أرشيف المقالات

حديث: على رسلكما إنما هي صفية بنت حيي

مدة قراءة المادة : 8 دقائق .
2حديث: على رِسلكما إنما هي صفية بنت حيي   عن صفية بنت حيي رضي الله عنها، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم معتكفًا، فأتيته أزوره ليلًا، فحدَّثته، ثم قمتُ لأنقلب، فقام معي ليقلبني، وكان مسكنها في بيت أسامة بن زيد، فمر رجلان من الأنصار، فلما رأَيَا رسول الله صلى الله عليه وسلم أسرَعا في المشي، فقال: "على رِسلكما إنما هي صفية بنت حيي"، فقالا: سبحان الله يا رسول الله، فقال: "إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، وإني خفتُ أن يقذف في قلوبكما شرًّا، أو قال: شيئًا".   وفي رواية: أنها جاءت تزوره في اعتكافه في المسجد في العشر الأواخر من رمضان، فتحاثت عنده ساعة، ثم قامت تنقلب، فقام النبي صلى الله عليه وسلم معها يقلبها، حتى إذا بلغ باب المسجد عند باب أم سلمة، ثم ذكره بمعناه.   ♦ قال البخاري: باب هل يخرج المعتكف لحوائجه إلا باب المسجد. وذكر الحديث ولفظه: أنها جاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم تَزوره في اعتكافه في المسجد في العشر الأواخر من رمضان، فتحدثت عنده ساعة، ثم قامت تنقلب، فقام النبي صلى الله عليه وسلم معها يقلبها حتى إذا بلغت باب المسجد عند باب أم سلمة، مر رجلان من الأنصار، فسلَّما على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لهما النبي صلى الله عليه وسلم: "على رِسلكما إنما هي صفية بنت حيي"، فقالا: سبحان الله يا رسول الله، وكبر عليهما، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الشيطان يبلغ من الإنسان مبلغَ الدم، وإني خشيتُ أن يقذف في قلوبكما شيئًا"[1].   ♦ قولها: (فأتيته أزوره ليلًا)، وفي رواية: كان النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد وعنده أزواجه، فَرُحْنَ، وقال لصفية: لا تعجلي حتى أنصرف معك.   ♦ قولها: (ثم قمت لأنقلب، فقام معي ليقلبني): بفتح أوله؛ أي: يردها إلى منزلها.   ♦ قوله: (وكان مسكنها في بيت أسامة بن زيد).   ♦ قال الحافظ: (أي الدار التي صارت بعد ذلك لأسامة بن زيد؛ لأن أسامة إذ ذاك لم يكن له دار مستقلة، بحيث تسكن فيها صفية، وكانت بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم حوالي أبواب المسجد، والمراد بهذا بيان المكان الذي لقِيه الرجلان فيه لإتيان مكان بيت صفية.   ♦ قولها: (فمر رجلان من الأنصار، فلمَّا رَأَيَا رسول الله صلى الله عليه وسلم، أسرَعا في المشي، فقال: "على رِسلكما")؛ أي: على هينتكما في المشي، فليس هنا شيء تكرهانه.   ♦ قولها: (فقالا: سبحان الله يا رسول الله)، وفي رواية: وكبر عليهما ما قال، وفي رواية: يا رسول الله، هل نظن بك إلا خيرًا؟!   ♦ قوله: (إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم)، وفي رواية عبدالرحمن بن إسحاق: ما أقول لكما هذا أن تكونا تظنان شرًّا، ولكن قد علمت أن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم[2].   ♦ قوله: (وإني خفتُ أن يقذف في قلوبكما شرًّا، أو قال شيئًا)، وفي رواية: إني خفت أن يدخل عليكما شيئًا.   ♦ قال الحافظ: (والمحصل من هذه الروايات أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يَنسبهما إلى أنهما يظنان به سوءًا لِما تقرَّر عنده من صدق إبمانِهما، ولكن خشِي عليهما أن يُوسوس لهما الشيطان؛ ذلك لأنهما غير معصومين، فقد يُفضي بهما ذلك إلى الهلاك، فبادر إلى أعلامهما حسمًا للمادة، وتعليمًا لمن بعدهما إذا وقع له مثلُ ذلك؛ كما قاله الشافعي رحمه الله تعالى، فقد روى الحاكم أن الشافعي كان في مجلس ابن عيينة، فسأله عن هذا الحديث، فقال: إنما قال لهما ذلك؛ لأنه خاف عليهما الكفر إن ظنَّا به التهمة، فبادر إلى إعلامهما نصيحةً لهما قبل أن يقذف الشيطان في نفوسهما شيئًا يَهلكان به.   قال: وفي الحديث من الفوائد: جواز اشتغال المعتكف بالأمور المباحة؛ من تشييع زائره والقيام معه، والحديث مع غيره، وإباحة خَلوة المعتكف بالزوجة، وزيارة المرأة للمعتكف، وبيان شفقته صلى الله عليه وسلم على أُمته، وإرشادهم إلى ما يدفع عنهم الإثم، وفيه التحرز من التعرض لسوء الظن، والاحتفاظ من كيد الشيطان والاعتذار؛ قال ابن دقيق العيد: وهذا متأكد في حق العلماء، ومَن يُقتدى به، فلا يجوز لهم أن يفعلوا فعلًا يوجب سوءَ الظن بهم، وإن كان لهم فيه مخلص؛ لأن ذلك سبب إلى إبطال الانتفاع بعلمهم، ومِن ثَمَّ قال بعض العلماء: ينبغي للحاكم أن يُبين للمحكوم عليه وجهَ الحكم إذا كان خافيًا؛ نفيًا للتهمة، ومِن هنا يظهر خطأ مَن يتظاهر بمظاهر السوء، ويعتذر بأنه يُجرب بذلك على نفسه، وقد عظُم البلاء بهذا الصِّنف، والله أعلم، وفيه إضافة بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم إليهنَّ، وفيه جوازُ خروج المرأة ليلًا، وفيه قول سبحان الله عند التعجب، وقد وقعت في الحديث لتعظيم الأمر وتهويله، وللحياء من ذكره كما في حديث أم سليم)[3]؛ انتهى.   تتمة: يستحب لمن اعتكف العشر الأواخر من رمضان أن يَبيت ليلة العيد في معتكفه؛ نصَّ عليه أحمد، وروى الأثرم بإسناده عن أيوب عن أبي قلابة أنه كان يبيت في المسجد ليلة الفطر، ثم يغدو كما هو إلى المصلى، وكان في اعتكافه لا يُلقى له حصيرٌ، ولا مصلى يجلس عليه، كان يجلس كأنه بعض القوم، قال: فأتيتُه يوم الفطر فإذا في حجره جويرية مزينة ما ظننتُها إلا بعض بناته، فإذا هي أمة له فأعتقها، وغدا كما هو إلى العيد، وقال إبراهيم: كانوا يحبون لمن اعتكف العشر الأواخر من رمضان أن يبيت ليلة الفطر في المسجد، ثم يغدو إلى المصلى من المسجد، والله أعلم.   ♦ قال في الاختيارات: ومن نذَر الاعتكاف في مسجد غير المساجد الثلاثة، تعيَّن ما امتاز على غيره بمزية شرعية كقدم وكثرة جمعٍ؛ اختاره أبو العباس في موضع آخر من وجهين في مذهبنا، ولا يجوز سفر الرجل إلى المشاهد والقبور والمساجد غير المساجد الثلاثة، وهو قول مالك وبعض أصحابه، وقال ابن عقيل من أصحابنا: وإن قرأ القرآن عند الحكم الذي أنزل له أو ما يناسبه فحسَنٌ؛ كقوله لمن دعاه إلى ذنبٍ وتابَ منه: ما يكون لنا أن نتكلم بهذا، وقوله عندما أهمَّه أمر: إنما أشكو بثي وحزني إلى الله، والتحقيق في الصمت أنه إذا طال حتى يتضمَّن ترك الكلام الواجب، صار حرامًا؛ كما قال الصِّدِّيق، وكذا إن بَعُدَ بالصمت عن الكلام المستحب والكلام الحرام، يجب الصمت عنه، وفضول الكلام ينبغي الصمت عنه، ولم ير أبو العباس لمن قصد المسجد للصلاة وغيرها أن ينويَ الاعتكاف مدةَ لُبثِه)[4]؛ انتهى والله المستعان.


[1] صحيح البخاري: (3/ 64). [2] فتح الباري: (4/ 279). [3] فتح الباري: (4/ 279). [4] الاختيارات الفقهية: (1/ 463).



شارك الخبر

مشكاة أسفل ٢