أرشيف المقالات

حتى قنوت النوازل؟؟؟!!!! - أبو الهيثم محمد درويش

مدة قراءة المادة : 12 دقائق .
إزاء أزمة حلب جبر الله كسرها للأسف الشديد حتى قنوت النوازل في الصلوات الخمس خاف أئمة المساجد من فعلها في بعض الدول العربية خوفًا من بطش طغاتهم، فهل وصلنا إلى تلك الحال المزرية من الضعف والعنت وصرنا حتى أقل من الغثاء حتى أن أئمة المساجد يخافون من الدعاء على أعداء الله (الروس والنصيرية ورافضة إيران) ويخافون من  الدعاء للمستضعفين الذين أبيحت دماؤهم وأعراضهم وديارهم!!!!!!
حكم قنوت النوازل : *
قنوت النوازل: هو الدعاء في النوازل التي تنزل بالمسلمين لدفع أذى عدوٍ أو رفعه أو رفع بلاء ونحو ذلك.

قال النووي في شرح مسلم: "والصحيح المشهور أنه إذا نزلت نازلةٌ كعدوٍ وقحطٍ ووباءٍ وعطش وضررٍ ظاهر بالمسلمين ونحو ذلك، قنتوا في جميع الصلوات المكتوبات".
من الأحاديث الواردة في قنوت النازلة:
1.
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ  رضي الله عنه: أَ «نَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَنَتَ شَهْرًا يَلْعَنُ رِعْلاً وَذَكْوَانَ وَعُصَيَّةَ عَصَوُا اللَّهَ وَرَسُولَهُ» ( متفق عليه واللفظ لمسلم: 677).
2.
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه : «أَنَّ رِعْلاً وَذَكْوَانَ وَعُصَيَّةَ وَبَنِي لَحْيَانَ اسْتَمَدُّوا رَسُولَ صلى الله عليه وسلم عَلَى عَدُوٍّ فَأَمَدَّهُمْ بِسَبْعِينَ مِنَ الْأَنْصَارِ كُنَّا نُسَمِّيهِمُ الْقُرَّاءَ فِي زَمَانِهِمْ كَانُوا يَحْتَطِبُونَ بِالنَّهَارِ وَيُصَلُّونَ بِاللَّيْلِ حَتَّى كَانُوا بِبِئْرِ مَعُونَةَ قَتَلُوهُمْ وَغَدَرُوا بِهِمْ فَبَلَغَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَنَتَ شَهْرًا يَدْعُو فِي الصُّبْحِ عَلَى أَحْيَاءٍ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ عَلَى رِعْلٍ وَذَكْوَانَ وَعُصَيَّةَ وَبَنِي لَحْيَانَ قَالَ أَنَسٌ فَقَرَأْنَا فِيهِمْ قُرْآنًا ثُمَّ إِنَّ ذَلِكَ رُفِعَ (بَلِّغُوا عَنَّا قَوْمَنَا أَنَّا لَقِينَا رَبَّنَا فَرَضِيَ عَنَّا وَأَرْضَانَا)» .
(أخرجه البخاري : 3862) .
قوله «كُنَّا نُسَمِّيهِمُ الْقُرَّاءَ» جاء في رواية ثابت أن هؤلاء القراء بعدما يحتطبون بالنهار يشترون به طعاماً لأهل الصُفَّة، ويتدارسون القرآن
3.
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: «كَانَ الْقُنُوتُ فِي الْمَغْرِبِ وَالْفَجْرِ» (أخرجه البخاري: 956) .
4.
عَنِ الْبَرَاءِ رضي الله عنه قَالَ: «قَنَتَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْفَجْرِ وَالْمَغْرِبِ» (أخرجه مسلم: 1141).
5.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فِي الرَّكْعَةِ الْآخِرَةِ مِنْ صَلَاةِ الْعِشَاءِ قَنَتَ اللَّهُمَّ أَنْجِ عَيَّاشَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ اللَّهُمَّ أَنْجِ الْوَلِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ اللَّهُمَّ أَنْجِ سَلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ اللَّهُمَّ أَنْجِ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اللَّهُمَّ اشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى مُضَرَ اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا عَلَيْهِمْ سِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ» (أخرجه البخاري: 6030) .
قوله: «اللَّهُمَّ أَنْجِ عَيَّاشَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ اللَّهُمَّ أَنْجِ الْوَلِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ اللَّهُمَّ أَنْجِ سَلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ» هؤلاء رجال من أهل مكة أسلموا ففتنتهم قريش وعذبوهم، ثم نجوا ببركة دعاء النبي صلى الله عليه وسلم وقوله: «اللَّهُمَّ أَنْجِ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ» من الدعاء العام بعد الخاص، وقوله: «اللَّهُمَّ اشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى مُضَرَ» المقصود بهم كفار مضر وهي قبيلةٌ مشهورة، واشدد وطأتك: أي خذهم بشدة والمراد به الإهلاك، وقوله: «اجْعَلْهَا عَلَيْهِمْ سِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ» أي كالسنين السبع الشداد ذات القحط والغلاء ليضعفهم بالجوع، وهي التي وقعت في عهد يوسف عليه السلام.
6.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: «لأقَرِّبَنَّ صَلَاةَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقْنُتُ فِي الرَّكْعَةِ الْآخِرَةِ مِنْ صَلَاةِ الظُّهْرِ وَصَلَاةِ الْعِشَاءِ وَصَلَاةِ الصُّبْحِ بَعْدَ مَا يَقُولُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَيَدْعُو لِلْمُؤْمِنِينَ وَيَلْعَنُ الْكُفَّارَ» متفق عليه.
7.
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه  قَالَ: «قَنَتَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم شَهْرًا مُتَتَابِعًا فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَصَلَاةِ الصُّبْحِ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ إِذَا قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ مِنَ الرَّكْعَةِ الْآخِرَةِ يَدْعُو عَلَى أَحْيَاءٍ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ عَلَى رِعْلٍ وَذَكْوَانَ وَعُصَيَّةَ وَيُؤَمِّنُ مَنْ خَلْفَهُ» (أخرجه أحمد وأبو داود والحاكم كلهم من طريق ثابت بن يزيد عن هلال بن خباب عن عكرمة عن ابن عباس به، قال النووي: "رواه أبو داود بإسناد حسن أو صحيح" (المجموع 3/482).
وقال ابن القيم : "وهو حديث صحيح" (زاد المعاد 1/280))

وقال ابن حجر: "هذا حديث حسن" (نتائج الأفكار 2/130) وحسنه الألباني (انظر صحيح سنن أبي داود ج3/144).
يستفاد من الأحاديث السابقة أحكاماً عدة منها:
أولاً: مشروعية القنوت في النوازل
لدلالة الأحاديث السابقة من فعله صلى الله عليه وسلم وعلى هذا سار صحابته رضوان الله عليهم والتابعين من بعدهم.
قال ابن تيمية : "القنوت مسنون عند النوازل، وهذا القول هو الذي عليه فقهاء أهل الحديث، وهو المأثور عن الخلفاء الراشدين" (مجموع الفتاوى 23/ 108).
وقنوت النازلة إنما يكون في الركعة الأخيرة كما هو ظاهر حديث أبي هريرة السابق في الصحيحين.
وما الحكمة من جعل القنوت في القيام لا في السجود؟
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى في فتح الباري في فصل القنوت: (وظهر لي أن الحكمة في جعل قنوت النازلة في الاعتدال دون السجود مع أن السجود مظنة الإجابة أن المطلوب من قنوت النازلة أن يشارك المأمومُ الإمام في الدعاء ولو بالتأمين ومن ثم اتفقوا على أن يجهرَ به).
ثانياً: أن القنوت يجوز فعله في الصلوات الخمس وآكدها الفجر :
ويدل على ذلك: أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت في النوازل في الصلوات الخمس كلها، فقد ثبت في الصحيحين أنه قنت في: الفجر والظهر والمغرب والعشاء.
أما العصر فقد ثبت عند أحمد وأبي داود، وهذا قول، وأكثر ما رواه الصحابة في قنوت النبي صلى الله عليه وسلم فيما يظهر من الأحاديث السابقة وغيرها كان في الفجر، ثم المغرب والعشاء، ثم الظهر، ثم العصر.
قال ابن تيمية رحمه الله:"..
فيشرع أن يقنت عند النوازل يدعو للمؤمنين ويدعو على الكفار في الفجر وفي غيرها من الصلوات، وهكذا كان عمر يقنت لما حارب النصارى بدعائه الذي فيه (اللهم العن كفرة أهل الكتاب)" (مجموع الفتاوى 22/270).
وقبل ذلك قال: "وأكثر قنوته - يعني النبي صلى الله عليه وسلم  كان في الفجر" (مجموع الفتاوى 22/269).
وقال ابن القيم: "وكان هديه صلى الله عليه وسلم  القنوت في النوازل خاصة، وترْكَه عند عدمها، ولم يكن يخصه بالفجر، بل كان أكثر قنوته فيها".
(زاد المعاد 1/273).
وأما النوافل فلا يُقنت فيها؛ لعدم ورود ذلك في حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم .
واختلف العلماء في القنوت في صلاة الجمعة لعدم وروده في الأحاديث: فقيل: يقنت في الجمعة، واختاره شيخنا ابن عثيمين (في الممتع 4 / 47).
وقيل: أنه لا يقنت، وهو اختيار شيخ الإسلام وابن المنذر، وهو الأظهر والله أعلم؛ لعدم ثبوته عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا عن صحابته رضي الله عنهم ولو ثبت لنقل إلينا كغيره من الصلوات المفروضة حيث نقلت كلها بلا استثناء، ولذا يكتفي الخطيب بأن يدعو للمسلمين في خطبة الجمعة.
قال ابن عبد البر (في الاستذكار 2/282): "وليس عن أحد من الصحابة أنه قنت الجمعة".
فائدة: حديث أنس " مازال رسول الله  صلى الله عليه وسلم يقنت في الفجر حتى فارق الدنيا " رواه أحمد والبيهقي والدارقطني وغيرهم، وهو حديث ضعيف فيه أبو جعفر الرازي، ضعفه الإمام أحمد وشيخ الإسلام ابن تيمية (في مجموع الفتاوى 3/664)، وابن القيم (في زاد المعاد 1/276) والشوكاني (في نيل الأوطار 1/631) واللجنة الدائمة (7/44) وابن عثيمين (في شرح بلوغ المرام (227) كتاب الصلاة).
ثالثاً: المشروع أن يكون القنوت يسيراً:
فالسنة أن يبتعد عن الإطالة ولا يشق على الناس وأن يهتدي بهدي النبي - صلى الله عليه وسلم - كان دعاؤه كلمات يسيرة كما هو ظاهر الأحاديث السابقة.
ويدل على ذلك: حديث أَنَسٍ - رضي الله عنه - لما سئل: هَلْ قَنَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ؟ قَالَ: "نَعَمْ بَعْدَ الرُّكُوعِ يَسِيرًا " أخرجه مسلم.
لأن العبرة بصدق الدعاء، وطهارة قلب صاحبه وعبوديته لله تعالى.
إلا أن يحتاج الإنسان للتطويل اليسير ليُلِحَّ على ربه تعالى لاسيما إذا اشتد الكرب والنازلة بالمسلمين ما لم يكن في ذلك مشقة على المسلمين فلا بأس.
قال شيخنا ابن عثيمين: "الوارد عنه - صلى الله عليه وسلم - في قنوت النوازل أنه قنوت قصير، يدعو لقوم أو يدعو على قوم بدون إطالة، ولكن إذا أطال الإنسان إطالة لا يحصل فيها تعب على المصلين، وكان يرى فيهم الرغبة في هذا، والدعاء لا يتجاوز ما يتعلق بالنازلة، فإن هذا لا بأس به، لأن الإلحاح في الدعاء من الأمور المشروعة، ولم يرد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما أعلم النهي عن إطالة القنوت إلا إذا كان شاقاً على المصلين" [انظر فتاوى نور على الدرب في موقع الشيخ ابن عثيمين].
رابعاً: لا يشترط في القنوت في الصلاة أن تحل النازلة ببلاد المسلمين:
بل يشرع القنوت في النازلة ولو وقعت خارج بلاد المسلمين إن لحق المسلمون منها ضرر أو أذى.
ويدل على ذلك: حديث أبي هريرة  رضي الله عنه السابق نص في هذا حيث قنت الرسول صلى الله عليه وسلم على أولئك المذكورين من أهل مكة، ومكة آنذاك لا تزال دار كفر.
خامساً: يجوز الدعاء لأشخاص بأعيانهم من المستضعفين المسلمين إن دعت الحاجة لذلك-:
كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه السابق وفيه قال النبي  صلى الله عليه وسلم: «اللَّهُمَّ أَنْجِ عَيَّاشَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ اللَّهُمَّ أَنْجِ الْوَلِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ اللَّهُمَّ أَنْجِ سَلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ اللَّهُمَّ أَنْجِ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ...» الحديث.

 

شارك الخبر

فهرس موضوعات القرآن