وكم من إنسان يكون المال عنده قليلًا؛ لكنه مُتنعِّم في بيته، قد بارك الله في ماله، وأحيانًا تُحسُّ بأن الله بارك لك في هذا الشيء بحيث يبقى عندك مُدَّةً طويلة.
وتقوى الله بفعل الطاعات، وترك المحرمات، من أهم أسباب نيل البركة؛ قال سبحانه وتعالى: ﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ﴾ [الأعراف: 96]، فمن لم يتَّقِ الله فقد يُعجِّل الله له العقوبة في دنياه، فتُنزع منه البركات، وتكثر عنده الآفات.
والعلامة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله، له كلام عن البركة في عددٍ من مصنفاته، جمعت ما يسَّر الله لي منه، أسأل الكريم أن ينفع به، ويبارك فيه.   معنى البركة قال الشيخ رحمه الله: البركة: هي الخير الكثير الثابت؛ لأن أصلها من البِركة، والبِركةُ واسعة، وفيها ماء قار ثابت؛ فلذلك صار معناها: الخير الكثير الثابت.
من أسباب البركة قال الشيخ رحمه الله: للبركة أسباب كثيرة؛ منها: المنحة من الله عز وجل، أن يبارك للإنسان في علمه وعمره وجميع أحواله، ومنها في المعاملات: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((البيعان بالخيار، فإن صدقا وبينا بُورك لهما في بيعهما، وإن كذبا وكتما محقت بركة بيعهما))، ومنها: امتثال آداب الأكل والشرب؛ مثل: لعق الصحفة، ولعق الأصابع، والاجتماع على الطعام، وألَّا يأكل من أعلاه.
ومنها: ألَّا يكيل الإنسان طعام البيت، فمثلًا إذا أتى بكيس رز إلى بيته فلا يكيله؛ لأنه إذا كاله نزعت منه البركة، وإذا تركه أنزل الله فيه البركة، فيأخذ كل يوم ما يحتاجه بدون أن يكيله، هكذا جاءت به السنة.
ومنها: أن الإنسان إذا بورك له في شيء فيلزمه، ولا يبقي كل ساعة له رأي.
فأسباب البركة كثيرة، ودعاء الإنسان ربَّه عز وجل بالبركة ليس معناه أن يمسك عن فعل الأسباب، فإذا كنت تريد البركة أو أي شيء تريده فعليك بفعل الأسباب.
بركة الله عز وجل لا حد ولا نهاية لها قال الشيخ رحمه الله: ذكر لنا من نثق به من كبرائنا في السِّنِّ أن شخصين تقاسما تمرَ بستان لهما، وأن أحدهما خيَّر الآخر، قال له: اختر، فقال الآخر: أختار هذا الجانب الشرقي؛ لأنه رأى أنه أحسن وأكثر، فقال الثاني: وأنا أختار الغربي، والملك بينهما أنصافًا، فقال أحدهما: سأجُذُّه في نهار رمضان؛ لأجل ألَّا يأكل الفقير، فواعد الذين يجذُّون في النهار، فجذُّوه، وأدخل التمر، وأمَّا الثاني فقال: لن أجذَّه حتى يفطر الناس، فلما أفطروا قال لأهل حيِّه - وكان الناس في ذلك الوقت في فقر شديد- قال لهم: إني سأجذُّ النخل في اليوم الفلاني بعد العيد، فمن شاء منكم أن يحضر فليحضر، فحضر الفقراء وامتلأ البستان، وصاروا يأكلون حتى أن الزنابيل امتلأت من النوى، ولكن مع ذلك أنزل الله عز وجل فيه البركة، فجاء شريكه، وقال له: إننا قد أخطأنا في القسمة، وأنا أدَّعي أنني مغبون، وكيف يأكل الناس منك هذا الأكل الكثير، وتُدخل من التمر أكثر مما أدخلت أنا؟! قال الآخر: نحن قسمنا جميعًا، وخيَّرتُك، واخترت نصيبك معتقدًا أنه أكثر؛ ولكن بركة الله لا حدَّ لها، قال: بل غلبتني، ورُفع الأمر إلى القاضي، وحضرا، فقال: يا أيُّها القاضي، اقتسمنا التمر نصفين، وأدخلت تمري، وبلغ من الزنابيل كذا وكذا، وهو تأخَّر حتى أفطر الناس، وجاؤوا يأكلون، وملؤوا الزنابيل نوى، وأدخل من التمر أكثر مما أدخلت، وهذا يعني أنني مغبون، فكان القاضي ذكيًّا، فقال له: أقرأ: ﴿ إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ ﴾ [القلم: 17]، وكأنه يقول له: احمد ربَّكَ أنك حصلت على هذا التمر؛ لأن أصحاب الجنة لم يحصلوا على شيء، وأنت قلت: أجذُّها في نهار رمضان؛ لئلا يدخلنَّها اليوم عليك مسكين، فهذا جزاؤك، وهذا أنزل الله عز وجل له البركة، وبركة الله لا نهاية لها، فطرده.
بركة أسماء الله تعالى قال الشيخ رحمه الله: أسماء الله تعالى كلها خير وبركة، وقال رحمه الله: البركة تكون باسم الله؛ أي: أن اسم الله إذا صاحب شيئًا، صارت فيه البركة؛ ولهذا جاء في الحديث: ((كلُّ أمرٍ ذي بال لا يُبدأ فيه باسم الله، فهو أبْتَرُ))؛ أي: ناقص البركة.
بل إن التسمية تفيد حلَّ الشيء الذي يُحرَّم بدونها، فإنه إذا سمَّى الله على الذبيحة، صارت حلالًا، وإذا لم يسمِّ صارت حرامًا وميتةً، وهناك فرق بين الحلال الطيب الطاهر، والميتة النجسة الخبيثة.

وإذا سمى الإنسان على طهارة الحدث، صحَّت، وإذا لم يسم لم تصح على أحد القولين.
وإذا سمى الإنسان على جِمَاعِه، وقال: ((اللهم جنِّبنا الشيطان، وجنِّب الشيطان ما رزقتنا))، ثم قدر بينهما ولد، لم يضرَّه الشيطان أبدًا، وإن لم يفعل، فالولد عرضة لضرر الشيطان.
بركة حلق القرآن الكريم قال الشيخ رحمه الله: ينبغي أن نعتني بالصبيان، وأن ننشئهم نشأة صالحة على عبادة الله، وعلى محبَّة الصلاة والمساجد والخير وغير ذلك، ومن هذا أن نحُثَّهم على الالتحاق بحلق تحفيظ القرآن، إنها حلق مباركة نافعة.

بركة القرآن الكريم قال الشيخ رحمه الله: فوالله، ما أبركَ هذا القرآنَ! فلما كان المسلمون يعملون به ظاهرًا وباطنًا، سرًّا وعلنًا، عقيدةً وعملًا، خُلُقًا وأدبًا، نالوا بركته، وسادوا العالم، وجاهدوا به أعداء الله، ولما تخلَّفوا عنه نُزعت بركة القرآن عنهم.
وقال رحمه الله: القرآن قرآن مبارك، مبارك في ثوابه، مبارك في معناه، مبارك في آثاره، مُبارك من كل وجه.
من بركة القرآن ما يُفتحُ به على المُتدبِّر له من المعاني والحكم والأسرار: قال الشيخ رحمه الله: ومن بركة القرآن أن الله تعالى يفتحُ به على المؤمن، كلما تدبَّرهُ فتح الله به عليه من المعاني والحِكم والأسرار ما لم يفتحه على المعرض عن القرآن.   وقال رحمه الله: القرآن مبارك من كل وجه، مبارك في معناه؛ لأن الإنسان إذا فهم معاني كلام الله عز وجل استنار قلبه، وانشرح صدره، وتفتحت عليه أنواع المعارف التي تخفى على كثيرٍ من الناس؛ لأن الله تعالى قال: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا ﴾ [النساء: 174].
ومنها: الشعور بالراحة النفسية وانشراح الصدر عند تلاوته: قال الشيخ رحمه الله: بركة القرآن من حيث الأثر المترتِّب على تلاوته، سواء كان عامًّا أم خاصًّا، فالخاص ما يحصل للإنسان بتلاوة القرآن من انشراح الصدر، ونور القلب وطمأنينته كما هو مجرب لمن قرأ القرآن بتدبُّر، وقال الشيخ رحمه الله: بركة القرآن ما يحصل للمتمسِّك به من صحة القصد، وسلامة المنهج، والسعادة في الدنيا والآخرة.   ومنها: أنه حصن حصين من فتنة الدجال، وشر الشياطين، وكيد السحرة: قال الشيخ رحمه الله: من بركته أنه حصن حصين لقارئه؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((إذا أويت إلى فراشك، فاقرأ آية الكرسي، لن يزال معك من الله حافظ، ولا يقربك شيطان حتى تصبح))، فاقرأ آية الكرسي في كل ليلة، فلا يزال عليك من الله حافظ، ولا يقربك شيطان حتى تصبح.   ومنها: أنَّ فيه بيانًا لكل شيءٍ: قال الشيخ رحمه الله: ومن بركة القرآن أنه لا يمكن أن تحدث حادثة إلا وجدت في القرآن حلَّها، إما عن طريق الدلالة الصريحة، أو طريق الإيماء؛ فلو قال قائل: ليس في القرآن أن صلاة الظهر أربع ركعاتٍ، والعصر أربع، والمغرب ثلاث، وما أشبه ذلك؟ الجواب: أما عن طريق صريح، فهذا ليس موجودًا؛ لكن عن طريق الإشارة فموجود؛ قال تعالى: ﴿ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ ﴾ [البقرة: 43]، وقال: ﴿ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ ﴾ [المائدة: 92]، وقال صلى الله عليه وسلم: ((صلُّوا كما رأيتموني أُصلِّي))، فتبيَّنَ بذلك الحكمُ، فقوله تعالى: ﴿ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ ﴾ [البقرة: 43]؛أي: نقيمها بطاعة الله ورسوله، كما قال تعالى: ﴿ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ ﴾ [المائدة: 92]، وكيف نقيمها؟ بقوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((صلُّوا كما رأيتموني أُصلي))، فانتهت الدلالة، وعلى هذا يكون القياس.
فالقرآن الكريم نزل تبيانًا لكلِّ شيءٍ، وهو حبل الله المتين، من تمسَّك به نجا، ومن أطلقه هلك، فالبركة والخير في هذا القرآن، وقال رحمه الله: من بركته بيان أحكام الشريعة، وهي الأحكام التي يحتاجُ الناس إليها في حياتهم.   ومنها: عزة أمة الإسلام وظهورها على جميع أمم الأرض: قال الشيخ رحمه الله: وبركة القرآن ما حصل للمتمسِّكين به من الرفعة والعزة والظهور على جميع الأمم. وقال رحمه الله: ومن بركته ما حصل به من المعارف العظيمة لهذه الأمة الإسلامية، ومن الآثار الحميدة، فإن هذه الأمة الإسلامية كانت قبل نزول القرآن في ضلال مبينٍ في جهل أعمى، وفي ذلٍّ، وفي ضعف، ولما نزل القرآن وأخذت به، فاقت الأمم من كل ناحية؛ كما قال الله تعالى: ﴿ لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾ [آل عمران: 164]، وقال تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾ [الجمعة: 2]، وقال رحمه الله: القرآن مبارك في آثاره، فقد فتح المسلمون مشارق الأرض ومغاربها بالقرآن.   ومنها: أنه شفاء لأمراض القلوب والأبدان لمن أحسن الاستشفاء به: قال رحمه الله: من بركته ما يحصل به من الشفاء، والشفاء الحاصل بالقرآن نوعان: النوع الأول: شفاء معنوي. النوع الثاني: شفاء حسي.
أما الشفاء المعنوي فهو الشفاء من أمراض القلوب من الشبهات والشهوات، فالقرآن الكريم به العلم الذي هو شفاء من الشبهة، وبه الإخلاص الذي هو شفاء من الشهوة، وهذا من بركته، وكم من إنسان صلح قلبه بقراءة القرآن إما بنفسه وإما بسماعه من غيره!   وأما الشفاء الحسي، فمن بركته أنه شفاء للأمراض الحسية؛ أمراض البدن، وهذا شيء مُشاهد مُجرَّب، فكم من إنسان مريض عجز عن علاجه الأطباء، شفاه الله بالقرآن الكريم!   ومنها: جمع كلمة العرب وحفظ لسانهم؛ اللغة العربية: قال الشيخ رحمه الله: ومن بركته أيضًا، أنه حفظ لسان العرب - يعني: اللغة العربية - فإن القرآن الكريم أفصح الكلام العربي لا شك، وهو باقٍ إلى يوم القيامة؛ لأن الله تكفَّل بحفظه، فحِفظه يستلزم حفظ اللغة العربية؛ ولهذا يجب علينا - نحن المسلمين العرب - أن نفتخر بلغتنا، وأن نكون ضدَّ كُلِّ شخصٍ يُحاولُ أن يسلب الأمة العربية لغتها التي هي لغة القرآن والحديث.   وقال رحمه الله: وما يحصل بهذا القرآن من اجتماع الكلمة، وحفظ اللغة الأصلية للقوم الذين نزل بلغتهم، فمن المعلوم أن الناس إذا كانوا على لغة واحدة، صاروا إلى الاجتماع أقرب، وإذا تفرَّقت لغاتهم، صاروا إلى التفرُّق أقرب؛ لأنه إذا اتفقت لغاتهم استطاعوا أن يتفاهموا فيما بينهم، وأن يعرف بعضهم ما عند بعض، وإذا اختلفت اللغات لم تحصل هذه الفائدة، فهذا من بركة القرآن الكريم.
ومنها: الأجر الكبير في تلاوته: قال الشيخ رحمه الله: وبركة القرآن في الثواب الحاصل بتلاوته، فإن من قرأ حرفًا واحدًا منه، فله بكل حرف عشر حسنات، وهذه بركة عظيمة، فإذا قرأت: ﴿ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الفاتحة: 2]، فكلمةُ "ربِّ" بها ثلاثة أحرف، وهي: الراء، والباءُ المشددةُ بحرفين، كُلُّ حرف منها بعشر حسنات، فالجميع ثلاثون حسنة.   ومنها: أنه يهدي للتي هي أقوم: قال الشيخ رحمه الله: من بركته أنه يهدي للتي هي أقوم؛ أي: الخصلة التي هي أقوم، وهذه تعتبر قاعدة فيما يهدي القرآن إليه، وقد ألقى فيها الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمةُ الله عليه، محاضرةً كاملةً، وشرحها شرحًا وافيًا، فمن أراد الاطِّلاع عليها، فهي منشورة.   ومنها: رفعة منزلة مَنْ يتلوه: قال الشيخ رحمه الله: من بركات القرآن ما رُتِّب عليه من الثواب في المنزلة، لا في كثرة الأجر، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة، والذي يقرأ القرآن ويتتعتع فيه، وهو عليه شاقٌّ، له أجران)).   ومنها أنه يأتي يوم القيامة شفيعًا لأصحابه: قال الشيخ رحمه الله: من بركات القرآن أنه يأتي يوم القيامة شفيعًا لأصحابه، وما أحوج الإنسان للشفعاء! لأن الإنسان محل قصور، فيحتاج إلى من يشفع له عند الله سبحانه وتعالى.   ومنها: زيادة الإيمان والمعرفة بالله عز وجل عند تلاوته وتدبُّره: قال عز وجل: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا ﴾ [الأنفال: 2]. قال الشيخ رحمه الله: بركة القرآن: ما يحصل فيه من التأثير في القلب لزيادة الإيمان ومعرفة الله عز وجل وأسمائه وصفاته وأحكامه.   ومنها: البركة في العمر: قال الشيخ رحمه الله: انظر إلى أعمار من سبقنا من سلف في هذه الأمة، كيف يحصلون على الخير الكثير العظيم؟! ونتعجَّب كيف يكتبون هذا الشيء؟! وكيف يعملون هذا الشيء؟! فضلًا عن الإعداد له، وما يسبقه من تهيئة أبدانهم وقلوبهم وأفكارهم، كل هذا ببركة هذا القرآن العظيم.   ومنها تليين القلب وإكسابه خشية الله: قال الشيخ رحمه الله: القرآن الكريم مُبارك في تأثيره؛ يعني: أنه يُؤثر على القلب، ويُلينُ القلب، ويُكسبه خشية الله سبحانه وتعالى؛ لأن الله سبحانه وتعالى قال: ﴿ لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ﴾ [الحشر: 21]، سبحان الله! فهذا وهو جبل حصى يكون خاشعًا ذليلًا، ويتصدَّع من خشية الله عز وجل، فما بالكم بالقلب؟ لو كان القلب حيًّا يكون من باب أولى؛ ولهذا قال ابن عبدالقوي رحمه الله: وحافظ على درس القُرَانِ فإنه *** يُليِّنُ قلبًا قاسيًا مثل جلمـد   وقال رحمه الله: القرآن مبارك في أثره بما يحصل به من صلاح القلوب، وإقبال العبد على ربه، وتليين القلب بذكر الله.   بركة الإسلام ورسالة النبي عليه الصلاة والسلام قال الشيخ رحمه الله: رسالة النبي صلى الله عليه وسلم، أعظم الرسالات بركةً وأعمها وأشملها، وملايين الملايين من البشر كلهم انتفعوا بها، وبركاتها كثيرة معروفة لمن تتبع التاريخ.

وقال رحمه الله: الله تعالى بارك في دعوة الرسول عليه الصلاة والسلام بركةً لا نظير لها؛ ولذلك كان أتباعه يمثِّلون ثلثي أهل الجنة، وهو رسول واحد، والرسل عددهم كثير، ولا شك أن هذا من بركة دعوته؛ ولذلك وصلت إلى مشارق الأرض ومغاربها، ومن بركة دعوته ما يحصل لتابعه من الطمأنينة، والاستقرار، والسعادة، والثبات وغير ذلك.
وعن حكيم بن حزام رضي الله عنه، قال: قلتُ: يا رسول الله، أرأيت أشياء كنتُ أتحنَّث بها في الجاهلية من صدقة، أو عتاقةٍ، وصلة رحم، فهل فيها من أجرٍ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((أسلمت على ما سلف من خير))؛ [متفق عليه].

قال رحمه الله: إذا أسلم الكافر فأعماله السيئة يمحوها الإسلام كما قال الله عز وجل: ﴿ قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ ﴾ [الأنفال: 38]، وأما أعماله الصالحة المتعدية من صدقة أو عنق أو صلة رحم، فإنها تُكتب له، ولا تضيع، لقوله: ((أسلمت على ما سلف من خير))، وفي لفظ: ((على ما أسلفت لك من الخير))، وهذا مقتضى قوله تبارك وتعالى: ((إن رحمتي سبقت غضبي))، ولولا هذا لكان الكافر إذا أسلم يُؤاخذ على عمله السَّيئ إلا أنه لا يخلد في النار ولا يُحاسب على عمله الصالح؛ لكن الرحمة سبقت الغضب، وهذه نعمة، والإسلام كله بركة.
بركة شهر رمضان قال الشيخ رحمه الله: في شهر رمضان الكثير من البركات، وبركات هذا الشهر الكريم منها ما هو سابق، ومنها ما هو لاحق، ولنستعرض البركات التي جاءت في هذا الشهر اللاحقة والسابقة: فمن بركات شهر رمضان السابقة: أولًا: نُزولُ القرآن الكريم.
ثانيًا: نصر المسلمين في غزوة بدر. ثالثًا: فتح مكة.
ومن بركات شهر رمضان اللاحقة: ليلة القدر. تُصفَّدُ فيه الشياطين. فتح أبواب الجنة.
أن الله تعالى يُزينُ جنته كلَّ ليلة لمن أراد أن يدخلها.
قال جامعه: قد ذكرتُ كلام الشيخ رحمه الله مفصلًا عن بركات شهر رمضان في موضوع سابق بعنوان: "المنتقى من اللقاءات الرمضانية؛ للعلامة ابن عثيمين"، فلم أذكرها هنا منعًا للتكرار.
بركة المدينة النبوية قال الشيخ رحمه الله: دعا الرسول عليه الصلاة والسلام للمدينة بالبركة، وأن يجعل مع البركة بركتين، وهذا شيء مُشاهد حتى الآن، فالذين يسكنون المدينة يقولون: إنا نُحسُّ بأن في طعامنا وشرابنا بركةً لا نُدركها في البلاد الأخرى.
وقال رحمه الله: نجد الطعام في المدينة يكون دائمًا متوفِّرًا ومباركًا في زرعه وجنيه.
بركة الزمان قال الشيخ رحمه الله: الله قد يُبارك في الزمن للإنسان، حتى يقضي في اليوم ما لا يقضيه غيره في أيام، وهذا شيء مُشاهد، وإذا رأينا ما كتبه العلماء السابقون رحمهم الله في العلم وما عملوا من التدريس والجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، علمنا أنه لولا أن الله بارك لهم في أزمانهم ما عملوا هذا العمل الكثير العظيم.
وقال رحمه الله: الإنسان إذا وفَّقه الله لكثرة الذكر بارك الله له في وقته، وبارك في عمله، وهذا شيء نسمع عنه، والعلماء السابقون تجد الواحد منهم يكتب الكراسات الكثيرة في المدة القليلة، مع أعماله وأحواله، وضيق المعيشة، وعدم الإنارة في الليل.
وقال رحمه الله: إذا قيل: ما السبيل الذي يجعل أوقاتنا مباركة؟ قلنا: ذكر الله، ودليل ذلك قول الله تعالى: ﴿ وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا ﴾ [الكهف: 28]، فالإنسان إذا أعرض عن ذكر الله، واتَّبع هواه، نزع الله البركة من عمره، والعياذ بالله؛ لكنه إذا كان دائمًا متعلقًا بربِّه سبحانه وتعالى، دائمًا يذكر الله تعالى، إن لم يذكره بلسانه ذكره بقلبه، وإن لم يذكره بجوارحه ذكره بقلبه، فهذا هو الذي يُبارك الله له في عمره.   بركة الولد قال الشيخ رحمه الله: قوله صلى الله عليه وسلم: ((وبارك لي فيما أعطيت))؛ أي: أنزل البركة فيما أعطيت من: علم وولد ومال، أما بركة الولد فإن يجعل الله تعالى في ذلك معونة على طاعة الله، ويساعدك في أمورك، ومن بركة الأولاد أن يكونوا من طلبة العلم، وينفع الله بهم الناس.   بركة العلم قال الشيخ رحمه الله: البركة التي يجعلها الله تعالى على يد الإنسان أنواع: البركة في علمه، بحيث لا يجلس مجلسًا إلا انتفع الناس بعلمه، ولا شك أن من بركات الإنسان أن يكون حريصًا على نشر العلم، ويسلك في نشره الوسائل التي تُشوِّق الناس إلى العلم، ولا تُملُّهم.   وقال رحمه الله: فبركة العلم: أن يكون الإنسان مباركًا في علمه، في الانتفاع به، وعبادة الله تبارك وتعالى على بصيرة، ويكون مباركًا في علمه بنشره بين الأمة وتعليمهم إيَّاه، ويكون مباركًا في علمه بالتأليف والكتابة، وانظر إلى بركة العلماء السابقين الذين كتبوا وألَّفوا، كيف انتفعت الأمة بهم إلى اليوم وإلى ما شاء الله عز وجل، فصار هذا العلم بركة عظيمة لهم.   وقال رحمه الله: والغالب أن من دعا لنفسه - والعياذ بالله - أن الله تعالى لا يجعل في علمه بركة، وأن من أراد الحق جعل الله تعالى في علمه بركة حتى لو كان يتكلم بكلام لا يتكلم به إلا أدنى طلبة العلم، ولهذا نجد أناسًا عندهم حسن نية وقصد، يتكلمون بكلام سهل يأتي به أدنى طالب علم، ومع ذلك يكون لهم تأثير بليغ؛ لأنهم يريدون الحق وبيان الحق.
بركة الأخلاق قال الشيخ رحمه الله: البركة التي يجعلها الله تعالى على يد الإنسان أنواع: البركة في أخلاقه، بحيث تكون أخلاقه أخلاقًا حسنة، ففيه: السماح، والصدق، ولين الجانب، وما أشبه ذلك، فيقتدي الناس به، وإننا نقتدي بعوامٍّ ليس عندهم علم، نقتدي بأخلاقهم.   بركة العمل قال الشيخ رحمه الله: البركة في العمل أن يوفق الله الإنسان لعمل لا يُوفَّق له من نزعت منه البركة، وقال رحمه الله: يجب أن نكون على بصيرة في أمرنا، وعلى بصيرة في ديننا، وعلى بصيرة فيما نعبد الله به، وفيما نفعل أو ندعو من الأقوال والأعمال، حتى يُنزل الله لنا البركة في عملنا؛ ولهذا نجدُنا نُكثر الأعمال؛ ولكن أعمالنا لا تُصلح قُلُوبنا، وبركتها قلية على القلوب، وعلى الأخلاق، وعلى الآداب؛ لأن غالب عباداتنا لا يقوم بالقلب، ولا يكون فيه تمام المتابعة؛ بل أحيانًا لا يكون فيه تمام الإخلاص، وقال رحمه الله في شرحه لحديث الرجل الذي تصدَّق على سارق وزانية وغني: في هذا الحديث من العبر: أن هذا الرجل لصدق نيته وإخلاصه جعل الله تعالى في عمله بركة.
وقال رحمه الله: تأمل قوله تعالى: ﴿ فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ ﴾ [الجمعة: 10]؛ أي: تفرقوا، كل في مجال عمله، التاجر في تجارته، والزارع في زرعه، والصانع في صنعته، ﴿ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ ﴾ [الجمعة: 10]؛ أي: اطلبوا من فضل الله.
فيه والله أعلم إشارة إلى أن الإنسان إذا قدَّم الوظائف الدينية - وهي عمل الآخرة - على الوظائف الدُّنيوية، فإن ذلك من أسباب بركة العمل الدنيوي؛ حيث أرشد الله تعالى إلى طلب الرزق بعد انقضاء الصلاة.
وقال رحمه الله: البركة التي يجعلها الله تعالى على يد الإنسان أنواع:البركة في نتائج عمله التي لم يقصدها هو بنفسه، فأحيانًا يعمل الإنسان عملًا، ولا يخطر بباله أن الناس سينتفعون به هذا الانتفاع، ومع ذلك يجعل الله تعالى فيه خيرًا كثيرًا، ما كان يحلم أن يكون فيه هذا الخير، وهذا شيء يُشاهده الإنسان في بعض الأحيان.   بركة إقامة الحدود عن عروة بن الزبير رحمه الله، أنَّ امرأة سرقت في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة الفتح، ففزع قومها إلى أسامة بن زيد يستشفعونهُ، قال عروة: فلما كلَّمه أسامة فيها تلوَّن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ((أتُكلِّمني في حدٍّ من حدود الله؟!))، قال أسامة: استغفر لي يا رسول الله، فلما كان العشيُّ قام رسول الله خطيبًا، فأثنى على الله بما هو أهلُهُ، ثم قال: ((أما بعد، فإنما أهلك الناس قبلكم: أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحدَّ، والذي نفس محمد بيده، لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها))، ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بتلك المرأة فقطعت يدها، فحسنت توبتُها بعد ذلك، وتزوَّجت، قالت عائشة: فكانت تأتي بعد ذلك، فأرفع حاجتها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ [متفق عليه].
قال الشيخ رحمه الله: في هذا الحديث دليل على فوائد، منها: أن الحدود قد تكون سببًا للخير والبركة، فإن هذه المرأة رضي الله عنها تابت، وحسنت حالها، وتزوَّجت، وكانت تأتي إلى عائشة رضي الله عنها، فتقضي حاجتها بالنسبة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم.
بركة القناعة قال الشيخ رحمه الله في شرحه لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم: ((ومن يستغن يُغنِه الله))، قوله صلى الله عليه وسلم: ((ومن يستغْنِ))؛ أي: بما عنده ولو كان قليلًا ((يُغْنه الله)) عز وجل، ويبارك له فيه.
بركة المال قال الشيخ رحمه الله: إذا بارك الله في المال نما وزاد، وإذا نزعت البركة منه نقص وزال. وقال رحمه الله: الصدقة لا تُنقص المال، وإن نقصته عددًا، فإنها تزيدُهُ بركةً، وحماية وكثير من الناس الذين ينفقون ابتغاء وجه الله، يجدون ذاك ظاهرًا في أموالهم بالبركة فيها، ودفع الآفات عنها، حتى أن الرجل يقول: كيف لم أنفق هذا الشهر إلا كذا، يتقالُّ ما أنفق؛ لأن الله أنزل فيه البركة، وبركة الله تعالى لا نهاية لها.

وقال رحمه الله: البركة التي يجعلها الله تعالى على يد الإنسان أنواع: البركة في المال، فكم من إنسان عنده مال قليل بالنسبة إلى من عنده أموال كثيرة جدًّا، ومع ذلك تجد أمواله القليلة قد ينتفع الناس بها، وتجد صاحب الملاين أو المليارات لم ينتفع الناس بماله كما انتفعوا بمال هذا الرجل!   وقال رحمه الله: من بركات المال أن تؤدي به ما أوجب الله عليك من النفقات في سبيل الله، وفي صلة الرحم، وفي بر الوالدين، وتؤدي ما أوجب الله عليك من زكاته، وتتطوَّع بما شاء تعالى من الصدقات وغيرها، ومن البركة في الأموال أن يكون عند الإنسان محاصيل يكتسب بها أو يكتسبها سواء بالبيع والشراء أو بالزراعة أو بغير ذلك.   وقال رحمه الله: المال من أخذه بطيب نفس من الباذل، ولم تتعلق به نفسه، ولم يستشرف له، فإن الله عز وجل يُبارك له فيه.   بركة شركة المضاربة قال الشيخ رحمه الله: إعطاء المال لشخص يتاجر به، وله نصيب من الربح، يُسمَّى عند العلماء المُضاربة، وفيه خير وبركة لا سيَّما مع حُسْن النية، فإن الله تعالى قال في الحديث القدسي: ((أنا ثالث الشريكين ما لم يخن أحدهما صاحبه، فإذا خانه خرجت من بينهما)).

وهذا النوع من العقود فيه بركة كما قلت، ومن بركته أنه يُنمِّي المال لصاحب المال بلا تعب منه، وأنه يفتح باب العمل والرزق للطرف الآخر الذي ليس عنده مال، فيكون هذا مكتسبًا بعمله، وصاحب المال مكتسب بماله، فلو أن الناس سلكوا هذا، وأعطوا من يثقون به دراهمَ يتَّجر بها، ويكون الربح بينه وبين صاحب المال على حسب ما يتفقان عليه، لحصل خير كثير لهؤلاء العاطلين الذين لا يريدون أن يعملوا بأبدانهم عند الناس كصناعيين، أو بنَّائين، أو ما أشبه ذلك، وليس عندهم مال يتجرون به، فإذا أحسن إليهم أحد من الناس، وقال: خذ هذا المال فتصرف فيه بالبيع والشراء، وما أحل الله، والربح بيننا، كان في هذا خير كثير، ومع النية الصالحة يُبارك الله للشريكين في هذا المال.
بركة السحور قال الشيخ رحمه الله: قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((تسحَّروا؛ فإن في السحور بركة))، ففيه بركة؛ لكونه مُعينًا على طاعة الله، وفيه بركة؛ لأنه امتثال لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفيه بركة؛ لأنه اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم، وفيه بركة؛ لأنه يغني عن عدة أكلات وشربات في النهار، وفيه بركة؛ لأنه فصل بين صيامنا وصيام أهل الكتاب.
بركة الصلاح قال الشيخ رحمه الله: قول زينب رضي الله عنها: "يا رسول الله، أنهلك وفينا الصالحون" الصالح كل من قام بحق الله، وحق العباد، وفي هذا: دليل على أن وجود الصالحين في المجتمع يكون سببًا لمنعهم من الهلاك، وهذا من بركة الصلاح أن يدفع الله السوء عن الناس بسبب هؤلاء الصالحين.
بركة الاجتماع على الطعام وتكثير الأيدي عليه قال الشيخ رحمه الله: الأفضل الأكل جميعًا كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، وأخبر أن في ذلك بركة، وذلك لما شكا إليه رجل أنه كان يأكل ولا يشبع، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ((فلعلكم تأكلون متفرقين؟))، قالوا: نعم، قال: ((فاجتمعوا على طعامكم، واذكروا اسم الله عليه، يُبارك لكم فيه))، فاجتماع الناس على الأكل من أسباب البركة.
وقال رحمه الله: تكثير الأيدي على الطعام يُوجب حلول البركة فيه، وأن طعام الواحد يكفي الاثنين، والاثنين يكفي الثلاثة أو يكفي الأربعة أيضًا، وهذا مشاهد أنه في الشركة بركة، فكُلما كثرت الأيدي على الطعام كثُرت البركة فيه.   بركة ماء زمزم قال الشيخ رحمه الله: زمزم ماء مبارك، (طعام طعم وشفاء سقم)، و(ماء زمزم لما شرب له) إن شربته لعطش رويت، وإن شربته لجوع شبعت، حتى إن بعض العلماء أخذ من عموم الحديث أن الإنسان إذا كان مريضًا وشربه للشفاء شفي، وإذا كان كثير النسيان وشربه للحفظ صار حافظًا، وإذا شربه لأي غرض ينفعه، فعلى كل حال هذا الماء مبارك.
بركة منى قال الشيخ رحمه الله: منًى مُباركة، فمهما كثر الحجاج فإنها تكفيهم؛ لأنها مشعر، فلا بُدَّ أن يكون هذا المشعر كافيًا لجميع الحجاج؛ لكن إذا حصل الظلم نزعت البركة، قال بعض أهل العلم: إن من خصائص منًى أنها مثل رحم الأنثى، إن حملت بواحد كفاه، وإن حملت باثنين كفاهما، وإن حملت بثلاثة كفاهم، وهذا من بركة المكان أن يتسع لما لا يتسع له مثله في المساحة.
بركة المشاورة قال الشيخ رحمه الله: لما سمِع عمر رضي الله عنه بخبر الوباء استشار الصحابة - كعادته رضي الله عنه - هل يرجع أو يقدم؟ فأشار بعضهم بالرجوع، وأشار بعضهم بعدم الرجوع، ثم عزم على الرحيل، بناء على ترجيح أكثر الصحابة رضي الله عنهم، وفي أثناء ذلك جاء عبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه - وكان في حاجة له - فحدَّثهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارًا منه))، فانظر كيف كانت بركة المشورة، أن وفقوا للصواب والحق.
بركة البيع على الوجه الشرعي قال الشيخ رحمه الله: إذا تبايع الناس على وجه شرعي، أنزل الله تعالى لهم البركة في بيعهم وشرائهم، واستقرَّ اقتصادُ الناس؛ حيث لا ظلم، ولا غرر، ولا ربا، واستقامت الأمور؛ لكن إذا تعامل الناس بمعاملات مُحرَّمة اختل نظام الاقتصاد؛ لأن الذي نظَّم هذه المعاملات هو الله عز وجل.
بركة صلاح الآباء قال الله عز وجل: ﴿ وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا ﴾ [الكهف: 82]، قال الشيخ رحمه الله: فكان من شكر الله عز وجل لهذا الأب الصالح أن يكون رؤوفًا بأبنائه، وهذا من بركة الصلاح في الآباء أن يحفظ الله الأبناء.
بركة التهاني والتحيات الإسلامية قال الشيخ رحمه الله: التهاني والتحيات الإسلامية تجدها خيرًا وبركة؛ مثلًا: من التحيات التي ليست إسلامية بحتة، أن يقتصر الإنسان على قوله: "مرحبًا، أهلًا"؛ يعني: حللت مكانًا واسعًا، فالفائدة فيها الإكرام فقط؛ لكن "السلام عليكم" تحية دعاء، كذلك "بالرِّفاء والبنين"، فهي وإن كانت تتضمَّن دعاءً، فهو دعاء في أمر دنيوي؛ لكن "بارك الله لكما، وبارك عليكما، وجمع بينكما في خير" تشمل الدعاء للدنيا والآخرة؛ الأمر الدنيوي والديني، فأنت إذا تأملت ما يحصل من السنن التي جاء بها الرسول عليه الصلاة والسلام في مثل هذه المناسبات وجدت أنها خير، ودعاء، وبركة، وصلاح.
بركة الصدقة قال الشيخ رحمه الله: قوله صلى الله عليه وسلم: ((ما نقصت صدقة من مال)) أي لا ينقص المالُ بالصدقة، لأن الإنسان قد يظن أن النقص هو النقص الحسيُّ، والحقيقة أن النقص هو النقص المعنوي.
مثال ذلك: رجل عنده مائة ريال تصدَّق منها بعشرة، فستصبح تسعين ريالًا، فيقال: نقصت؛ ولكن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرد هذا؛ لأنه يعلم أنه لا بدَّ أن ينقص العدد؛ لكنه لم ينقص من حيث المعنى، وذلك أن الله تعالى يُنزل البركة فيما بقي من المال، ويقي المال الآفات التي قد تحدث للمال نفسه، أو لمالك المال، أرأيت لو كان عند إنسان مائة ريالٍ مثلًا، وأصيب بمرض، واحتاج المائة للمعالجة، ألا تكون قد ذهبت المئة؟! أما إذا تصدَّق من هذا المال، فإنه من أسباب وقايته؛ أي: وقاية ما يتلفه، سواء كان في مرض الإنسان، أو في مرض أهله، أو في ضياع المال، أو في سرقته، أو ما أشبه ذلك.
بركة النكاح عن عائشة رضي الله عنها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن أعظم النكاح بركةً أيْسَرُه مُؤنةً))؛ [أخرجه أحمد] قال الشيخ رحمه الله: قوله صلى الله عليه وسلم: ((أيسرُه مؤنة)) هذا يشمل المهر والنفقات الأخرى التابعة له، فكلما كانت مُؤنة النكاح أيسرَ، كانت بركته أعظم، والعكس بالعكس، فكلما كانت مؤنته أكثر، صارت بركته أقلَّ.
لا بركة في الربا قال الشيخ رحمه الله: الربا من أكبر الكبائر، لم يرد في أي ذنب دون الشرك مثل ما ورد في الربا من الوعيد؛ وذلك لأن النفوس تدعو إليه، حيث إنه يكثر المال حسًّا؛ ولكنه ينقص به معنى وبركةً.
هذه من بركتك قال الشيخ رحمه الله: يجوز أن تقول لشخص: "هذه من بركتك" وما أشبه ذلك، إذا كان سببًا للخير، فإن من الناس من يكون مُباركًا، ويحصل على يديه من الخير والبركات ما لا يحصل لغيره، ومن الناس ما لا يكون كذلك، فإذا قلت لإنسان مثلًا: "هذه من بركاتك، أنك حضرت وأحضرت فلانًا" أو "هذه من بركاتك، أنك أصلحت بين القوم"، أو ما أشبه هذا، فإن هذا لا بأس به، أما إذا كان من بركات الميت، ولم يكن هذا الشيء وقع في زمنه، فهذا لا يجوز، لكن لو وقع في زمنه فلا بأس، والمقصود أنك إذا قلت: "هذا من بركة فلان" وهو ميت، أنه إن كان حصل الشيءُ بعد موته فهو حرام، ولا يجوز؛ بل قد يصل إلى حدِّ الشرك الأكبر، وإن كان شيء حصل في حياته، وكان سببًا له، فهذا لا بأس به.
وقال الشيخ رحمه الله: قد مرَّ علينا بحث في كون الإنسان يُتبرَّكُ به، وهل يصحُّ هذا أم لا؟ وقلنا فيما سبق: إن كان المرادُ البركة الشخصية، فهذا ليس بصحيح إلا للنبي صلى الله عليه وسلم، وإن كان المراد بالبركة ما يحصل منه من منافع علمية، أو مالية، فإن هذا صحيح؛ لأن بعض الناس قد يكون مجلسه مُباركًا ينفع الحاضرين، إما بالذكر، وإما بالعلم، وإما بالمال، وإما بالآداب، والأخلاق، هذه بركة لا شك.
البركة في بعض الناس قال الشيخ رحمه الله: البركة تكون في المخلوقات، ولكن الذي جعلها فيها هو الله عز وجل. وقال رحمه الله: من بركة الإنسان أن يكون سببًا لصالح أقاربه. وقال رحمه الله: ومن بركة الإنسان أن يجعل اللهُ فيه خيرًا.
وقال رحمه الله: قال أُسيدُ بن خضيرٍ: "ما هي بأول بركتكم يا آل أبي بكر"، والبركة هنا أن ضياع عقدها صار سببًا لتفريج كربات الناس، ونزول آية التيمُّم، وصدق رضي الله عنه، فآل أبي بكر لهم بركات، ليس على النبي صلى الله عليه وسلم فقط؛ بل وعلى الأمة أيضًا، ولو لم يكن من بركات آل أبي بكر على الأمة إلا خلافة أبي بكر لكفى بها بركة، وحصل بها خير كثير، فقتال أهل الردَّة وعزة المسلمين، وتولية الفاروق رضي الله عنه، هذه كلها حسنات أبي بكر رضي الله عنه، وأنه وضع الحقَّ في نصابه تمامًا؛ ولهذا تُعدُّ خلافة عمر رضي الله عنه من مناقب أبي بكر رضي الله عنه، فبركتهم كثيرة.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما فتح مكة، قال: ((إنها لم تحل لأحد كان قبلي، وإنما أُحلت لي ساعة من نهار، وإنها لن تحل لأحد بعدي، فلا ينفر صيدها، ولا يختلى شوكها))، فقال العباس: إلا الإذخر يا رسول الله، فإنا نجعله في قبورنا وبيوتنا، فقال: ((إلا الإذخر))؛ [متفق عليه].
قال الشيخ رحمه الله: من فوائد هذا الحديث: أن من الناس من يكون فيه بركة في تشريع الأحكام الشرعية، فمن بركات العباس رضي الله عنه، استثناء الإذخر الذي يحتاجه الناس في مكة للبيوت والقبور.
وقال رحمه الله: وهناك شيء آخر يجعله الله عز وجل بدون قصد من الإنسان، وبدون فعل منه، فرُبَّما يدخل رجل على أناس، وبدخوله عليهم يحصل لهم فرح وسرور وأُنس، وينسون كثيرًا من أحزانهم الماضية، وهذا واقع كثيرًا، وهو نوع من أنواع البركة.   الإنسان يسأل الله أن يجعله مباركًا قال الشيخ رحمه الله: الإنسان ينبغي له دائمًا أن يسأل الله أن يجعله مُباركًا أينما كان، في قوله وفعله، حتى يكون فيه الخير في نفسه وفي فعله.
من جعل الله على يديه بركة فليحمد الله ويشكره على ذلك قال الشيخ رحمه الله: الإنسان إذا رأى الله سبحانه وتعالى يجعل على يده الخير والبركة، فهذه نعمة عظيمة ينبغي أن يحمد الله عليها؛ بل يجب أن يحمد الله عليها، ويشكر عليها.

كتب الشيخ التي تم الرجوع إليها: ♦ تفسير سورة البقرة. ♦ تفسير سورة الكهف. ♦ تفسير سورة النور. ♦ تفسير سورة القصص. ♦ تفسير سورة ص. ♦ تفسير سورة الزخرف. ♦ أحكام من القرآن الكريم. ♦ التعليق على القواعد الحسان المتعلقة بتفسير القرآن. ♦ شرح مقدمة التفسير. ♦ شرح أصول في التفسير. ♦ التعليق على صحيح البخاري. ♦ التعليق على صحيح مسلم. ♦ شرح رياض الصالحين. ♦ فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام. ♦ شرح مشكاة المصابيح. ♦ التعليق على المنتقى من أخبار المصطفى صلى الله عليه وسلم. ♦ شرح العقيدة الواسطية. ♦ الشرح الممتع على زاد المستقنع. ♦ دروس وفتاوى من الحرمين الشريفين. ♦ فتاوى نور على الدرب.



شارك الخبر

ساهم - قرآن ١